Free Web Hosting
صفحة البداية
كتاب البيع
كتاب الربَا
كتاب الرهن
كتاب الكفالة
كتاب السلم
كتاب الشركات
عن السكربت
 

الفقه الاسلامي

 

 

فهرس البيع

تعريف البيع

مشروعية البيع

ركن البيع أو كيفية انعقاده

بيع المعاطاة

صفة الإيجاب والقبول - الكلام في خيار المجلس

شروط البيع

شروط الإيجاب والقبول

مبدأ وحدة الصفقة وتفريقها

شروط صحة البيع

حقوق البيع التابعة للحكم

الثمن والمبيع

معنى التسليم أو القبض وكيفية تحققه

بيع الدين

حكم التأمين مع شركات التأمين في الإسلام

بيع النجس والمتنجس

بيع العربون

بيع الماء

المطلب الثاني- أنواع البيع الفاسد

بيع المجهول

البيع المعلق على شرط والبيع المضاف

بيع العين الغائبة أو غير المرئية

بيع الأعمى وشراؤه

البيع بالثمن المحرّم

البيع نسيئة ثم الشراء نقداً- بيوع الآجال

بيع العنب لعاصر الخمر

البيعتان في بيعة أو الشرطان في بيع واحد

بيع الأتباع والأوصاف مقصوداً

بيع الشيء المملوك قبل قبضه من مالك آخر

اشتراط الأجل في المبيع المعين والثمن المعين

البيع بشرط فاسد

بيع الثمار أو الزروع

حكم البيع الفاسد :

1-خيار الوصف، أو خيار فوات الوصف المرغوب فيه

2- خيار النقد

3- خيار التعيين

4- خيار الغبن

5- خيار كشف الحال

6- خيار الخيانة

7- خيار تفرق الصفقة

8- خيار إجازة عقد الفضولي

9- خيار تعلق حق الغير بالمبيع

10- خيار الكمية للبائع

11- خيار الاستحقاق

12- خيار الشرط

13- خيار العيب

14- خيار الرؤية

14- خيار الرؤية :

        المطلب الأول- مشروعية خيار الرؤية :

        أجاز الحنفية خيار الرؤية في شراء مالم يره المشتري وله الخيار إذا رآه : إن شاء أخذ المبيع بجميع الثمن، وإن شاء رده، وكذا إذا قال : رضيت، ثم رآه : له أن يرده، لأن الخيار معلق بالرؤية، ولأن الرضا بالشيء قبل العلم بأوصافه لا يتحقق فلا يعتبر قوله : "رضيت" قبل الرؤية بخلاف قوله : "رددت".

        وقد استدلوا على خيار الرؤية بقوله عليه السلام فيما يرويه أبو هريرة وابن عباس رضي الله عنهما : "من اشترى شيئاً لم يره فهو بالخيار إذا رآه".

واستدلوا أيضاً بما روي أن سيدنا عثمان بن عفان رضي الله عنه باع أرضاً له من طلحة بن عبدالله رضي الله عنهما، ولم يكونا رأياها، فقيل لسيدنا عثمان : "غبنت"، فقال : "لي الخيار، لأني اشتريت ما لم أره" فحكّما في ذلك جبير بن مطعم، فقضى بالخيار لطلحة رضي الله عنه. رواه البيهقي والطحاوي.

        وكان ذلك بمحضر من الصحابة رضي الله عنهم، ولم ينكر عليه أحد منهم، فكان إجماعاً منهم على شرعية هذا الخيار.

        واستدلوا أيضاً بالمعقول : وهو أن جهالة الوصف تؤثر في الرضا، فتوجب خللاً فيه، واختلال الرضا في البيع يوجب الخيار.

        وبناء على هذا، أجازوا بيع العين الغائبة من غير صفة، ويثبت للمشتري حينئذ خيار الرؤية، أو بصفة مرغوبة، ويثبت له خيار الوصف، كما سبقت الإشارة إليه، فإذا رأى المشتري المبيع، كان له الخيار فإن شاء أنفذ البيع، وإن شاء رده، سواء أكان موافقاً للصفة أم لا، فيثبت الخيار بكل حال.

        ولم يجز الحنفية خيار الرؤية للبائع إذا باع ما لم يره كما إذا ورث عيناً من الأعيان في بلد غير الذي هو فيه، فباعها قبل الرؤية، صح البيع، ولا خيار له عندهم. وقد رجع أبو حنيفة عما كان يقول أولاً بأن له الخيار، كما للمشتري، وكما هو الأمر في خيار الشرط وخيار العيب.

        والتفرقة بين البائع والمشتري في هذا أمر معقول؛ لأن البائع يعرف ما يبيعه أكثر من المشتري، فلا ضرورة لثبوت الخيار له، وعليه أن يثبت قبل البيع، حتى لا يقع عليه غبن يطلب من أجله فسخ العقد.

        وأجاز المالكية خيار الوصف للمشتري فقط، فقالوا : يجوز بيع الغائب على الصفة إذا كانت غيبته مما يؤمن أن تتغير فيه صفته قبل القبض، فإذا جاء على الصفة، صار العقد لازماً.

        وكذا الحنابلة أجازوا كالمالكية خيار الوصف فقط قالوا : يجوز بيع الغائب إذا وصف للمشتري، فذكر له من صفاته ما يكفي في صحة السلم، لأنه بيع بالصفة، فصح كالسلم. وتحصل بالصفة معرفة المبيع؛ لأن معرفته تحصل بالصفات الظاهرة التي يختلف بها الثمن ظاهراً، وهذا يكفي كما يكفي في السلم، ولا يعتبر في الرؤية الاطلاع على الصفات الخفية، ومتى وجده المشتري على الصفة المذكورة صار العقد لازماً، ولم يكن له الفسخ.

        ولم يجيزوا في أظهر الروايتين بيع الغائب الذي لم يوصف ولم تتقدم رؤيته؛ لأن الني صلى الله عليه وسلم "نهى عن بيع الغرر" رواه أبو داود والترمذي. ولأنه باع مالم يره ولم يوصف له، فلم يصح، كبيع النوى في التمر.

        وأما حديث الخيار الرؤية فهو مروي عن عمر بن إبراهيم الكردي، وهو متروك الحديث، ويحتمل أن يراد بالحديث : أنه بالخيار بين العقد عليه وتركه.

        وقال الشافعي : لا ينعقد بيع الغائب أصلاً، سواء أكان بالصفة، أو بغير الصفة، لحديث أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم "نهى عن بيع الغرر" وفي هذا البيع غرر، وبما أنه من أنواع البيوع، فلم يصح مع الجهل بصفة المبيع كالسلم، ثم إنه داخل تحت النهي عن بيع ما ليس عند الإنسان أي ما ليس بحاضر أو مرئي للمشتري. وأما حديث "من اشترى مالم يره فهو بالخيار إذا رآه" فهو حديث ضعيف كما قال البيهقي، وقال الدارقطني عنه "إنه باطل".

        وبناء على الأظهر من اشتراط رؤية المبيع قالوا : تكفي رؤية المبيع قبل العقد فيما لا يتغير غالباً إلى وقت العقد كالأرض والحديد، دون ما يتغير غالباً كالأطعمة، وتكفي رؤية بعض المبيع إن دل على باقية، كظاهر الصبرة من حنطة ونحوها، وجوز ونحوه، وأدقة (جمع دقيق) وكأعالي المائعات في أوعيتها كالدهن، وأعلى التمر في قوصرته (وعاء من قصب يجعل فيه التمر ونحوه) والطعام في آنيته، وكأنموذج المتماثل أي (المتساوي الأجزاء) كالحبوب، فإن رؤيته تكفي عن رؤية باقي المبيع.

        المطلب الثاني -وقت ثبوت الخيار

        يثبت الخيار للمشتري عند رؤية المبيع، لا قبلها فلو أجاز البيع قبل الرؤية : لا يلزم البيع، ولا يسقط الخيار، وله أن يرد المبيع؛لأن النبي صلى الله عليه وسلم أثبت الخيار للمشتري بعد الرؤية، فلو ثبت له خيار الإجازة قبل الرؤية، وأجاز، لم يثبت له الخيار بعد الرؤية، وهذا خلاف نص الحديث.

        وأما الفسخ قبل الرؤية فقد اختلف مشايخ الحنفية فيه :

        قال بعضهم : لا يملك المشتري الفسخ، لأنه خيار قبل الرؤية، ولهذا لم يملك الإجازة قبل الرؤية، فلا يملك الفسخ.

        وقال بعضهم : يملك الفسخ وهو الصحيح، لا لسبب الخيار، لأنه غير ثابت، ولكن لأن شراء مالم يره المشتري عقد غير لازم، فكان محل الفسخ، كالعقد الذي فيه خيار العيب، وعقد افعارة والإيداع.

        المطلب الثالث -كيفية ثبوت الخيار

        اختلف مشايخ الحنفية فيها :

        فقال بعضهم : إن خيار الرؤية يثبت مطلقاً في جميع العمر، إلا إذا وجد ما يسقطه، وهو الأصح عند الحنفية، لأنه خيار تعلق بالاطلاع على حال المبيع، فأشبه الرد بالعيب، ولأن سبب ثبوت هذا الخيار هو اختلال الرضا، والحكم يبقى ما بقي سببه.

        وقال بعضهم : إنه يثبت مؤقتاً إلى غاية إمكان الفسخ بعد الرؤية، حتى لو رآه وتمكن من الفسخ بعد الرؤية، ولم يفسخ، يسقط خيار الرؤية، وإن لم توجد الأسباب المسقطة للخيار.

        وقال الحنابلة : يكون خيار الرؤية على الفور.

        المطلب الرابع -صفة البيع الذي فيه خيار رؤية وحكمه

        صفة البيع : إن شراء مالم يره المشتري غير لازم، فيخير المشتري بين الفسخ والإجازة إذا رأى المبيع؛ لأن عدم الرؤية يمنع تمام الصفقة، ولأن جهالة وصف البيع تؤثر في رضا المشتري، فتوجب الخيار له، تداركاً لما عساه يندم من أجله، وذلك سواء أكان المبيع موافقاً للوصف المذكور أم مخالفاً له، هذا مذهب الحنفية. وقال المالكية والحنابلة : البيع لازم للمشتري إذا وجد المبيع مطابقاً للصفة المذكورة، فإن كان مخالفاً لما وصف، فللمشتري الخيار.

        حكم البيع : وأما حكم البيع فهو حكم العقد الذي لا خيار فيه، فلا يمنع ثبوت الملك في البدلين أي أنه في البيع تنتقل ملكية المبيع إلى المشتري، وملكية الثمن للبائع فور تمام العقد بالايجاب والقبول، ولكن يمنع لزوم العقد، بخلاف خيار الشرط.

        المطلب الخامس -شرائط ثبوت الخيار

        يشترط لثبوت الخيار شروط، وإلا كان العقد لازماً، منها :

        1- أن يكون محل العقد مما يتعين بالتعيين، أي أن يكون عيناً من الأعيان، فإذا لم يكن عيناً لا يثبت فيه الخيار، حتى لو كان البيع مقايضة عيناً بعين يثبت الخيار لكل من البائع والمشتري إذا لم ير كل منهما المبيع قبل العقد.

        وفي بيع الدين بالدين وهو عقد الصرف : لا يثبت الخيار لكل من البائع والمشتري، لأنه لا فائدة فيه، كما سنبين.

        وفي بيع العين بالدين : يثبت الخيار للمشتري ولا خيار للبائع.

        2- عدم رؤية محل العقد : فإن كان رآه قبل الشراء لا يثبت له الخيار، إذا كان لا يزال على حالته التي رآه فيها، وإلا كان له الخيار لتغيره، فكان مشترياً شيئاً لم يره.

        كيفية تحقيق الرؤية :

        الرؤية قد تكون لجميع المبيع، وقد تكون لبعضه، والضابط فيه : أنه يكفي رؤية ما يدل على المقصود، ويفيد المعرفة به.

        وتفصيله : أنه إذا كان غير المرئي تبعاً للمرئي، فلا خيار له سواء أكان رؤية ما رآه تفيد له العلم بحال مالم يره، أو لا تفيد، لأن حكم التبع حكم الأصل.

        وإن لم يكن غير المرئي تبعاً للمرئي : فإن كان مقصوداً بنفسه كالمرئي، ينظر في ذلك :

        إن كان رؤية ما رأى تعرف حال غير المرئي، فإنه لا خيار له أصلاً في غير المرئي إذا كان غير المرئي مثل المرئي، أو فوقه؛ لأن المقصود العلم بحال الباقي، فكأنه رأى الكل.

        وإن كان رؤية ما رأى لم تعرف حال غير المرئي، فله الخيار فيما لم يره؛ لأن المقصود لم يحصل برؤية ما رأى، فكأنه لم ير شيئاً أصلاً.

        ففي شراء الشاة للحم لابد من الجس حتى يعرف سمنها، حتى لو رآها من بعيد، فهو على خياره؛ لأن اللحم مقصود من شاة اللحم، والرؤية من بعيد لا تفيد العلم بهذا المقصود، وإن اشتراها للدر والنسل لابد من رؤية سائر جسدها، ومن النظر إلى ضرعها أيضاً؛ لأن الضرع مقصود من الشاة الحلوب، والشياة تختلف باختلاف الضرع، والرؤية من بعيد لا تفيد العلم بالمقصود.

        وأما البسط والطنافس : فإن كان مما يختلف وجهه وظهره، فرأى وجهه دون ظهره لا خيار له، وإن رأى ظهره دون الوجه فله الخيار.

        وأما الدور والعقارات والبساتين، فإن رأى ظاهر الدار وداخلها ورأى خارج البستان ورؤوس الأشجار فلا خيار له، ولا يكتفي برؤية صحن الدار، دون الدخول إلى بيوتها في الأصح، لتفاوت الدور.

        هذا إذا كان المعقود عليه شيئاً واحداً، فإذا كان أشياء :

        فإن كان من العدديات المتفاوتة كالدواب والثياب، كأن اشترى ثياباً في جراب أو قطيع غنم أو إبلاً أو بقراً، وكالبطيخ في الشريجة والرمان والسفرجل في القفة، ونحوها، فرأى بعضها، فله الخيار في الباقي؛ لأن الكل مقصود، ورؤية ما رأى لا تعرّف حال الباقي، لأنها متفاوتة.

        وإن كان من المكيلات أو الموزونات أو العدديات المتقاربة كالجوز والبيض، فإن رؤية البعض تسقط الخيار في الباقي إذا كان مالم ير مثل الذي رأى، لأن رؤية البعض من هذه الأشياء تعرف حال الباقي.

        هذا إذا كان المبيع كله في وعاء واحد، فإن كان في وعاءين : فإن كان من جنسين أو من جنس واحد على صفتين فله الخيار بلا خلاف؛ لأن رؤية البعض من جنس أو على وصف لا تفيد العلم بغيره.

        وإن كان المبيع مغيباً في الأرض : لا في الوعاء، كالجزر والبصل والثوم، والفجل، والبطاطا، ففيه تفصيل عند الحنفية :

        أ- إذا كان الشيء مما يكال أو يوزن بعد القلع، كالثوم والبصل والجزر : فإن قلع المشتري شيئاً بإذن البائع، أو قلع البائع برضا المشتري، سقط خيارهفي الباقي؛ لأن رؤية بعض المكيل كرؤية الكل.

        وإن حصل القلع من المشتري بغير إذن البائع، لم يكن له الخيار سواء رضي بالمقلوع، أو لم يرض إذا كان المقلوع شيئاً له قيمة عند الناس لأنه بالقلع صار معياً، وإلا لاستمر في نموه وازدياده، وبعد القلع لا ينمو ولا يزيد، ويتسارع إليه الفساد. وحدوث العيب في المبيع في يد المشتري بغير صنعه، يمنع الرد، فمع صنعه أولى.

        ب- وإن كان المغيب في الأرض مما يباع عدداً، كالفجل والجوز ونحوهما فرؤية البعض لا تكون كرؤية الكل؛ لأن هذا كالعدديات المتفاوتة، فلا تكفي رؤية البعض، كما في الثياب.

        وإن قلع المشتري شيئاً بغير إذن البائع، سقط خياره لأجلا العيب إذا كان المقلوع شيئاً له قيمة، فإن لم يكن له قيمة، فلا يسقط خياره لأنه لا يتحقق به العيب.

        قال أبو حنيفة : المشتري بالخيار إذا قلع الكل أو البعض.

        وقال بعض الحنفية : إذا قلع المشتري شيئاً يستدل به على الباقي، فرضي به، فهو لازم له.

        وإذا كان المبيع دهناً في قارورة، فرأى خارج القارورة، فعن الحنفية روايتان :

        الرواية الأولى : أنه تكفي الرؤية، ويسقط الخيار؛ لأن الرؤية من الخارج تفيد العلم بالداخل، فكأنه رأى الدهن خارج القارورة.

        والرواية الثانية : أن له الخيار لأن العلم بما في داخل القارورة لا يحصل بالرؤية من خارج القارورة؛ لأن ما في الداخل يتلون بلون القارورة، فلا يحصل المقصود من هذه الرؤية.

        والرؤية عند بعضهم لا تحصل بالمرآة أو بالماء، فإذا رأى المشتري المبيع بالمرآة، فلا يسقط خياره، لأنه لم ير عين المبيع، وإنما رأى مثاله. والأصح أنه رأى عين المبيع لا غير المبيع.

        وبناء عليه لو اشترى سمكاً في بحرة صغيرة يمكن أخذه منها من غير اصطياد وحيلة، حتى جاز البيع، فرآه في الماء، ثم أخذه : قال بعضهم : يسقط خياره لأنه رأى عين المبيع.

        وقال بعضهم : لا يسقط خياره، وهو الصحيح، لأن الشيء لا يرى في الماء كما هو، بل يرى أكثر مما هو، فلم يحصل المقصود بهذه الرؤية، وهو معرفته على حقيقته، فله الخيار.

        وقال المالكية : يجوز بيع مغيب الأصل كالجزر والبصل واللفت والكرنب والقلقاس بشرط رؤية ظاهره، وقلع شيء منه ويرى، وأن يحزر إجمالاً، ولا يجوز بيع شيء منه من غير حزر بالقيراط أو الفدان أو القصبة.

        وقال الشافعية والحنابلة : لا يجوز بيع شيء مغيب في الأرض كالفجل والجزر والبصل والثوم؛ لأنه بيع مجهول مشتمل على الغرر.

        البيع بالنموذج : قد يرى المشتري بعض المبيع دون سائره، فيصح البيع ويلزم عند جمهور الفقهاء إن كان المرئي يدل على غير المرئي دلالة كاملة، ونذكر هنا حكم البيع بالنموذج عند الفقهاء باعتباره صورة متعارفة من صور البيع برؤية بعض المبيع.

        مثاله : أن يشتري شخص كمية كبيرة من القمح بعد أن يرى نموذجاً منه. وهذا لا يكون إلا في المثليات كالحبوب والأقطان والكتان ونحوها.

        وحكمه : أنه يجوز عند الحنفية والمالكية والشافعية، ولا يجوز عند الحنابلة.

        قال الحنفية : يجوز بيع المكيل والموزون برؤية بعضه، لجريان العادة بالاكتفاء بالبعض في الجنس الواحد، ولوقوع العلم به بالباقي، إلا إذا كان الباقي أرادأ، فيكون للمشتري الخيار فيه، وفيما رأى لئلا يلزم تفريق الصفقة قبل تمام البيع. والأصح أن هذه الرؤية للبعض تكفي سواء أكان المبيع في وعاء واحد أم في وعاءين كما قدمنا.

        ويلاحظ أن الثياب أصبحت في وقتنا الحاضر من المثليات.

        وقال المالكية : يجوز البيع برؤية بعض المثلي من مكيل وموزون كقطن وكتان، بخلاف القيمي كعدل مملوء من القماش فلا يكفي رؤية بعضه على ظاهر المذهب.

        وقال الشافعية : في بيع النموذج ثلاثة أوجه : أحدها الصحة، والثاني البطلان، وأصحها : إن دخل النموذج في البيع، صح، وإلا فلا.

        وقال الحنابلة : لا يصح بيع النموذج، فلو رأى البائع المشتري صاعاً من صبرة قمح مثلاً، ثم باعه الصبرة على أنها من جنسه، فلا يصح البيع، لأنه يشترط عندهم رؤية المتعاقدين المبيع رؤية مقارنة للبيع، وذلك برؤية جميع المبيع أو بعض منه يدل على بقيته، كأحد وجهي ثوب غير منقوش، وظاهر صبرة متساوية الأجزاء من حب وتمر، وما في ظروف من جنس متساوي.

        التوكيل بالنظر والرؤية أو بالقبض : لو وكل المشتري رجلاً بالنظر إلى ما اشتراه، ولم يره فيلزم العقد إن رضي، ويفسخ العقد إن شاء؛ لأن الوكيل يقوم مقام الموكل في النظر؛ لأنه جعل الرأي اليه.

        وأما إذا وكله بقبض ما اشتراه قبل رؤيته، فتقوم رؤية الوكيل مقام رؤية الموكل، فيسقط خياره عند أبي حنيفة.

        ويرى أبو حنيفة أنه لا فرق بين الوكيل بقبض الشيء المشترى وبين الوكيل بالشراء، ورؤية هذا كافية عن رؤية الموكل، وبها يسقط الخيار إجماعاً؛ لأن الوكيل بالشيء وكيل باتمام الشيء، ومن تمام القبض إسقاط الخيار.

        واتفق الحنفية على أنه إذا أرسل المشتري رسولاً بقبض المبيع، فرآه الرسول ورضي به، كان المرسل على خياره. والفرق بين الوكيل والرسول : هو أن الوكيل أصل في نفس القبض، وإنما الواقع للموكل حكم فعله، فكان إتمام القبض إلى الوكيل. أما الرسول فهو نائب في القبض عن المرسل، فكان قبضه قبض المرسل، فإتمام القبض إلى المرسل.

        واتفقوا في خيار العيب على أنه إذا وكل رجلاً بقبض المبيع، فقبض الوكيل وعلم بالعيب ورضي به : لا يسقط خيار الموكل.

        وقال الشافعية : الاعتبار في رؤية المبيع وعدمها بالعاقد.

        والذي تخلص منه في تحقق رؤية المبيع : أن الرؤية المقصودة ليست هي النظر بالعين خاصة، وإنما تكون في كل شيء بحسبه، وبالحاسة التي يطلع بها على الناحية المقصودة منه فشم المشمومات، وذوق المطعومات ولمس ما يعرف باللمس، وجس مواطن السمن في شاة الذبح وإن لم ينظر لونها، وجس الضرع في شاة اللبن : يعد رؤية كافية في هذه الأشياء، وإن لم تشترك العين فيها، ولا يكفي النظر بالعين فقط كما أوضحنا تفصيله.

        وهذا بالنسبة للبصير. وكذا الأعمى يعد اطلاعه على هذه الأشياء التي تعرف بغير حاسة النظر رؤية كافية كاطلاع البصير، فيكتفي بالجس فيما يجس، والذوق فيما يذاق، والشم فيما يشم، وأما ما يعرف بالنظر فوصفه للأعمى يقوم مقام نظره.

        فإن اشترى الأعمى ثماراً على رؤوس الشجر، فيعتبر الوصف لا غير، في أشهر الروايات.

        وإذا اشترى الأعمى داراً أو عقاراً، فالأصح من الروايات أنه يكتفي بالوصف.

        وعند زوال العمى : لا يعود له الحق في الخيار؛ لأن الوصف في حقه كالبديل أو "الخلف" عن الرؤية، لعجزه عن الأصل، والقدرة على الأصل بعد حصول المقصود بالبديل، لا ببطل حكم البديل، كمن صلى بطهارة التيمم، ثم قدر على الماء ونحوه.

        أما البصير لو اشترى شيئاً لم يره فوصف له، فرضي به فلا يسقط خياره، لأنه لا عبرة للبديل مع القدرة على الأصل.

        الاختلاف في الرؤية :

        لو اختلف البائع والمشتري، فقال البائع : "بعتك هذا الشيء، وقد رأيته" وقال المشتري : "لم أره" فالقول قول المشتري بيمينه؛ لأن البائع يدعي إلزام العقد، والمشتري منكر، فيكون القول قوله، ولكن بيمينه؛ لأن البائع يدعي عليه سقوط حق الفسخ ولزوم العقد، وهذا مما يصح الإقرار به، فيجري فيه الاستحلاف.

        الرؤية منذ زمن :

        من رأى شيئاً ثم اشتراه بعد مدة كشهر، ونحوه : فإن كان على الصفة التي رآه عليها، فلا خيار له، لأن العلم بأوصافه حاصل له بالرؤية السابقة. وإن وجده متغيراً فله الخيار، لأن تلك الرؤية لم تقع مُعْلِمة بأوصافه، فكانت رؤيته وعدمها سواء.

        فإن اختلف البائع والمشتري في التغير، فقال البائع : "لم يتغير" وقال المشتري : "تغير" فالقول قول البائع مع يمينه؛ لأن دعوى التغير دعوى أمر حادث، والأصل عدمه، فلا تقبل إلا ببينة، بخلاف ما إذا اختلف في الرؤية يكون القول للمشتري مع يمينه كما بينا؛ لأن البائع يدعي أمراً عارضاً : هو العلم بصفة المبيع.

        المطلب السادس -مسقطات الخيار

         لا يسقط خيار الرؤية بالإسقاط الصريح، كأن يقول المشتري : "أسقطت خياري" لا قبل الرؤية ولا بعدها، بخلاف خيار الشرط، وخيار العيب.

        والفرق هو أن خيار الرؤية ثبت شرعاً، لحكمة فيه، فلا يملك الإنسان إسقاطه، كما في خيار الرجعة بالنسبة للمرأة المطلقة، فإن الإنسان لا يملك إسقاطه لثبوته شرعاً، ما دامت المرأة في العدة، بخلاف خيار الشرط، فإنه يثبت بشرط المتعاقدين، فجاز أن سقط باسقاطهما. وكذلك خيار العيب: فإن سلامة المبيع مشروطة عادة من المشتري، فكان ذلك كالمشروط صراحة.

        وإنما يسقط خيار الرؤية ويلزم البيع بأحد نوعين : فعل اختياري أو ضروري، والاختياري نوعان : صريح الرضا ونحوه، ودلالة الرضا.

        فالصريح : كأن يقول : "أجزت البيع، أو رضيت أو اخترت" أو ما يجري مجرى الصريح، سواء علم البائع بالإجازة أم لم يعلم.

        ودلالة الرضا : هو أن يوجد تصرف في المبيع بعد الرؤية لا قبلها يدل على الإجازة والرضا، كما إذا قبض المبيع بعد الرؤية، لأن القبض بعد الرؤية دليل الرضا بلزوم البيع؛ لأن للقبض شبهاً بالعقد.

        وبناء عليه : إذا وهب المشتري المبيع من غيره ولم يسلمه أو عرضه على البيع ونحوهما قبل الرؤية : لا يسقط الخيار؛ لأنه لا يسقط بصريح الرضا في هذه الحالة، فكذا لا يسقط بدلالة الرضا.

        ولو رهن المشتري المبيع وسلمه أو آجره من رجل، أو باعه، على أن المشتري بالخيار : سقط خياره، قبل الرؤية وبعدها، حتى إن المشتري لو افتك الرهن بدفع الدين، أو مضت مدة الإجارة، أو رده على المشتري بخيار الشرط، ثم رآه لا يكون له الرد بخيار الرؤية، لأنه أثبت حقاً لازماً لغيره بهذه التصرفات، فيكون من ضرورته لزوم الملك له، وذلك بامتناع ثبوت الخيار، فيبطل ضرورة لأنه لا فائدة فيه.

        وأما الفعل الضروري المسقط لخيار الرؤية : فهو كل ما يسقط به الخيار، ويلزم البيع ضرورة من غير صنع المشتري، مثل موت المشتري عند الحنفية، خلافاً للشافعي كما بينا في خيار الشرط.

        ومثل : إجازة أحد الشريكين دون الآخر ما اشترياه ولم يرياه عند أبي حنيفة.

        وكذا هلاك المبيع كله، أو بعضه، وزيادته منفصلة أو متصلة متولدة، أو غير متولدة على التفصيل السابق ذكره في خيار الشرط.

        المطلب السابع -ما ينفسخ به العقد وشروط الفسخ

        ما ينفسخ به العقد: ينفسخ العقد بسبب خيار الرؤية بالتصريح بالفسخ ونحوه، كأن يقول، فسخت العقد، أو نقضته، أو رددته، ونحوه مما يجري هذا المجرى، أو بهلاك المبيع قبل القبض، لذهاب ركن البيع.

        شروط الفسخ : يشترط لصحة الفسخ شروط :

        1- أن يكون الخيار موجوداً؛ لأن الخيار إذا سقط بشيء مما تقدم، لزم العقد، فلا يحتمل النقض بالفسخ.

        2- ألا يترتب على الفسخ تفريق الصفقة على البائع، برد بعض المبيع وإجازة العقد في البعض الآخر؛ لأن التفريق ضرراً عليه، ولأن خيار الرؤية -قبل القبض وبعده- يمنع تمام الصفقة، وتجزئتها قبل تمامها باطل بلا ريب.

        3- أن يعلم البائع بالفسخ، ليكون على بينة من أمره، وأمر سلعته ليتصرف فيها كما يريد، وهذا عند أبي حنيفة ومحمد. أما أبو يوسف : فلا يشترط علم البائع، على ما تقدم في خيار الشرط.

        ويلاحظ أخيراً أن خيار الرؤية لا يورث كما لا يورث خيار الشرط إذا مات المشتري مثلاً بعد ثبوت الخيار له، لأن "الخيار ثبت بالنص للعاقد، والوارث ليس بعاقد، فلا يثبت له، لأن الخيار وصف له، فلا يجري فيه الإرث" كما قال الزيلعي والحنابلة.

        وقال مالك : يورث خيار الرؤية، كما يورث خيار التعيين والعيب؛ لأن الإرث كما يثبت في الأملاك، يثبت في الحقوق الثابتة بالبيع.

        وهذا أقرب إلى المنطق؛ لأن الوراث يخلف المورث في كل ما ترك من مال وحقوق منها حق الخيار.