صفحة البداية
تعريف الصوم
الحكم التكليفي
فضل الصوم
حكمة الصوم
أنواع الصوم
متى يجب الصوم؟
كيفية إثبات هلال رمضان، وهلال شوال

طلب رؤية الهلال

اختلاف المطالع
ركن الصوم
شروط وجوب الصوم:
شروط وجوب أداء الصوم
شروط صحة الصوم
سنن الصوم ومستحابته
مفسدات الصوم
ما يفسد الصوم ويوجب القضاء
ما يفسد الصوم ويوجب القضاء والكفارة:
ما لا يفسد الصوم
مكروهات الصوم
ما لا يكره في الصوم
الآثار المترتبة على الإفطار
صوم المحبوس إذا اشتبه عليه شهر رمضان
صوم التطوع
 الاعتكاف
عن السكربت
Free Web Hosting
 

الفقه الاسلامي

 

 

الصَوْم

1- التعريف:

      الصوم في اللغة: الإمساك مطلقاً عن الطعام والشراب والكلام والنكاح والسير.

قال تعالى -حكاية عن مريم عليها السلام-:

{إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَانِ صَوْمًا فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنسِيًّا} [مريم: 26].

والصوم: مصدر صام يصوم صوماً وصياماً.

الصَوْم

1- التعريف:

      الصوم في اللغة: الإمساك مطلقاً عن الطعام والشراب والكلام والنكاح والسير.

قال تعالى -حكاية عن مريم عليها السلام-:

{إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَانِ صَوْمًا فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنسِيًّا} [مريم: 26].

والصوم: مصدر صام يصوم صوماً وصياماً.

وفي الاصطلاح: هو الإمساك عن المفطر على وجه مخصوص.

2- الحكم التكليفي:

      أجمعت الأمة على أن صوم شهر رمضان فرض. والدليل على الفرضية الكتاب والسنة والإجماع.

      أما الكتاب، فقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمْ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [البقرة: 183] وقوله كتب عليكم: أي فرض.

      وقوله تعالى: {فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ} [البقرة: 115].

      وأما السنة، فحديث ابن عمر رضي الله تعالى عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "بني الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، والحج، وصوم رمضان" متفق عليه.

      كما انعقد الإجماع على فرضية صوم شهر رمضان، ولا يجحدها إلا كافر.

3- فضل الصوم:

      وردت في فضل الصوم أحاديث كثيرة، منها ما يلي:

      أ- عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "من صام رمضان إيماناً واحتساباً، غفر له ما تقدم من ذنبه، ومن قام ليلة القدر إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه". رواه البخاري.

      ب- وعن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال: "كان النبي صلى الله عليه وسلم يبشر أصحابه بقدوم رمضان، يقول: قد جاءكم شهر رمضان، شهر مبارك، كتب عليكم صيامه، تفتح فيه أبواب الجنة، وتغلق فيه أبواب الجحيم، وتُغَلّ فيه الشياطين، فيه ليلة خير من ألف شهر" رواه النسائي وأحمد.

      جـ- وعن سهل بن سعد رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إن في الجنة باباً، يقال له: الريان، يدخل منه الصائمون يوم القيامة، لا يدخل منه أحد غيرهم، يقال: أين الصائمون؟ فيقومون، لا يدخل منه أحد غيرهم، فإذا دخلوا أغلق، فلم يدخل منه أحد" رواه البخاري.

      د- وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "رَغِمَ أَنفُ رجل دخل عليه رمضان، ثم انسلخ قبل أن يغفر له" رواه الترمذي.

4- حكمة الصوم:

      تتجلى حكمة الصوم في عدة أمور:

      أ- أن الصوم وسيلة إلى شكر النعمة، إذ هو كف النفس عن الأكل والشرب والجماع، وإنها من أجلِّ النعم وأعلاها، والامتناع عنها زماناً معتبراً يعرّف قدرها، إذ النعم مجهولة، فإذا فقدت عرفت، فيحمله ذلك على قضاء حقها بالشكر، وشكر النعم فرض عقلاً وشرعاً، وإليه أشار الرب سبحانه وتعالى بقوله في آية الصيام:

{وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} [البقرة: 185].

      ب- أن الصوم وسيلة إلى التقوى، لأنه إذا انقادت نفس للامتناع عن الحلال طمعاً في مرضاة الله تعالى، وخوفاً من أليم عقابه، فأولى أن تنقاد للامتناع عن الحرام، فكان الصوم سبباً لاتقاء محارم الله تعالى، وإنه فرض، وإليه وقعت الإشارة بقوله تعالى في آخر آية الصوم {لَعَلَّكُمْ تَتَّقُون} [البقرة: 183].

      ج- أن في الصوم قهر الطبع وكسر الشهوة، لأن النفس إذا شبعت تمنت الشهوات، وإذا جاعت امتنعت عما تهوى، ولذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: "يا معشر الشباب: من استطاع منكم الباءة فليتزوج، فإنه أغض للبصر، وأحصن للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم، فإنه له رجاء" رواه البخاري، فكان الصوم ذريعة إلى الامتناع عن المعاصي.

      د- أن الصوم موجب للرحمة والعطف على المساكين، فإن الصائم إذا ذاق ألم الجوع في بعض الأوقات، ذكر مَنْ هذا حاله في جميع الأوقات، فتسارع إليه الرقة عليه، والرحمة به، بالإحسان إليه، فينال بذلك ما عند الله تعالى من حسن الجزاء.

      هـ- في الصوم قهر للشيطان، فإن وسيلته إلى الإضلال والإغواء : الشهوات، وإنما اتقاء الشهوات بالأكل والشرب، وذلك جاء في حديث صفية رضي الله عنها قوله -عليه الصلاة والسلام-: "إن الشيطان ليجري من ابن آدم مجرى الدم، فضيقوا مجاريه بالجوع" متفق عليه.

5- أنواع الصوم:

      ينقسم الصوم إلى صوم عين، وصوم دين.

      1- صوم العين: ماله وقت معين:

      أ- إما بتعيين الله تعالى، كصوم رمضان، وصوم التطوع خارج رمضان، لأن خارج رمضان متعين للنفل شرعاً.

      ب- وإما بتعيين العبد، كالصوم المنذور به في وقت بعينه.

      2- صوم الدين: ما ليس له وقت معين، كصوم قضاء رمضان، وصوم كفارة القتل والظهار واليمين والإفطار في رمضان، وصوم متعة الحج، وصوم فدية الحلق، وصوم جزاء الصيد، وصوم النذر المطلق عن الوقت، وصوم اليمين، بأن قال: والله لأصومن شهراً.

      الصوم المفروض

      ينقسم الصوم المفروض من العين والدين، إلى قسمين: منه ما هو متتابع، ومنه ما هو غير متتابع، بل صاحبه بالخيار: إن شاء تابع، وإن شاء فرق.

      أولاً: ما يجب فيه التتابع، ويشمل ما يلي:

1.        أ- صوم رمضان، فقد أمر الله تعالى بصوم الشهر بقوله سبحانه:

2.  {فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ} والشهر متتابع، لتتابع أيامه، فيكون صومه متتابعاً ضرورة.

      ب- صوم كفارة القتل الخطأ، وصوم كفارة الظهار، والصوم المنذور به في وقت بعينه، وصوم كفارة الجماع في نهار رمضان.

      ثانياً: ما لا يجب فيه التتابع، ويشمل ما يلي:

1.  قضاء رمضان، ذهب الأئمة الأربعة عدم اشتراط التتابع فيه، لقوله تعالى:

{فعدة من أيام أخر} [البقرة: 184] فإنه ذكر الصوم مطلقاً عن التتابع.

      ويندب التتابع أو استحبابه للمسارعة إلى إسقاط الفرض.

      ب- الصوم في كفارة اليمين، وفي تتابعة خلاف.

      ج- صوم المتعة في الحج، وصوم كفارة الحلق، وصوم جزاء الصيد، وصوم النذر المطلق، وصوم اليمين المطلقة.

      قال الله -عز وجل- في صوم المتعة: {فمن تمتّع بالعمرة إلى الحج فما استيسر من الهدى، فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام في الحج، وسبعة إذا رجعتم ..} [البقرة: 196].

      وقال في كفارة الحلق: {ولا تحلقوا رؤوسكم حتى يَبْلُغ الهدىُ مَحِلَّه فمن كان منكم مريضاً أو به أذى من رأسه، ففِدْية من صيام، أو صدقة أو نُسُك ...} [البقرة: 195].

      وقال في جزاء الصيد: {أو عَدْلُ ذلك صياماً، ليذوق وبال أمره} [المائدة: 92] فذكر الصوم في هذه الآيات مطلقاً عن شرط التتابع.

      وكذا: الناذر، والحالف في النذر المطلق، واليمين المطلقة، ذكر الصوم فيها مطلقاً عن شرط التتابع.

      الصوم المختلف في وجوبه، ويشمل ما يلي:

      - الأول، وهو: قضاء ما أفسده من صوم النفل .

      ذهب الحنفية والمالكية إلى أن قضاء نفل الصوم إذا أفسده واجب، دليل ذلك حديث عائشة رضي الله تعالى عنها قالت: "كنت أنا وحفصة صائمتين، فعرض لنا طعام اشتهيناه، فأكلنا منه، فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فبدرتني إليه حفصة -وكانت ابنة أبيها- فقالت يا رسول الله: إنا كنا صائمتين، فعرض لنا طعام اشتهيناه فأكلنا منه قال: اقضيا يوماً آخر مكانه" رواه الترمذي.

      ولأن ما أتى به قربة، فيجب صيانته وحفظه عن البطلان، وقضاؤه عند الإفساد، لقوله تعالى: {ولا تبطلوا أعمالكم} [محمد: 33] ولا يمكن ذلك إلا بإتيان الباقي، فيجب إتمامه وقضاؤه عند الإفساد ضرورة،فصار كالحج والعمرة المتطوّعين.

      والحنفية لا يختلفون في وجوب القضاء إذا فسد صوم النافلة عن قصد، أو غير قصد بأن عرض الحيض للصائمة المتطوعة.

      والضيافة عذر، إن كان صاحبها ممن لا يرضى بمجرد حضوره، ويتأذى بترك الإفطار، فيفطر، وإلا لا، حتى لو حلف عليه رجل بالطلاق الثلاث، أفطر ولو كان صومه قضاء، ولا يحنثه على المعتمد.

      وإن كان صاحب الطعام يرضى بمجرد حضوره، وإن لم يأكل، لا يباح له الفطر، وإن كان يتأذى بذلك يفطر.

      وهذا إذا كان قبل الزوال، أما بعده فلا، إلا لأحد أبويه إلى العصر، لا بعده.

      والمالكية أوجبوا القضاء بالفطر العمد الحرام، احترازاً عن الفطر نسياناً أو إكراهاً، أو بسبب الحيض والنفاس، أو خوف مرض أو زيادته، أو شدة جوع أو عطش، حتى لو أفطر لحلف شخص عليه بطلاق باتٍ، فلا يجوز الفطر، وإن أفطر قضى.

      واستثنوا ما إذا كان لفطره وجه:

      - كأن حلف بطلاقها، ويخشى أن لا يتركها إن حنث، فيجوز الفطر ولا قضاء.

      - أو أن يأمره أبوه أو أمه بالفطر، حناناً وإشفاقاً عليه من إدامة الصوم، فيجوز له الفطر، ولا قضاء عليه.

      - أو يأمره أستاذه أو مربيه بالإفطار، وإن لم يحلف الوالدان أو الشيخ.

      والشافعية والحنابلة، لا يوجبون إتمام نافلة الصوم، ولا يوجبون قضاءها إن فسدت، وذلك:

      - لقول عائشة رضي الله تعالى عنها: "يا رسول الله! أهدى إلينا حيس(1) فقال: أرنيه فلقد أصبحت صائماً فأكل" رواه مسلم وزاد النسائي: "إنما مثل صوم المتطوع مثل الرجل يخرج من ماله الصدقة، فإن شاء أمضاها، وإن شاء حبسها".

___________________

(1) تمر مخلوط بسمن ولبن مخفق.

      - ولحديث أم هانئ رضي الله تعالى عنها "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل عليها، فدعا بشراب فشرب، ثم ناولها فشربت، فقالت: يا رسول الله! أما إني كنت صائمة! فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الصائم المتطوع أمين نفسه، إن شاء صام، وإن شاء أفطر" رواه الترمذي، وفي رواية: "أمير نفسه".

      - ولأن القضاء يتبع المقضى عنه، فإذا لم يكن واجباً، لم يكن القضاء واجباً، بل يستحب.

      - ونص الشافعية والحنابلة على أن من شرع في نافلة صوم لم يلزمه الإتمام، لكن يستحب، ولا كراهة ولا قضاء في قطع صوم التطوع مع العذر.

      أما مع عدم العذر فيكره، لقوله تعالى: {ولا تبطلوا أعمالكم} [محمد: 33].

      ومن العذر: أن يعز على من ضيّفه امتناعه من الأكل.

      وإذا أفطر فإنه لا يثاب على ما مضى إن أفطر بغير عذر، وإلا أثيب.

      الثاني: صوم الإعتكاف، وفيه خلاف.

      صوم التطوع

      وهو:

      1- صوم يوم عاشوراء.

      2- صوم يوم عرفة.

      3- صوم يوم الإثنين والخميس من كل أسبوع.

      4- صيام ثلاثة أيام من كل شهر، وهي الأيام البيض.

      5- صيام ستة أيام من شوال.

      6- صوم شهر شعبان.

      7- صوم شهر محرم.

      8- صوم شهر رجب.

      9- صيام ما ثبت طلبه والوعد عليه في السنة الشريفة.

      الصوم المكروه

ويشمل ما يلي:

      أ- إفراد يوم الجمعة بالصوم:

      ذهب الجمهور إلى كراهة إفراد يوم الجمعة بالصوم، وقد ورد فيه حديث عن أبي هريرة -رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "لا تصوموا يوم الجمعة، إلا وقبله يوم، أو بعده يوم" رواه البخاري.

      وذهب أبو حنيفة إلى أنه لابأس بصومه منفرداً، لما روي عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أنه كان يصومه ولا يفطر، وظاهر هذا أن المراد (لا بأس) الاستحباب، بندب صومه، ولو منفرداً. وذهب المالكية إلى ندب صومه منفرداً وحده فقط، لا قبله ولا بعده، فإن ضم إليه آخر فلا خلاف في ندبه.

      قال الجمهور: فمطلق النهي عن صومه مقيد بالإفراد.

      وتنتفي الكراهة بضم يوم آخر إليه، لحديث جويرية بنت الحارث رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم. دخل عليها يوم الجمعة، وهي صائمة، فقال: "أصمت أمس"؟ قالت: لا. قال: "تريدين أن تصومي غداً"؟ قالت: لا. قال: "فأفطري" رواه البخاري.

      ب- صوم يوم السبت وحده خصوصاً:

      وهو متفق على كراهته، وقد ورد فيه حديث عبد الله بن بسر، عن أخته، واسمها الصماء رضي الله تعالى عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : "لا تصوموا يوم السبت إلا فيما افترض عليكم، فإن لم يجد احدكم إلا لحاء عنبة أو عود شجرة فليمضغه" رواه الترمذي.

      ووجه الكراهة أنه يوم تعظمه اليهود، ففي إفراده بالصوم تشبه بهم، إلا أن يوافق صومه بخصوص يومٍ اعتاد صومه، كيوم عرفة أو عاشوراء.

      ج- صوم يوم الأحد بخصوصه:

      ذهب الحنفية والشافعية إلى أن تعمد صوم يوم الأحد بخصوصه مكروه، إلا إذا وافق يوماً كان يصومه، وإن صوم السبت والأحد معاً ليس فيه تشبه باليهود والنصارى، لأنه لم تتفق طائفة منهم على تعظيمهما، كما لو صام الأحد مع الإثنين، فإنه تزول الكراهة.

      ونص الحنابلة أنه يكره صيام كل عيد لليهود والنصارى أو يوم يفردونه بالتعظيم إلا أن يوافق عادة للصائم.

 

      د- إفراد يوم النيروز بالصوم:

      يكره إفراد يوم النيروز(1)، ويوم المهرجان(2) بالصوم، وذلك لأنهما يومان يعظمهما الكفار، وهما عيدان للفرس، فيكون تخصيصهما بالصوم -دون غيرهما- موافقة لهم في تعظيمهما، فكره، كيوم السبت.

      وعلى قياس هذا كل عيد للكفار، أو يوم يفردونه بالتعظيم.

      وقال الحنفية: إن الصائم إذا قصد بصومه التشبه، كانت الكراهة تحريمية.

      هـ- صوم الوصال:

      ذهب جمهور الفقهاء (الحنفية والمالكية والحنابلة) إلى كراهة صوم الوصال، وهو : أن لا يفطر بعد الغروب أصلاً، حتى يتصل صوم الغد بالأمس، فلا يفطر بين يومين.

      وإنما كره، لما روي عن ابن عمر -رضي الله تعالى عنهما- قال: "واصل رسول الله صلى الله عليه وسلم في رمضان، فواصل الناس .. فنهاهم، قيل له: إنك تواصل، قال: إني لست مثلكم، إني أطعم وأسقى" رواه البخاري.

      والنهي وقع رفقاً ورحمةً، ولهذا واصل النبي صلى الله عليه وسلم.

      وتزول الكراهة بأكل تمرة ونحوها، وكذا بمجرد الشرب لانتفاء الوصال.

      وقال الحنابلة: ولا يكره الوصال إلى السحر، لحديث أبي سعيد -رضي الله عنه- مرفوعاً: "فأيكم إذا أراد أن يواصل، فليواصل حتى السحر" رواه البخاري ولكنه ترك سنة، وهي: تعجيل الفطر، فترك ذلك أولى محافظة على السنة.

      وعند الشافعية قولان: الأول وهو الصحيح: بأن الوصال مكروه كراهة تحريم، وهو ظاهر نص الشافعي رحمه الله.

      والثاني: يكره كراهة تنزيه.

      و- صوم الدهر (صوم العمر):

      ذهب جمهور الفقهاء (الحنفية والمالكية والحنابلة) إلى كراهة صوم الدهر، وعللت الكراهة بأنه يضعف الصائم عن الفرائض والواجبات، والكسب الذي لا بد منه، أو بأنه يصير الصوم طبعاً له، ومبنى العبادة على مخالفة العادة.

      واستدل للكراهة، بحديث عبد الله بن عمرو بن العاص -رضي الله تعالى عنهما- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا صام من صام الأبد" متفق عليه.

      وفي حديث أبي قتادة -رضي الله عنه- قال: "قال عمر: يا رسول الله كيف بمن يصوم الدهر كله؟ قال: لا صام ولا أفطر، أو لم يصم ولم يفطر" رواه مسلم، أي: لم يحصّل أجر الصوم لمخالفته، ولم يفطر لأنه أمسك.

      وقال الشافعية: إن خاف منه ضرراً، أو فَوَّتَ به حقاً كره، وإلا فلا.

      والمراد بصوم الدهر عند الشافعية: سرد الصوم في جميع الأيام إلا الأيام التي لا يصح صومها وهي : العيدان وأيام التشريق.

      الصوم المحرم

      ذهب الجمهور (المالكية والشافعية والحنابلة) إلى تحريم صوم الأيام التالية:

      أ- صوم يوم عيد الفطر، ويوم عيد الأضحى، وأيام التشريق، وهي: ثلاثة أيام بعد يوم النحر.

      وذلك لأن هذه الأيام منع صومها لحديث أبي سعيد -رضي الله عنه- "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن صيام يومين: يوم الفطر، ويوم النحر" رواه البخاري.

      وحديث نبيشة الهذلي -رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أيام التشريق ايام أكل وشرب، وذكر الله - عز وجل" رواه مسلم.

      وذهب الحنفية إلى جواز الصوم فيها مع الكراهة التحريمية، لما في صومها من الإعراض عن ضيافة الله تعالى، فالكراهة ليست لذات اليوم، بل لمعنى خارج مجاور، كالبيع عند الأذان يوم الجمعة، حتى لو نذر صومها صح، ويفطر وجوباً تحامياً عن المعصية، ويقضيها إسقاط للواجب، ولو صامها خرج عن العهدة، مع الحرمة.

      وقال الحنابلة إن صومها لا يصح فرضاً ولا نفلاً.

      واستثنى المالكية والحنابلة في رواية: صوم أيام التشريق عن دم المتعة والقران، لقول ابن عمر وعائشة -رضي الله تعالى عنهم- لم يرخص في أيام التشريق أن يُصَمْنَ إلا لمن لم يجد الهدى.

      قال الشافعية: وأما صوم يوم النحر، فقطع ببطلانه، لأنه لم يظهر انصراف النهي عن عينه ووصفه، ولم يرتض قولهم: إنه نهى عنه، لما فيه من ترك إجابة الدعوى بالأكل.

      ب- ويحرم صيام الحائض والنفساء، وصيام من يخاف على نفسه الهلاك بصومه.

متى يجب الصوم، وكيفية إثبات هلال الشهر واختلاف المطالع؟

      وفيه مطالب ثلاثة:

      6-متى يجب الصوم؟

      يجب الصوم بأحد أمور ثلاثة.

      الأول: النذر: بأن ينذر المرء صوم يوم أو شهر تقرباً إلى الله تعالى، فيجب عليه بإيجابه على نفسه، ويكون سبب صوم المنذور هو النذر، فلو عين شهراً أو يوماً، وصام شهراً أو يوماً قبله عنه، أجزأه، لوجود السبب، ويلغو التعيين.

      الثاني: الكفارات: عن معصية ارتكبها المرء، كالقتل الخطأ، وحنث اليمين، وإفطار رمضان بالجماع نهاراً، والظهار، ويكون سبب الصوم هو القتل أو الحنث أو الإفطار، أو المظاهرة.

      الثالث: شهود جزء من شهر رمضان من ليل أو نهار على المختار عند الحنفية، فيكون السبب شهود الشهر.

      ويجب صوم رمضان: إما برؤية هلاله إذا كانت السماء صحواً، أو بإكمال شعبان ثلاثين يوماً إذا وجد غيم أو غبار ونحوهما.

      لقوله تعالى: {فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ}.

      وقوله صلى الله عليه وسلم: "صومواً لرؤيته، وأفطروا لرؤيته، فإن غمّ عليكم فأكملوا عدة شعبان ثلاثين" رواه مسلم وفي لفظ البخاري: "الشهر تسع وعشرون ليلة، فلا تصوموا حتى تروه، فإن غم عليكم فأكملوا العدة ثلاثين" وفي لفظ لمسلم: "أنه ذكر رمضان، فضرب بيديه، فقال: الشهر هكذا وهكذا وهكذا، ثم عقد إبهامه في الثالثة، فصوموا لرؤيته، وأفطروا لرؤيته، فإن غم عليكم فاقُدروا ثلاثين".

      وقد يقع نقص الشهر أي تسعة وعشرين يوماً مدة شهرين أو ثلاثة أو أربعة فقط، ولا تثبت بقية توابع رمضان كصلاة التراويح ووجوب الإمساك على من أصبح مفطراً إلا برؤية الهلال، أو إكمال شعبان ثلاثين يوماً.

7- كيفية إثبات هلال رمضان وهلال شوال:

      اختلف الفقهاء في طريق إثبات هلال رمضان وشوال بين اتجاهات ثلاثة: رؤية جمع عظيم، ورؤية مسلميَن عدلين، ورؤية رجل عدل واحد.

      ذهب الحنفية إلى أنه:

      أ- إذا كانت السماء صحواً: فلا بد من رؤية جمع عظيم لإثبات رمضان، والفطر أو العيد، ومقدار الجمع: من يقع العلم الشرعي (أي غلبه الظن) بخبرهم، وتقديرهم مفوض إلى رأي الإمام في الأصح، واشتراط الجمع لأن المَطْلع متحد في ذلك المحل، والموانع منتفية، والأبصار سليمة، والهمم في طلب الهلال مستقيمة، فالتفرد في الرؤية من بين الجم الغفير -مع ذلك- ظاهر في غلط الرأي.

      ولا بد من أن يقول الواحد منهم في الإدلاء بشهادته: "أشهد".

      ب- وأما إذا لم تكن السماء صحواً بسبب غيم أو غبار ونحوه: اكتفى الإمام في رؤية الهلال بشهادة مسلم واحد عدل عاقل بالغ، (والعدل: هو الذي غلبت حسناته سيئاته) أو مستور الحال في الصحيح، رجلاً كان أو امرأة، حراً أم غيره، لأنه أمر ديني، فأشبه رواية الأخبار. ولا يشترط في هذه الحالة أن يقول: "أشهد" وتكون الشهادة في مصر أمام القاضي، وفي القرية في المسجد بين الناس.

      وتجوز الشهادة على الشهادة، فتصح الشهادة أمام القاضي بناء على شهادة شخص آخر رأى الهلال.

      ومن رأى الهلال وحده، صام، وإن لم يقبل الإمام شهادته، فلو أفطر وجب عليه القضاء دون الكفارة.

      ولا يعتمد على ما يُخبِر به أهل الميقات والحساب والتنجيم، لمخالفته شريعة نبينا عليه أفضل الصلاة والتسليم.

      وذهب المالكية: إلى أنه يثبت هلال رمضان بالرؤية على أوجه ثلاثة هي ما يأتي:

      1- أن يراه جماعة كثيرة وإن لم يكونوا عدولاً: وهم كل عدد يؤمن في العادة تواطؤهم على الكذب. ولا يشترط أن يكونوا ذكوراً أحراراً عدولاً.

      2- أن يراه عَدْلان فأكثر: فيثبت بهما الصوم والفطر في حالة الغيم أو الصحو. والعدل: هو الذكر الحر البالغ العاقل الذي لم يرتكب معصية كبيرة ولم يصر على معصية صغيرة، ولم يفعل ما يخل بالمروءة.

      فلا يجب الصوم في حالة الغيم برؤية عدل واحد أو امرأة أو امرأتين على المشهور، ويجب الصوم قطعاً على الرائي في حق نفسه.

      وتجوز الشهادة بناء على شهادة العدلين إذا نقل الخبر عن كل واحد اثنان، ولا يكفي نقل واحد.

      ولا يشترط في إخبار العدلين أو غيرهم لفظ "أشهد".

      3- أن يراه شاهد واحد عدل: فيثبت الصوم والفطر له في حق العمل بنفسه أو في حق من أخبره ممن لا يعتني بأمر الهلال، ولا يجب على من يعتني بأمر الهلال الصوم برؤيته، ولا يجوز الإفطار بها، فلا يجوز للحاكم أن يحكم بثبوت الهلال برؤية عدل فقط.

      ولا يشترط في الواحد الذكورة ولا الحرية. فإن كان الإمام هو الرائي وجب الصوم والإفطار.

      ويجب على العدل أو العدلين رفع الأمر للحاكم أنه رأى الهلال ليفتح باب الشهادة، ولأنه قد يكون الحاكم ممن يرى الثبوت بعدل.

      أما هلال شوال: فيثبت برؤية الجماعة الكثيرة التي يؤمن تواطؤها على الكذب ويفيد خبرها العلم أو برؤية العدلين كما هو الشأن في إثبات هلال رمضان.

      ولا يثبت الهلال بقول منجّم أي حاسب يحسب سير القمر، لا في حق نفسه ولا غيره، لأن الشارع أناط الصوم والفطر والحج برؤية الهلال، لا بوجوده إن فرض صحة قوله، فالعمل بالمراصد الفلكية وإن كانت صحيحة لا يجوز.

      وذهب الشافعية إلى أنه تثبت رؤية الهلال لرمضان أو شوال أو غيرهما بالنسبة إلى عموم الناس برؤية شخص عدل، ولو مستور الحال، سواء أكانت السماء مصحية أم لا، بشرط أن يكون الرائي عدلاً مسلماً بالغاً عاقلاً حراً ذكراً، وأن يأتي بلفظ "أشهد" فلا تثبت برؤية الفاسق والصبي والمجنون والعبد والمرأة. ودليلهم: أن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما رأى الهلال، فأخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك، فصام وأمر الناس بصيامه. رواه أبو داود. وعن ابن عباس رضي الله عنهما، قال: "جاء أعرابي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: إني رأيت هلال رمضان، فقال: أتشهد أن لا إله إلا الله؟ قال: نعم، قال: تشهد أن محمداً رسول الله؟ قال: نعم، قال: يا بلال، أذن في الناس، فليصوموا غداً" رواه أبو داود والترمذي والمعنى في ثبوته بالواحد الاحتياط للصوم.

      أما الرائي نفسه فيجب عليه الصوم، ولو لم يكن عدلاً (أي فاسقاً) أو كان صبياً أو امرأة أو كافراً، أو لم يشهد عند القاضي، أو شهد ولم تسمع شهادته، كما يجب الصوم على من صدقه ووثق بشهادته.

      وإذا صمنا برؤية عدل، ولم نر الهلال بعد ثلاثين، أفطرنا في الأصح، وإن كانت السماء صحواً، لكمال العدد بحجة شرعية.

      وذهب الحنابلة: إلى أنه يقبل في إثبات هلال رمضان قول مكلف عدل واحد ظاهراً وباطناً ذكراً أو أنثى حراً أو عبداً، ولو لم يقل: أشهد أو شهدت أني رأيته، فلا يقبل قول مميز ولا مستور الحال لعدم الثقة بقوله في الغيم والصحو، ولو كان الرائي في جمع كثير ولم يره منهم غيره.

      ودليلهم الحديث المتقدم أنه صلى الله عليه وسلم صوَّم الناس بقول ابن عمر، ولقبوله خبر الأعرابي السابق به، ولأنه خبر ديني وهو أحوط، ولا تهمة فيه، بخلاف آخر الشهر، ولاختلاف حال الرائي والمرئي، فلو حكم حاكم بشهادة واحد، عمل بها وجوباً. ولا يعتبر لوجوب الصوم لفظ الشهادة، ولا يختص بحاكم، فيلزم الصوم من سمعه من عدل. ولا يجب على من رأى الهلال إخبار الناس أو أن يذهب إلى القاضي أو إلى المسجد. ويجب الصوم على من ردت شهادته لفسق أو غيره، لعموم الحديث: "صوموا لرؤيته" ولا يفطر إلا مع الناس، لأن الفطر لا يباح إلا بشهادة عدلين. وإن رأى هلال شوال وحده لم يفطر لحديث أبي هريرة يرفعه قال: "الفطر يوم يفطرون، والأضحى يوم يضحون". رواه الترمذي. ولاحتمال خطئه وتهمته، فوجب الاحتياط. وتثبت بقية الأحكام إذا ثبتت رؤية هلال رمضان بواحد من وقوع الطلاق المعلق به، وحلول آجال الديون المؤجلة إليه، وغيرها كانقضاء العدة والخيار المشروط ومدة الإيلاء ونحوها تبعاً للصوم.

      ولا يجب الصوم بالحساب والنجوم ولو كثرت إصابتهما، لعدم استناده لما يعول عليه شرعاً.

      ولا يقبل في إثبات بقية الشهور كشوال (من أجل العيد) وغيره إلا رجلان عدلان، بلفظ الشهادة، لأن ذلك مما يطلع عليه الرجال غالباً، وليس بمال ولا يقصد به المال. وإنما ترك ذلك في إثبات رمضان احتياطاً للعبادة.

      وإذا صام الناس بشهادة اثنين: ثلاثين يوماً، فلم يروا الهلال، أفطروا، سواء في حال الغيم أو الصحو، لحديث عبد الرحمن بن زيد بن الخطاب أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "وإن شهد شاهدان فصوموا وأفطروا". رواه النسائي.

      ولا يفطروا إن صاموا الثلاثين يوماً بشهادة واحد، لأنه فطر، فلا يجوز أن يستند إلى واحد، كما لو شهد بهلال شوال.

      وإن صاموا ثمانية وعشرين يوماً، ثم رأوا الهلال، قضوا يوماً فقط. وإن صاموا لأجل غيم ونحوه كدخان، لم يفطروا، لأن الصوم إنما كان احتياطاً، فمع موافقته للأصل : وهو بقاء رمضان، أولى. وإن رأى هلال شوال عدلان، ولم يشهدا عند الحاكم، جاز لم سمع شهادتهما الفطر إذا عرف عدالتهما، وجاز لكل واحد منهما أن يفطر بقولهما إذا عرف عدالة الآخر، لقوله صلى الله عليه وسلم: "فإن شهد شاهدان فصوموا وأفطروا" فإن لم يعرف أحدهما عدالة الآخر، لم يجز له الفطر لاحتمال فسقه إلا أن يحكم بذلك حاكم، فيزول اللبس.

      وإن شهد شاهدان عند الحاكم برؤية هلال شوال : فإن رد الحاكم شهادتهما، لجهله بحالهما، فلمن علم عدالتهما الفطر، لأن رده ههنا ليس بحكم منه بعدم قبول شهادتهما، إنما هو توقف لعدم علمه بحالهما، فهو كالتوقف عن الحكم انتظاراً للبينة، فلو ثبتت عدالتهما بعد ذلك ممن زكاهما حكم بها، لوجود المقتضي، وأما إن رد الحاكم شهادتهما لفسقهما، فليس لهما ولا لغيرهما الفطر بشهادتهما.

      وإذا اشتبهت الأشهر على أسير أو سجين أو من بمفازة أو بدار حرب ونحوهم، اجتهد وتحرى في معرفة شهر رمضان وجوباً، لأنه أمكنه تأدية فرضه بالاجتهاد، فلزمه كاستقبال القبلة، فإن وافق ذلك شهر رمضان أو ما بعد رمضان، أجزأه.

      وإن تبين أن الشهر الذي صامه ناقص، ورمضان الذي فاته كامل تمام، لزمه قضاء النقص، لأن القضاء يجب أن يكون بعدد المتروك. وإن وافق صومه شهراً قبل رمضان كشعبان لم يجزه، لأنه أتى بالعبادة قبل وقتها، فلم يجزه، كالصلاة، فلو وافق بعضه رمضان، فما وافقه أو بعده، أجزأه، دون ما قبله.

      وإن صام من اشتبهت عليه الأشهر، بلا اجتهاد، فكمن خفيت عليه القبلة، لا يجزيه مع القدرة على الاجتهاد.

      - والخلاصة: أن الحنفية يشترطون لإثبات هلال رمضان وشوال رؤية جمع عظيم إذا كانت السماء صحواً، وتكفي رؤية العدل الواحد في حال الغيم ونحوه. ولابد عند المالكية من رؤية عدلين أو أكثر، وتكفي رؤية العدل الواحد عندهم في حق من لا يهتم بأمر الهلال.

      وتكفي رؤية عدل واحد عند الشافعية والحنابلة، ولو مستور الحال عند الشافعية، ولا يكفي المستور عند الحنابلة، كما لا بد عند الحنابلة من رؤية هلال شوال من عدلين لإثبات العيد.

      - وتقبل شهادة المرأة عند الحنفية والحنابلة، ولا تقبل عند المالكية والشافعية.

      8- طلب رؤية الهلال: وذهب الحنفية: إلى أنه يجب للناس أن يلتمسوا الهلال في اليوم التاسع والعشرين من شعبان، وكذا هلال شوال لأجل إكمال العدة، فإن رأوه صاموا، وإن غم عليهم، أكملوا عدة شعبان ثلاثين يوماً، ثم صاموا، لأن الأصل بقاء الشهر، فلا ينتقل عنه إلا بدليل، ولم يوجد.

      وذهب الحنابلة: إلى أنه يستحب ترائي الهلال احتياطاً للصوم، وحذاراً من الاختلاف.

      قالت عائشة: "كان النبي صلى الله عليه وسلم يتحفظ في شعبان ما لا يتحفظ في غيره، ثم يصوم لرؤية رمضان" رواه الدارقطني وروى أبو هريرة مرفوعاً: "أحصوا هلال شعبان لرمضان". رواه الترمذي.

      ويسن إذا رأى المرء الهلال كبَّر ثلاثاً، وقال: "اللهم أهلّه علينا باليُمن والإيمان، والأمن والأمان، ربي وربك الله" ويقول ثلاث مرات: "هلال خير ورشد" ويقول: "آمنت بالذي خلقك" ثم يقول: "الحمد لله الذي ذهب بشهر كذا، وجاء بشهر كذا" وروى الأثرم عن ابن عمر، قال: "كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا رأى الهلال قال: الله أكبر، اللهم أهلّه علينا بالأمن والإيمان، والسلامة والإسلام، والتوفيق لما تحب وترضى، ربي وربك الله".

      وإذا رئي الهلال يكره عند الحنفية أن يشير الناس إليه، لأنه من عمل الجاهلية.

      9- اختلاف المطالع:

      اختلف الفقهاء على قولين في وجوب الصوم وعدم وجوبه على جميع المسلمين في المشارق والمغارب في وقت واحد، بحسب القول باتفاق مطالع القمر أو اختلاف المطالع.

      ذهب الجمهور -الحنفية والمالكية والحنبلية- إلى أنه يوحد الصوم بين المسلمين، ولا عبرة باختلاف المطالع.

      وذهب الشافعية إلى أنه يختلف بدء الصوم والعيد بحسب اختلاف مطالع القمر بين مسافات بعيدة.

      هذا مع العلم بأن نفس اختلاف المطالع لا نزاع فيه، فهو أمر واقع بين البلاد البعيدة كاختلاف مطالع الشمس، ولا خلاف في أن للإمام الأمر بالصوم بما ثبت لديه، لأن حكم الحاكم يرفع الخلاف، وأجمعوا أنه لا يراعى ذلك في البلدان النائية جداً كالأندلس والحجاز، وأندونيسيا والمغرب العربي.

      تفصيل آراء المذاهب في ذلك:

      قال الحنفية: اختلاف المطالع، ورؤية الهلال نهاراً قبل الزوال وبعده غير معتبر، فيلزم أهل المشرق برؤية أهل المغرب، إذا ثبت عندهم رؤية أولئك، بطريق موجب، كأن يتحمل اثنان الشهادة، أو يشهدا على حكم القاضي، أو يستفيض الخبر، بخلاف ما إذا أخبر أن أهل بلدة كذا رأوه، لأنه حكاية.

      وقال المالكية: إذا رئي الهلال، عمَّ الصوم سائر البلاد، قريباً أو بعيداً، ولا يراعى في ذلك مسافة قصر، ولا اتفاق المطالع، ولا عدمهما، فيجب الصوم على كل ما منقول إليه، إن نقل ثبوته بشهادة عدلين أو بجماعة مستفيضة، أي منتشرة.

      وقال الحنابلة: إذا ثبتت رؤية الهلال بمكان، قريباً كان أو بعيداً، لزم الناس كلهم الصوم، وحكم من لم يره حكم من رآه.

      وقال الشافعية: إذا رئي الهلال ببلد لزم حكمه البلد القريب لا البعيد بحسب اختلاف المطالع، واختلاف المطالع لا يكون في أقل من أربعة وعشرين فرسخاً.

      وإذا لم نوجب على البلد الآخر وهو البعيد، فسافر إليه من بلد الرؤية من صام به، فالأصح أنه يوافقهم وجوباً في الصوم آخراً، وإن كان قد أتم ثلاثين، لأنه بالانتقال إلى بلدهم، صار واحداً منهم، فيلزمه حكمهم.

      ومن سافر من البلد الآخر الذي لم ير فيه الهلال إلى بلد الرؤية، عيَّد معهم وجوباً، لأنه صار واحداً منهم، سواء أصام ثمانية وعشرين يوماً، أم تسعة وعشرين بأن كان رمضان تاماً عندهم، وقضى يوماً إن صام ثمانية وعشرين، لأن الشهر لا يكون كذلك.

      ومن أصبح مُعَيِّداً، فسارت سفينته أو طائرته إلى بلدة بعيدة أهلها صيام، فالأصح أنه يمسك بقية اليوم وجوباً، لأنه صار واحداً منهم.

      ورأي الجمهور هو الأرجح توحيداً للعبادة بين المسلمين، ومنعاً من الاختلاف غير المقبول في عصرنا، ولأن إيجاب الصوم معلق بالرؤية، دون تفرقة بين الأقطار.

      10- ركن الصوم:

      ركن الصوم باتفاق الفقهاء هو: الإمساك عن المفطرات، وذلك من طلوع الفجر الصادق، حتى غروب الشمس.

      ودليله قوله تعالى:{وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ} [البقرة: 187].

      والمراد من النص: بياض النهار وظلمة الليل، لا حقيقة الخيطين، فقد أباح الله تعالى هذه الجملة من المفطرات ليالي الصيام، ثم أمر بالإمساك عنهن في النهار، فدل على أن حقيقة الصوم وقوامه هو ذلك الإمساك.

      11- شروط وجوب الصوم:

      شروط وجوب الصوم، أي: اشتغال الذمة بالواجب هي شروط افتراضه والخطاب به. وهي:

      أ- الإسلام، وهو شرط عام للخطاب بفروع الشريعة.

      ب- العقل، إذ لا فائدة من توجه الخطاب بدونه، فلا يجب الصوم على مجنون إلا إذا أثم بزوال عقله، في شراب أو غيره، ويلزمه قضاؤه بعد الإفاقة.

      وعبر الحنفية بالإفاقة بدلاً من العقل، أي الإفاقة من الجنون والإغماء أو النوم، وهي اليقظة.

      ج- البلوغ، ولا تكليف إلا به، لأن الغرض من التكليف هو الامتثال، وذلك بالإدراك والقدرة على الفعل -كما هو معلوم في الأصول- والصبا والطفولة عجز.

      ونص الفقهاء على أنه يؤمر به الصبي لسبع -كالصلاة- إن أطاقه، ويضرب على تركه لعشر.

      والحنابلة قالوا: يجب على وليهّ أمرُه بالصوم إذا أطاقه، وضربه حينئذ إذا تركه ليعتاده، كالصلاة، إلا أن الصوم أشق، فاعتبرت له الطاقة، لأنه قد يطيق الصلاة من لا يطيق الصوم.

      د- العلم بالوجوب، فمن أسلم في دار الحرب، يحصل له العلم الموجب، بإخبار رجلين عدلين، أو رجل مستور وامرأتين مستورتين، أو واحد عدل، ومن كان مقيماً في دار الإسلام، يحصل له العلم بنشأته في دار الإسلام، ولا عذر له بالجهل.

      12- شروط وجوب أداء الصوم:

      شروط وجوب الأداء الذي هو تفريغ ذمة المكلف عن الواجب في وقته المعين له هي:

      أ- الصحة والسلامة من المرض، لقوله تعالى: {وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} [البقرة: 185].

      ب- الإقامة، {أو على سفر}.

      أما الصحة والإقامة، فشرطان في وجوب الصيام، لا في صحته، ولا في وجوب القضاء، فإن وجوب الصوم يسقط عن المريض والمسافر، ويجب عليهما القضاء، إن أفطرا إجماعاً، ويصح صومهما إن صاما ...

      ج- خلو المرأة من الحيض والنفاس، لأن الحائض والنفساء ليستا أهلاً للصوم.

      ولحديث عائشة رضى الله تعالى عنها لما سألتها معاذة: "ما بال الحائض، تقضي الصوم ولا تقضي الصلاة؟ فقالت: أحرورية أنتِ؟ قلت: لست بحرورية، ولكني أسأل، قالت: كان يصيبنا ذلك، فنؤمر بقضاء الصوم، ولا نؤمر بقضاء الصلاة" متفق عليه.

      فالأمر بالقضاء فرع وجوب الأداء.

      والإجماع منعقد على منعهما من الصوم، وعلى وجوب القضاء عليهما.

      13- شروط صحة الصوم:

      شرط صحة الصوم هي:

      أ- الطهارة من الحيض والنفاس.

      ب- خلّوه عما يفسد الصوم بطروّه عليه كالجماع.

      ج- النية. وذلك لأن صوم رمضان عبادة، فلا يجوز إلا بالنية، كسائر العبادات. ولحديث: "إنما الأعمال بالنيات" متفق عليه.

      والإمساك قد يكون للعادة، أو لعدم الاشتهاء، أو للمرض، أو للرياضة، فلا يتعين إلا بالنية، كالقيام إلى الصلاة والحج. ولا يصح الصوم إلا بنية، ومحلها القلب، ولا يشترط النطق بها، بلا خلاف.

      صفة النية:

      صفة النية، أن تكون جازمة، معينة، مبيّتة، مجددة، على ما يلي:

      أولاً: الجزم، فقد اشترط في نية الصوم، قطعاً للتردد، حتى لو نوى ليلة الشك، صيام غدٍ، إن كان من رمضان لم يجزه، ولا يصير صائماً لعدم الجزم، فصار كما إذا نوى أنه إن وجد غداء غداً يفطر، وإن لم يجد يصوم.

      ونص الشافعية والحنابلة على أنه إن قال: إن كان غداً من رمضان فهو فرضي، وإلا فهو نفل، أو فأنا مفطر، لم يصح صومه، إن ظهر أنه من رمضان، لعدم جزمه بالنية.

      وإن قال ذلك ليلة الثلاثين من رمضان، صح صومه إن بان منه، لأنه مبني على أصل لم يثبت زواله، ولا يقدح تردده، لأنه حكم صومه مع الجزم. بخلاف ما إذا قاله ليلة الثلاثين من شعبان، لأنه لا أصل معه يبنى عليه، بل الأصل بقاء شعبان.

      ثانياً: التعيين: ذهب جمهور الفقهاء إلى أنه لابد من تعيين النية في صوم رمضان، وصوم الفرض والواجب، ولا يكفي تعيين مطلق الصوم، ولا تعيين صومٍ معين غير رمضان.

      وكمال النية: أن ينوي صوم غد، عن أداء فرض رمضان هذه السنة لله تعالى.

      وإنما اشترط التعيين في ذلك، لأن الصوم عبادة مضافة إلى وقت، فيجب التعيين في نيتها، كالصلوات الخمس، ولأن التعيين مقصود في نفسه، فيجزئ التعيين عن نية الفريضة في الفرض، والوجوب في الواجب.

      وذهب الحنفية في التعيين إلى تقسيم الصيام إلى قسمين:

      القسم الأول: لا يشترط فيه التعيين، وهو: أداء رمضان، والنذر المعين زمانه، وكذا النفل، فإنه يصح بمطلق نية الصوم، من غير تعيين.

      وذلك لأن رمضان معيار وهو مضيّق، لا يسع غيره من جنسه وهو الصوم، فلم يشرع فيه صوم آخر، فكان متعيناً للفرض، والمتعين لا يحتاج إلى تعيين، والنذر المعين معتبر بإيجاب الله تعالى، فيصاب كل منهما بمطلق النية، وبأصلها، وبنية نفل، لعدم المزاحم.

      وكل يوم معيّن للنفل ماعدا رمضان، والأيام المحرم صومها، وما يعيّنه المكلف بنفسه، فكل ذلك متعين، ولا يحتاج إلى التعيين.

      والقسم الثاني: يشترط فيه التعيين، وهو: قضاء رمضان، وقضاء ما أفسده من النفل، وصوم الكفارات بأنواعها، والنذر المطلق عن التقييد بزمان، سواء أكان معلقاً بشرط، أم كان مطلقاً، لأنه ليس له وقت معين، فلم يتأد إلا بنية مخصوصة، قطعاً للمزاحمة.

      ثالثاً- التبييت:

      والتبييت: إيقاع النية في الليل، ما بين غروب الشمس إلى طلوع الفجر، فلو قارن الغروب أو الفجر أو شك، لم يصح، كما هو قضية التبييت.

      - ذهب المالكية والشافعية والحنابلة إلى شرط التبييت في صوم الفرض.

      وفي قول للمالكية، يصح لو قارنت الفجر، كما في تكبيرة الإحرام، لأن الأصل في النية المقارنة للمنْوى.

      ويجوز أن تقدّم من أول الليل، ولا تجوز قبل الليل.

      ولأن صوم القضاء والكفارات، لابد لها من تبييت النية، فكذا كل صوم فرضٍ معين.

      ولا تجزئ بعد الفجر، وتجزئ مع طلوع الفجر إن اتفق ذلك، ورخص تقدمها عليه للمشقة في مقارنتها له.

      والصحيح عند الشافعية والحنابلة: أنه لا يشترط في التبييت النصف الآخر من الليل، لإطلاقه في الحديث، ولأن تخصيص النية بالنصف الأخير يفضي إلى تفويت الصوم، لأنه وقت النوم، وكثير من الناس لا ينتبه فيه، ولا يذكر الصوم، والشارع إنما رخص في تقديم النية على ابتدائه، لحرج اعتبارها عنده، فلا يخصها بمحل لا تندفع المشقة بتخصيصها به، ولأن تخصيصها بالنصف الأخير تحكّم من غير دليل، بل تُقَرَّب النيةُ من العبادة، لماّ تعذر اقترانها بها.

      والصحيح أيضاً: أنه لا يضر الأكل والجماع بعد النية ما دام في الليل، لأنه لم يلتبس بالعبادة، وقيل : يضر فتحتاج إلى تجديدها، تحرزاً عن تخلل المناقض بينها وبين العبادة، لما تعذر اقترانها بها.

      والصحيح أيضاً: أنه لا يجب التجديد لها إذا نام بعدها، ثم تنبه قبل الفجر، وقيل: يجب، تقريباً للنية من العبادة بقدر الوسع.

      وذهب الحنفية إلى عدم اشتراط التبييت في رمضان. ولماَّ لم يشترطوا تبييت النية في ليل رمضان، أجازوا النية بعد الفجر دفعاً للحرج أيضاً، حتى الضحوة الكبرى، فينوي قبلها ليكون الأكثر منوياً، فيكون له حكم الكل، حتى لو نوى بعد ذلك لا يجوز، لخلو الأكثر عن النية، تغليباً للأكثر.

      والضحوة الكبرى: نصف النهار الشرعي، وهو من وقت طلوع الفجر إلى غروب الشمس.

      وقال الحنفية: والأفضل الصوم بنية معينة مبيَّتة للخروج عن الخلاف.

      واشترط الحنفية تبييت النية في صوم الكفارات والنذور المطلقة وقضاء رمضان.

      أما النفل فيجوز صومه عند الجمهور -خلافاً للمالكية- بنيةٍ قبل الزوال.

      لحديث عائشة رضي الله تعالى عنها قالت: "دخل علّي النبي صلى الله عليه وسلم ذات يوم، فقال: هل عندكم شيء؟، فقلنا: لا. فقال: فإني إذن صائم" رواه مسلم.

      ولأن النفل أخف من الفرض، والدليل عليه: أنه يجوز ترك القيام في النفل مع القدرة، ولا يجوز في الفرض.

      ومذهب المالكية: أنه يشترط في صحة الصوم مطلقاً، فرضاً أو نفلاً، نية مبيتة، وذلك لإطلاق الحديث المتقدم: "من لم يُجْمِعِ الصيام من الليل، فلا صيام له".

      ومذهب الحنابلة جواز النية في النفل، قبل الزوال وبعده، والنية وجدت في جزء من النهار، فأشبه وجودها قبل الزوال بلحظة.

      ويشترط لجواز نية النفل في النهار عند الحنابلة: أن لا يكون فَعَل ما يفطره قبل النية، فإن فعل فلا يجزئه الصوم.

      رابعاً: تجديد النية:

      ذهب الجمهور - الحنفية والشافعية والحنبلية- إلى تجديد النية في كل يوم من رمضان، من الليل أو قبل الزوال -على الخلاف السابق- وذلك: لكي يتميز الإمساك عبادةً، عن الإمساك عادة أو حِمْيَة.

      ولأن كل يوم عبادة مستقلة، لا يرتبط بعضه ببعض، ولا يفسد بفساد بعض، ويتخللها ما ينافيها، وهو الليالي التي يحل فيها ما يحرم في النهار، فأشبهت القضاء، بخلاف الحج وركعات الصلاة.

      وذهب مالك أنه تكفي نية واحدة عن الشهر كله في أوله، كالصلاة. وكذلك في كل صوم متتابع، ككفارة الصوم والظهار، ما لم يقطعه أو يكن على حالة يجوز له الفطر فيها، فيلزمه استئناف النية، وذلك لارتباط بعضها ببعض، وعدم جواز التفريق، فكفت نية واحدة، وإن كانت لا تبطل ببطلان بعضها، كالصلاة.

      فعلى ذلك لو أفطر يوماً لعذر أو غيره، لم يصح صيام الباقي بتلك النية، كما جزم به بعضهم، وقيل: يصح، وقدمه بعضهم.

      ويقاس على ذلك النذر المعين.

      استمرار النية:

      اشترط الفقهاء الدوام على النية، فلو نوى الصيام لجسم، والتي تعتبر موصلة للمادة موع الفجر لا يصير صائماً.

      ويشترط الدوام عليها فلو نوى من الليل، ثم رجع عن نيتة قبل طلوع الفجر، صح رجوعه ولا يصير صائماً، ولو أفطر لا شيء عليه إلا القضاء، بانقطاع النية بالرجوع، فلا كفارة عليه ترطوا ذلك، بل اكتفوا بتحقق وصوله تبييت، إلا إذا جدد النية، بأن ينوي الصوم في وقت النية، تحصيلاً لها، لأن الأولى غير معتبرة، بسبب الرجوع عنها.

      ولا تبطل النية بقوله: أصوم غداً إن شاء الله، لأنه بمعنى الاستعانة، وطلب التوفيق والتيسير. والمشيئة إنما تبطل اللفظ، والنية فعل القلب.

      وكذا سائر العبادات، لا تبطل بذكر المشيئة في نيتها.

      ولا تبطل النية بأكله أو شربه أو جماعه بعدها عند جمهور الفقهاء.

      - ولو نوى الإفطار في أثناء النهار.

      ذهب الحنفية والشافعية إلى أنه لا يفطر، كما لو نوى التكلم في صلاته ولم يتكلم.

      وذهب المالكية والحنابلة: إلى أنه يفطر، لأنه قطع نية الصوم بنية الإفطار، فكأنه لم يأت بها ابتداء.

      - الإغماء والجنون والسكر بعد النية:

      اختلف الفقهاء فيما إذا نوى الصيام من الليل، ثم طرأ عليه إغماء أو جنون أو سكر:

      فإن لم يفق إلا بعد غروب الشمس:

      فذهب المالكية والشافعية والحنابلة إلى عدم صحة صومه، لأن الصوم هو الإمساك مع النية، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: "قال الله بكل عمل ابن آدم له إلا الصوم، فإنه لي وأن أجزي به، يدع شهوته وطعامه من أجلي" رواه البخاري.

      فأضاف ترك الطعام والشراب إليه، فإذا كان مغمى عليه فلا يضاف الإمساك إليه، فلم يجزئه.

      وذهب الحنفية إلى صحة صومه، لأن نيته قد صحت، وزوال الاستشعار بعد ذلك لا يمنع صحة الصوم، كالنوم.

      أما إذا أفاق أثناء النهار:

      فذهب الحنفية إلى تجديد النية إذا أفاق قبل الزوال.

      وذهب المالكية إلى عدم صحة صومه.

      وذهب الشافعية والحنابلة إلى أنه إذا أفاق في أي جزء من النهار صح صومه، سواء أكان في أوله أم في آخره.

      وفرق الشافعية بين الجنون والإغماء، فالمذهب: انه لو جن في أثناء النهار بطل صومه، وقيل: هو كالإغماء.

      وأما الردة بعد نية الصوم فتبطل الصوم بلا خلاف.

      15- سنن الصوم ومستحابته:

      سنن الصوم ومستحابته كثيرة، أهمها:

      أ- السحور، وقد ورد فيه حديث أنس رضى الله تعالى عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "تسحّروا فإن في السّحور بركة" رواه البخاري.

      ب- تأخير السّحور، وتعجيل الفطر، ومما ورد فيه حديث سهل بن سعد رضى الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا يزال الناس بخير ما عجّلوا الفطر" متفق عليه.

      وحديث زيد بن ثابت -رضي الله عنه-: "تسحّرنا مع النبي صلى الله عليه وسلم ثم قام إلى الصلاة. قلت: كم كان بين الأذان والسحور؟ قال: قدر خمسين آية" متفق عليه.

      ج- ويستحب أن يكون الإفطار على رطبات، فإن لم تكن فعلى تمرات.

      وفي هذا ورد حديث أنس رضي الله تعالى عنه قال: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يفطر قبل أن يصلي على رطبات، فإن لم تكن رطبات فتميرات، فإن لم تكن تميرات حسا حسوات من ماء" رواه الترمذي.

      وورد فيه حديث عن سلمان بن عامر الضبي رضي الله عنه قال: "قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا أفطر أحدكم فليفطر على تمر، فإنه بركة، فمن لم يجد فليفطر على ماء، فإنه طهور" رواه الترمذي.

      د- ويستحب أن يدعو عند الإفطار، فقد ورد عن عبد الله بن عمرو رضى الله تعالى عنهما مرفوعاً: "إن للصائم دعوة لا ترد" رواه ابن ماجة.

      وفي الحديث عن ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا أفطر قال: "ذهب الظمأ، وابتلت العروق، وثبت الأجر إن شاء الله تعالى" رواه أبو داوود.

      وهناك فضائل من خصائص شهر رمضان كالتراويح، والإكثار من الصدقات، والاعتكاف، وغيرها.

      ومن أهم ما ينبغي أن يترفع عنه الصائم ويحذره: ما يحبط صومه من المعاصي الظاهرة والباطنة، فيصون لسانه عن اللغو والهذيان والكذب، والغيبة والنميمة، والفحش والجفاء، والخصومة والمراء، ويكف جوارحه عن جميع الشهوات والمحرمات، ويشتغل بالعبادة، وذكر الله، وتلاوة القرآن. وفي الصحيح من حديث أبي هريرة رضى الله تعالى عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "قال الله تعالى: كل عمل ابن آدم له إلا الصيام، فإنه لي وأنا أجزي به، والصيام جُنَّة، وإذا كان يوم صوم أحدكم، فلا يرفث ولا يصخب، فإن سابّه أحد أو قاتله، فليقل: إني امرؤ صائم" متفق عليه. وعن أبي هريرة رضى الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من لم يَدَعْ قول الزور، والعمل به، فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه" رواه البخاري.

      15-مفسدات الصوم:

      يَفْسد الصوم كلما انتفى شرط من شروطه، أو اختل أحد أركانه، كالردة، وكطروء الحيض والنفاس، وكل ما ينافيه من أكل وشرب ونحوهما، ودخول شيء من خارج البدن إلى جوف الصائم.

      ويشترط في فساد الصوم بما يدخل إلى الجوف ما يلي:-

      أ- أن يكون الداخل إلى الجوف، من المنافذ الواسعة -كما قيده بذلك المالكية- والمفتوحة - كما قال الشافعية- أي: المخارق الطبيعية الأصلية في الجسم، والتي تعتبر موصلة للمادة من الخارج إلى الداخل، كالفم والأنف والأذن.

      وقد استدل لذلك، بالاتفاق على أن من اغتسل في ماء، فوجد برده في باطنه لا يفطر، ومن طلى بطنه بدهن لا يضر، لأن وصوله إلى الجوف بتشرّب.

      - والحنابلة لم يشترطوا ذلك، بل اكتفوا بتحقق وصوله إلى الحلق والجوف، والدماغُ جوف.

      ب- أن يكون الداخل إلى الجوف مما يمكن الاحتراز عنه، كدخول المطر والثلج بنفسه حلق الصائم إذا لم يبتلعه بصنعه، فإن لم يمكن الاحتراز عنه -كالذباب يطير إلى الحلق، وغبار الطريق- لم يفطر إجماعاً.

      والجوف هو: الباطن، سواء أكان مما يحيل الغذاء والدواء، أي يغيرهما كالبطن والأمعاء، أم كان مما يحيل الدواء فقط كباطن الرأس أو الأذن، أم كان مما لا يحيل شيئا كباطن الحلق.

      قال الشافعية: الحلق كالجوف، في بطلان الصوم بوصول الواصل إليه، فإذا جاوز الشيء الحلقوم أفطر.

      فباطن الدماغ والأمعاء والمثانة مما يفطر الوصول إليه.

      ج- والجمهور على أنه لا يشترط أن يكون الداخل إلى الجوف مغذياً، فيفسد الصوم بالداخل إلى الجوف مما يغذي أو لا يغذي، كابتلاع التراب ونحوه.

      د-وشُرط كون الصائم قاصدا ذاكرا لصومه، أما لو كان ناسيا أنه صائم،فلا يفسد صومه عند الجمهور، وذلك لحديث أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"من نسي وهو صائم، فأكل أو شرب، فليتم صومه، فإنما أطعمه الله وسقاه". متفق عليه.

      ويستوي في ذلك الفرض والنفل لعموم الأدلة.

·     وذهب مالك إلى أن من نسى في رمضان، فأكل أو شرب، عليه القضاء، أما لو نسي في غير رمضان، فأكل أو شرب، فإنه يتم صومه، ولا قضاء عليه.

هـ- وشرط الحنفية والمالكية استقرار المادة في الجوف، وعللوه بأن الحصاة-مثلا-تشغل المعدة شغلاً ما وتنقص الجوع.

      وعلى قول الحنفية والمالكية: لو لم تستقر المادة، بأن خرجت من الجوف لساعتها لا يفسد الصوم، كما لو أصابته سهام فاخترقت بطنه ونفذت من ظهره، ولو بقى النصل في جوفه فسد صومه، ولو كان ذلك بفعله يفسد صومه.

      ولم يشترط الشافعية والحنابلة استقرار المادة في الجوف إذا كان باختياره.

      و- وشرط الشافعية والحنابلة، أن يكون الصائم مختاراً فيما يتناوله، من طعام أو شراب أو دواء، فلو أُوجر الماءَ، أو صُبَّ الدواءُ في حلقه مكرهاً، لم يفسد صومه عندهم، لأنه لم يفعل ولم يقصد.

      ولو أكره على الإفطار، فأكل أو شرب.

      قال الشافعية: بعدم الفطر، وعللوا عدم الإفطار بأن الحكم الذي ينبني على اختياره ساقط، لعدم وجود الاختيار.

      ومذهب الحنابلة: أنه لا يفسد صومه قولاً واحداً، وهو كالإيجار، وذلك لحديث"إن الله وضع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه"رواه ابن حاجه، فإنه عام.

·     ومذهب الحنفية والمالكية: أن الإكراه على الإفطار يفسد الصوم، ويستوجب القضاء.

      17- ما يفسد الصوم، ويوجب القضاء:

      وذلك يرجع إلى الإخلال بأركانه وشروطه، ويمكن حصره فيما يلي:-

      1- تناول مالا يؤكل في العادة.

      2- قضاء الوطر قاصراً.

      3- شئون المعالجة والمداواة.

      4- التقصير في حفظ الصوم والجهل بأحكامه.

      5- الإفطار بسبب العوارض.

أولاً: تناول مالا يؤكل عادة:

      تناول مالا يؤكل عادة كالتراب والحصى، والدقيق غير المخلوط. -على الصحيح-والحبوب النيئة، كالقمح والشعير والحمص والعدس، والثمار الفجة التي لا تؤكل قبل النضج، كالسفرجل والجوز، وكذا تناول ملح كثير دفعة واحدة يوجب القضاء دون الكفارة.

      أما إذا أكله على دفعات، بتناول دفعة قليلة، في كل مرة، فيجب القضاء والكفارة عند الحنفية.

      أما في أكل نواة أو قطن أو ورق، أو ابتلاع حصاة، أو حديد أو ذهب أو فضة، وكذا شرب مالا يشرب من السوائل كالبترول، فالقضاء دون كفارة لقصور الجناية بسبب الاستقذار والعيافة ومنافاة الطبع، فانعدم معنى الفطر، وهو بإيصال ما فيه نفع البدن إلى الجوف، سواء أكان مما يتغذى به أم يتداوى به. وأن هذه المذكورات ليست غذائية، ولا في معنى الغذاء-ولتحقيق الإفطار في الصورة، وهو الابتلاع.

      وكل مالا يتغذى به، ولا يتداوى به عادة، لا يوجب الكفارة.

ثانيا: قضاء الوطر أو الشهوة على وجه القصور:

وذلك في الصور الآتية:

      أ- تعمد إنزال المني بلا جماع، وذلك كالاستمناء بالكف أو بالتبطين والتفخيذ، أو باللمس والتقبيل ونحوهما.

      ذهب الجمهور -الحنفية والشافعية والحنبلية-: إلى أنه يوجب القضاء دون الكفارة.

      وذهب المالكية إلى أنه يوجب القضاء والكفارة معاً.

      ب- الإنزال بوطء ميتة أو بهيمة، أو صغيرة لا تشتهى:

      وهو يفسد الصوم، لأن فيه قضاء إحدى الشهوتين، وأنه ينافي الصوم، ولا يوجب الكفارة، لتمكن النقصان في قضاء الشهوة، فليس بجماع.

      ذهب الحنابلة إلى خلاف ذلك، فإنه لا فرق عندهم بين كون الموطوءة كبيرة أو صغيرة، ولا بين العمد والسهو، ولا بين الجهل والخطأ، وفي كل ذلك القضاء والكفارة، لإطلاق حديث الأعرابي.

      وذهب المالكية: إلى إيجاب الكفارة، لتعمد إخراج المني.

      ج- المساحقة بين المرأتين إذا أنزلت:

      عمل المرأتين، كعمل الرجال، جماع فيما دون الفرج.

      ذهب الحنفية وهو وجه عند الحنابلة إلى عدم القضاء على واحدة منهما، إلا إذا أنزلت، ولا كفارة مع الإنزال.

      د- الإنزال بالفكر والنظر:

      إنزال المنيِّ بالنظر أو الفكر، فيه التفصيل الآتي:-

      مذهب الحنفية والشافعية أن الإنزال بالفكر -وإن طال- وبالنظر بشهوة، ولو إلى فرج المرأة مراراً، لا يفسد الصوم، وإن علم أنه ينزل به، لأنه إنزال من غير مباشرة، فأشبه الاحتلام.

      ومذهب المالكية أنه إن أمنى بمجرد الفكر أو النظر، من غير استدامة لهما، يفسد صومه ويجب القضاء دون الكفارة. وإن استدامهما حتى أنزل فإن كانت عادته الإنزال بهما عند الاستدامة، فالكفارة قطعاً، وإن كانت عادته عدم الإنزال بهما عند الاستدامة، فخالف عادته وأمنى، فقولان في لزوم الكفارة.

      ولو أمنى في أداء رمضان بتعمد نظرة واحدة يفسد صومه، ويجب القضاء، وفي وجوب الكفارة وعدمه تأويلان، محلهما إذا كانت عادته الإنزال بمجرد النظر، وإلا فلا كفارة اتفاقاً.

      ومذهب الحنابلة، التفرقة بين النظر وبين الفكر، ففي النظر، إذا أمنى يفسد الصوم، لأنه أنزل بفعل يتلذذ به، ويمكن التحرز منه، فأفسد الصوم، كالإنزال باللمس، والفكر لا يمكن التحرز منه، بخلاف النظر.

      ولو أمذى بتكرار النظر، فظاهر كلام أحمد لا يفطر به، لأنه لا نص في الفطر به، ولا يمكن قياسه على إنزال المني، لمخالفته إياه في الأحكام، فيبقى على الأصل.

      وإذا لم يكرر النظر لا يفطر، سواء أمنى أو أمذى، وهو المذهب، لعدم إمكان التحرز، ونص أحمد : يفطر بالمني لا بالمذي.

      أما الفكر، فإن الإنزال به لا يفسد الصوم. استدلوا بحديث أبي هريرة رضى الله عنه: "إن الله تجاوز لأمتي عما وسوست أو حدثت به أنفسها، ما لم تعمل به أو تكلم" رواه البخاري.

      ولأنه لا نص في الفطر به ولا إجماع، ولا يمكن قياسه على المباشرة ولا تكرار النظر، لأنه دونهما في استدعاء الشهوة، وإفضائه إلى الإنزال.

      ثالثاً: المعالجات ونحوها، وهي أنواع أهمها:

      أ- الاستعاط:

      الاستعاط: افتعال من السَّعوط، دواء يصب في الأنف والاستعاط.

       والإسعاط عند الفقهاء: إيصال الشيء إلى الدماغ من الأنف.

      وإنما يفسد الاستعاط الصوم، بشرط أن يصل الدواء إلى الدماغ، والأنف منفذ إلى الجوف، فلو لم يصل إلى الدماغ لم يضر، بأن لم يجاوز الخيشوم، فلو وضع دواء في أنفه ليلاً، وهبط نهاراً، فلا شيء عليه.

      ولو وضعه في النهار، ووصل إلى دماغه أفطر، لأنه واصل إلى جوف الصائم باختياره فيفطره كالواصل إلى الحلق، والدماغ جوف - كما قرروا - والواصل إليه يغذيه، فيفطره، كجوف البدن.

      والواجب فيه القضاء لا الكفارة، لأن الكفارة موجب الإفطار صورة ومعنى، والصورة هي الابتلاع، وهي منعدمة، والنفع المجرد عنها يوجب القضاء فقط.

      وهذا الحكم لا يخص صب الدواء، بل لو استنشق الماء، فوصل إلى دماغه أفطر عند الحنفية.

      ب- استعمال البخور:

      ويكون بإيصال الدخان إلى الحلق، فيفطر، أما شم رائحة البخور ونحوه بلا وصول دخانه إلى الحلق فلا يفطر ولو جاءته الرائحة واستنشقها، لأن الرائحة لا جسم لها.

      فمن أدخل بصنعه دخاناً في حلقه، بأية صورة كان الإدخال، فسد صومه، سواء أكان دخان عنبر أم عود أم غيرهما، حتى من تبخر بعود، فآواه إلى نفسه، واشتم دخانه، ذاكراً لصومه، أفطر، لإمكان التحرز من إدخال المفطر جوفه ودماغه.

      ج- بخار القدر:

      بخار القدر، متى وصل للحلق باستنشاق أوجب القضاء، لأن دخان البخور وبخار القدر كل منهما جسم يتكيف به الدماغ، ويتقوى به، أي تحصل له قوة كالتي تحصل من الأكل، أما لو وصل واحد منهما للحلق بغير اختياره فلا قضاء عليه.

      هذا بخلاف دخان الحطب، فإنه لا قضاء في وصوله للحلق، ولو تعمد استنشاقه، لأنه لا يحصل للدماغ به قوة كالتي تحصل له من الأكل.

      وقال الشافعية: لو فتح فاه عمداً حتى دخل الغبار في جوفه، لم يفطر على الأصح.

      ومذهب الحنابلة الإفطار بابتلاع غربلة الدقيق وغبار الطريق، إن تعمده.

      د- التدخين:

      اتفق الفقهاء على أن شرب الدخان المعروف أثناء الصوم يفسد الصيام، لأنه من المفطرات.

      هـ- التقطير في الأذن:

      ذهب جمهور الفقهاء، إلى فساد الصوم بتقطير الدواء أو الدهن أو الماء في الأذن.

      فقال المالكية: يجب الإمساك عما يصل إلى الحلق، مما ينماع أو لا ينماع. والمذهب: أن الواصل إلى الحلق مفطر ولو لم يجاوزه، إن وصل إليه، ولو من أنف أو أذن أو عين نهاراً.

      وتوجيهه عندهم: أنه واصل من أحد المنافذ الواسعة في البدن، وهي: الفم والأنف والأذن، وأن كل ما وصل إلى المعدة من منفذ عال، موجب للقضاء، سواء أكان ذلك المنفذ واسعاً أم ضيقاً. وأنه لا تفرقة عندهم، بين المائع وبين غيره في الواصل إلى المعدة من الحلق.

      قال الشافعية: لو صب الماء أو غيره في أذنيه، فوصل دماغه أفطر على الأصح، وقال بعضهم: الإفطار بالتقطير في الأذنين.

      وقال الحنفية: بفساد الصوم بتقطير الدواء والدهن في الأذن، لأن فيه صلاحاً لجزء من البدن، فوجد إفساد الصوم معنى.

      أما إدخال الماء قصداً فيفسده، وأما دخوله دون قصد فلا يفسده.

      و- مداواة الآمة والجائفة والجراح:

      الآمة: جراحة في الرأس.

      والجائفة: جراحة في البطن.

      والمراد بهذا ما يصل إلى الجوف من غير المخارق الأصلية.

      فإذا داوى الصائم الآمة أو الجراح، فمذهب الجمهور فساد الصوم، إذا وصل الدواء إلى الجوف.

      قال الشافعية: لو داوى جرحه فوصل الدواء إلى جوفه أو دماغه أفطر عندنا سواء أكان الدواء رطباً أم يابساً.

      وعلله الحنابلة بأنه أوصل إلى جوفه شيئاً باختياره، فأشبه ما لو أكل.

      وعلله الحنفية -مع نصهم على عدم التفرقة بين الدواء الرطب وبين الدواء اليابس- بأن بين جوف الرأس وجوف المعدة منفداً أصلياً، فمتى وصل إلى جوف الرأس، يصل إلى جوف البطن.

      ومذهب المالكية عدم الإفطار بمداواة الجراح، لأنه لا يصل لمحل الطعام والشراب، وإلا لمات من ساعته.

      ز- الاحتقان:

      الاحتقان: صب الدواء أو إدخال نحوه في الدبر.

      وقد يكون بمائع أو بغيره: فالاحتقان بالمائع من الماء -وهو الغالب- أو غير الماء.

      ذهب جمهور الفقهاء والمالكية في قول مشهور إلى فساد الصوم ويوجب القضاء، وهو معلل بأنه يصل به الماء إلى الجوف من منفذ مفتوح، وبأن غير المعتاد كالمعتاد في الواصل، وبأنه أبلغ وأولى بوجوب القضاء من الاستعاط استدراكاً للفريضة الفاسدة.

      ولا تجب الكفارة، لعدم استكمال الجناية على الصوم صورة ومعنى، كما هو سبب الكفارة، بل هو لوجود معنى الفطر، وهو وصول ما فيه صلاح البدن إلى الجوف، دون صورته، وهو الوصول من الفم دون ما سواه.

      قال ابن عباس رضى الله تعالى عنهما: "الفطر مما دخل، وليس مما يخرج" رواه ابن أبي شيبة.

      أما الاحتقان بالجامد، ففيه بعض الخلاف:

      فذهب الشافعية والحنابلة إلى أن ما يدخل إلى الجوف من الدبر بالحقنة يفطر، لأنه واصل إلى الجوف باختياره، فأشبه الأكل.

      كذلك دخول طرف أصبع في المخرج حال الاستنجاء يفطر.

      قال الشافعية: لو أدخل الرجل أصبعه أو غيرها دبره، وبقي البعض خارجاً، بطل الصوم، باتفاق أصحابنا.

      وذهب الحنفية إلى أن تغييب القطن ونحوه من الجوامد الجافة، يفسد الصوم، وعدم التغييب لا يفسده، كما لو بقي طرفه خارجاً، لأن عدم تمام الدخول كعدم دخول شيء بالمرة، كإدخال الأصبع غير المبلولة، أما المبلولة بالماء والدهن فيفسده.

      وخص المالكية الإفطار وإبطال الصوم، بالحقنة المائعة نصاً.

      وسئل مالك عن الفتائل تجعل للحقنة؟ قال مالك: أرى ذلك خفيفاً، ولا أرى عليه فيه شيئاً، قال مالك: وإن احتقن بشيء يصل إلى جوفه، فأرى عليه القضاء. أي: ولا كفارة عليه.

      ح- الحقنة المتخذة في مسالك البول:

      ويعبر عن هذا الشافعية بالتقطير، ولا يسمونه احتقاناً وفيه هذا التفصيل:

      الأول: التقطير في الإحليل، أي الذكر:

      في التقطير أقوال:

       فذهب أبو حنيفة ومالك وأحمد، وهو وجه عند الشافعية، إلى أنه لا يفطر، سواء أوصل المثانة أم لم يصل، لأنه ليس بين باطن الذكر وبين الجوف منفذ، وإنما يمر البول رشحاً، فالذي يتركه فيه لا يصل إلى الجوف، فلا يفطر، كالذي يتركه في فيه ولا يبتلعه.

      وللشافعية -مع ذلك- في المسألة أقوال:

      أحدها: إذا قطر فيه شيئاً لم يصل إلى المثانة لم يفطر، وهذا أصحها.

      الثاني: لا يفطر.

      الثالث: إن جاوز الحشفة أفطر، وإلا لا.

      الثاني: التقطير في فرج المرأة:

      ذهب جمهور الفقهاء إلى فساد الصوم به.

      رابعاً: التقصير في حفظ الصوم والجهل به:

      الأول: التقصير:

      أ- من صور التقصير ما لو تسحر أو جامع، ظاناً عدم طلوع الفجر، والحال أن الفجر طالع.

      ذهب الحنفية والمالكية في قول مشهور والشافعية في القول الصحيح والحنابلة: إلى أنه يفطر ويجب عليه القضاء دون الكفارة. وذلك للشبهة، لأن الأصل بقاء الليل، والجناية قاصرة، وهي جناية عدم التثبت، لا جناية الإفطار، لأنه لم يقصده، ولهذا صرحوا بعدم الإثم عليه.

      وإذا لم يتبين له شيء، ذهب الحنفية: إلى عدم وجوب القضاء عليه، وقيل: يقضي احتياطاً.

      وكذلك الحكم إذا أفطر بظن الغروب، والحال أن الشمس لم تغرب، عليه القضاء ولا كفارة عليه، لأن الأصل بقاء النهار.

      قال المالكية: من شك في طلوع الفجر، حرم عليه الأكل، وقيل: يكره ... فإن أكل فعليه القضاء وجوباً -على المشهور-، وإن شك في الغروب، لم يأكل اتفاقاً، فإن أكل فعليه القضاء.

      وقيل عند الشافعية: لا يفطر في صورتي الشك في الغروب والفجر، وقيل: يفطر في الأولى، دون الثانية.

      ومن ظن أو اشتبه في الفطر، كمن أكل ناسياً فظن أنه أفطر، فأكل عامداً، فإنه لا تجب عليه الكفارة، لقيام الشبهة الشرعية.

      والقضاء في كلا الصورتين عند الحنفية.

      أما لو فعل ما لا يظن به الفطر، كالفصد والحجامة والاكتحال واللمس والتقبيل بشهوة ونحو ذلك، فظن أنه أفطر بذلك، فأكل عمداً، فإنه يقضى في تلك الصور ويكفر لأنه ظن في غير محله.

      فلو كان ظنه في محله فلا كفارة، كما لو أفتاه مفت -يعتمد على قوله ويؤخذ بفتواه في البلد- بالإفطار في الحجامة فأكل عامداً، بعدما احتجم لا يكفر.

      والمالكية قسموا الظن في الفطر إلى قسمين:

      أ- تأويل قريب، وهو الذي يستند فيه المفطر إلى أمر موجود، يعذر به شرعاً، فلا كفارة عليه، كما في هذه الصور:

      - لو أفطر ناسياً، فظن لفساد صومه إباحة الفطر، فأفطر ثانياً عامداً، فلا كفارة عليه.

      - أو لزمه الغسل ليلاً لجنابة أو حيض، ولم يغتسل إلا بعد الفجر، فظن الإباحة، فأفطر عمداً.

      - أو تسحر قرب الفجر، فظن بطلان صومه، فأفطر.

      - أو قدم المسافر ليلاً، فظن أنه لا يلزمه صوم صبيحة قدومه، فأفطر مستنداً إلى هذا التأويل، لا تلزمه الكفارة.

      - أو أفطر لحجامة فعلها بغيره، أو فعلت به، فظن الإباحة، فإنه لا يكفر. لاستناده لموجود، وهو قول عليه الصلاة والسلام: "أفطر الحاجم والمحجوم". رواه أبو داود.

      - أو سافر دون مسافة القصر، فظن إباحة الفطر فبيت الفطر، فلا كفارة عليه.

      - أو رأى هلال شوال نهاراً، يوم ثلاثين من رمضان، فاعتقد أنه يوم عيد، فأفطر.

      فهؤلاء إذا ظنوا إباحة الفطر فأفطروا، فعليهم القضاء، ولا كفارة عليهم، وإن علموا الحرمة، أوشكوا فيها فعليهم الكفارة.

      ب- تأويل بعيد، وهو المستند فيه إلى أمر معدوم، أو موجود لكنه لم يعذر به شرعاً، فلا ينفعه.

      - فمن رأى هلال رمضان، فشهد عند حاكم، فَرُدَّ ولم يقبل لمانع، فظن إباحة الفطر، فأفطر، فعلية الكفارة لبعد تأويله.

      - أو بيَّت الفطر وأصبح مفطراً، في يومٍ لحمَّى تأتيه فيه عادة، ثم حُمَّ في ذلك اليوم، وأولى إن لم يحمّ.

      - أو بيتت الفطر امرأة لحيض اعتادته في يومها، ثم حصل الحيض بعد فطرها، واولى إن لم يحصل.

      - أو اغتاب شخصاً في نهار رمضان، فظن إباحة الفطر فأفطر، فعليه الكفارة.

      ونص الشافعية على أن من جامع عامداً، بعد الأكل ناسياً، وظن أنه أفطر به، لا كفارة عليه، وإن كان الأصح بطلان صومه بالجماع، لأنه جامع وهو يعتقد أنه غير صائم، فلم يأثم به، لذلك قيل: لا يبطل صومه، وبطلانه مقيس على من ظن الليل وقت الجماع، فبان خلافه.

      وأما لو قال: علمت تحريمه، وجهلت وجوب الكفارة، لزمته الكفارة بلا خلاف.

      ونص الحنابلة على أنه لو جامع في يوم رأى الهلال في ليلته، وردت شهادته لفسقه أو غيره، فعليه القضاء والكفارة، لأنه أفطر يوماً من رمضان بجماع، فلزمته كما لو قبلت شهادته.

      وإذا لم يعلم برؤية الهلال إلا بعد طلوع الفجر، أو نسي النية، أو أكل عامداً، ثم جامع تجب عليه الكفارة، لهتكه حرمة الزمن به، ولأنها تجب على المستديم للوطء، ولا صوم هناك، فكذا هنا.

      الثاني: الجهل:

      ب- الجهل: عدم العلم بما من شأنه أن يعلم.

      ذهب الجمهور من الحنفية والشافعية، هو مشهور مذهب المالكية، على إعذار حديث العهد بالإسلام، إذا جهل الصوم في رمضان.

      قال الحنفية: يعذر من أسلم بدار الحرب فلم يصم، ولم يصل، ولم يزك بجهله بالشرائع، مدة جهله، لأن الخطاب إنما يلزم بالعلم به أو بدليله، ولم يوجد، إذ لا دليل عنده على فرض الصلاة والصوم.

      وقال الشافعية: لو جهل تحريم الطعام أو الوطء، بأن كان قريب عهد بالإسلام، أو نشأ بعيداً عن العلماء، لم يفطر، كما لو غلب عليه القيء.

      والمعتمد عند المالكية: أن الجاهل بأحكام الصيام لا كفارة عليه، وليس هو كالعامد.

      والجاهل عندهم على ثلاثة أقسام: فجاهل حرمة الوطء، وجاهل رمضان، لا كفارة عليهما، وجاهل وجوب الكفارة -مع علمه بحرمة الفعل- تلزمه الكفارة.

      وذهب الحنابلة إلى وجوب الكفارة، وصرحوا بالتسوية بين العامد والجاهل والمكره والساهي والمخطئ.

      خامساً: عوارض الإفطار:

      المراد بالعوارض: ما يبيح عدم الصوم.

      وهي: المرض، والسفر، والحمل، والرضاع، والهرم، وإرهاق الجوع والعطش، والإكراه.

      أولاً: المرض:

      المرض هو: كل ما خرج به الإنسان عن حد الصحة من علة.

      أجمع أهل العلم على إباحة الفطر للمريض في الجملة والأصل فيه قول الله تعالى: {وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} [البقرة: 185].

      وعن سلمة بن الأكوع رضى الله تعالى عنه قال: "لما نزلت هذه الآية:

{وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين} كان من أراد أن يفطر، يفطر ويفتدى، حتى أنزلت الآية التي بعدها يعني قوله تعالى: {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} [البقرة: 185] فنسختها رواه البخاري.

      فالمريض الذي يخاف زيادة مرضه بالصوم أو إبطاء البرء أو فساد عضو، له أن يفطر، بل يسن فطره، ويكره إتمامه، لأنه قد يفضي إلى الهلاك، فيجب الاحتراز عنه.

      ثم إن شدة المرض تجيز الفطر للمريض. أما الصحيح إذا خاف الشدة أو التعب، فإنه لا يجوز له الفطر، إذا حصل له بالصوم مجرد شدة تعب.

      وقال الحنفية: إذا خاف الصحيح المرض بغلبة الظن فله الفطر، فإن خافه بمجرد الوهم، فليس له الفطر.

      وقال المالكية: إذا خاف حصول أصل المرض بصومه، فإنه لا يجوز له الفطر -على المشهور- إذ لعلَّه لا ينزل به المرض إذا صام.

      فإن خاف كل من المريض والصحيح الهلاك على نفسه بصومه، وجب الفطر. وكذا لو خاف أذى شديداً، كتعطيل منفعة، من سمع أو بصر أو غيرهما، لأن حفظ النفس والمنافع واجب، وهذا بخلاف الجهد الشديد، فإنه يبيح الفطر للمريض.

      وقال الشافعية: إن المريض -وإن تعدى بفعل ما أمرضه- يباح له ترك الصوم، إذا وجد به ضرراً شديداً، لكنهم شرطوا لجواز فطره نية الترخص.

      وفرّقوا بين المرض المطبق، وبين المرض المتقطع: فإن كان المرض مطبقاً، فله ترك النية في الليل.

      وإن كان يحم وينقطع، نظر: فإن كان محموماً وقت الشروع في الصوم، فله ترك النية، وإلا فعليه أن ينوي من الليل، فإن احتاج إلى الإفطار أفطر.

      ومثل ذلك الحصَّاد والبنَّاء والحارس -ولو متبرعاً- فتجب عليهم النية ليلاً، ثم إن لحقتهم مشقة أفطروا.

      ولا يشترط أن ينتهي إلى حالة لا يمكنه فيها الصوم.

      وشرط إباحة الفطر أن يلحقه بالصوم مشقة يشق احتمالها، وأما المرض اليسير الذي لا يلحق به مشقة ظاهرة فلم يجز له الفطر.

      وقال الحنابلة: المعتبر خوف الضرر، أما خوف التلف بسبب الصوم فإنه يجعل الصوم مكروهاً، وجزم جماعة بحرمته، ولا خلاف في الإجزاء، لصدوره من أهله في محله، كما لو أتم المسافر.

      قالوا: ولو تحمل المريض الضرر، وصام معه، فقد فعل مكروهاً، لما يتضمنه من الإضرار بنفسه، وتركه تخفيفاً من الله وقبول رخصته، لكن يصح صومه ويجزئه، لأنه عزيمة أبيح تركها رخصة، فإذا تحمله أجزأه، لصدوره من أهله في محله، كما أتم المسافر، وكالمريض الذي يباح له ترك الجمعة، إذا حضرها.

      وقال المالكية للمريض أحوال:

      الأولى: أن لا يقدر على الصوم أو يخاف الهلاك من المرض أو الضعف إن صام، فالفطر عليه واجب.

      الثانية: أن يقدر على الصوم بمشقة، فالفطر له جائز.

      الثالثة: أن يقدر بمشقة، ويخاف زيادة المرض، ففي وجوب فطره قولان.

      الرابعة: أن لا يشق عليه، ولا يخاف زيادة المرض، فلا يفطر.

      وقال الشافعية على أنه إذا أصبح الصحيح صائماً، ثم مرض، جاز له الفطر بلا خلاف، لأنه أبيح له الفطر للضرورة، والضرورة موجودة، فجاز له الفطر.

      ثانياً: السفر:

      يشترط في السفر المرخص في الفطر ما يلي:

      أ- أن يكون السفر طويلاً مما تقصر فيه الصلاة.

      ب- أن لا يعزم المسافر الإقامة خلال سفره مدة أربعة أيام بلياليها عند المالكية والشافعية، وأكثر من أربعة أيام عند الحنابلة، وهي نصف شهر أو خمسة عشر يوماً عند الحنفية.

      ج- أن لا يكون سفره في معصية، بل في غرض صحيح عند الجمهور، وذلك: لأن الفطر رخصة وتخفيف، فلا يستحقها عاص بسفره، بأن كان مبنى سفره على المعصية، كما لو سافر لقطع طريق مثلاً.

      والحنفية يجيزون الفطر للمسافر، ولو كان عاصياً بسفره، عملاً بإطلاق النصوص المرخصة، ولأن نفس السفر ليس بمعصية، وإنما المعصية ما يكون بعده أو يجاوره، والرخصة تتعلق بالسفر لا بالمعصية.

      د- أن يجاوز المدينة وما يتصل بها، والبناءات والأفنية والأخبية.

      وذهب أصحاب المذاهب الأربعة، إلى أن من أدرك هلال رمضان وهو مقيم، ثم سافر، جاز له الفطر، لأن الله تعالى جعل مطلق السفر سبب الرخصة، بقوله:

{وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} [البقرة: 185]، ولما ثبت من "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج في غزوة الفتح في رمضان مسافراً، وأفطر" رواه البخاري.

      ولأن السفر إنما كان سبب الرخصة لمكان المشقة.

      وفي وقت جواز الفطر للمسافر ثلاث أحوال:

      الأولى: أن يبدأ السفر قبل الفجر، أو يطلع الفجر وهو مسافر، وينوي الفطر، فيجوز له الفطر إجماعاً، لأنه متصف بالسفر، عند وجود سبب الوجوب.

      الثانية: أن يبدأ السفر بعد الفجر، بأن يطلع الفجر وهو مقيم ببلده، ثم يسافر بعد طلوع الفجر، أو خلال النهار، فإنه لا يحل له الفطر بإنشاء السفر بعدما أصبح صائماً، ويجب عليه إتمام ذلك اليوم، وهذا مذهب الحنفية والمالكية، وهو الصحيح من مذهب الشافعية. وذلك تغليباً لحكم الحضر.

      ومع ذلك لا كفارة عليه في إفطاره عند الحنفية، وفي المشهور من مذهب المالكية، وذلك للشبهة في آخر الوقت. ولأنه لما سافر بعد الفجر صار من أهل الفطر، فسقطت عنه الكفارة.

      والصحيح عند الشافعية أنه يحرم عليه الفطر حتى لو أفطر بالجماع لزمته الكفارة.

      والمذهب عند الحنابلة وهو أصح الروايتين عن أحمد، أن من نوى الصوم في الحضر، ثم سافر في أثناء اليوم، طوعاً أو كرهاً، فله الفطر بعد خروجه ومفارقته بيوت قريته العامرة، وخروجه من بين بنيانها، واستدلوا بما يلي:

      - ظاهر قوله تعالى: {وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} [البقرة: 185].

      - وحديث جابر -رضي الله تعالى عنه- "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج إلى مكة عام الفتح فصام حتى بلغ كراع الغميم، وصام الناس معه، فقيل له: إن الناس قد شق عليهم الصيام، وإن الناس ينظرون فيما فعلت، فدعا بقدح من ماء بعد العصر، فشرب -والناس ينظرون إليه- فأفطر بعضهم، وصام بعضهم، فبلغه أن ناساً صاموا، فقالوا: أولئك العصاة" رواه الترمذي.

      - وحديث ابن عباس رضي الله تعالى عنهما قال: "خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم عام الفتح إلى مكة، في شهر رمضان، فصام حتى مر بغدير في الطريق، وذلك في نحر الظهيرة. قال: فعطش الناس، وجعلوا يمدون أعناقهم، وتتوق أنفسهم إليه. قال: فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم بقدح فيه ماء، فأمسكه على يده، حتى رآه الناس، ثم شرب، فشرب الناس" رواه أحمد.

      - وقالوا: إن السفر مبيح للفطر، فإباحته في أثناء النهار كالمرض الطاريء ولو كان بفعله.

      وقد نص الحنابلة، المؤيدون لهذا الرأي على أن الأفضل لمن سافر في أثناء يوم نوى صومه إتمام صوم ذلك اليوم، خروجاً من خلاف من لم يبح له الفطر، وهو قول أكثر العلماء، تغليباً لحكم الحضر، كالصلاة.

      الثالثة: أن يفطر قبل مغادرة بلده.

      وقد منع من ذلك الفقهاء، وقالوا: إن رخصة السفر لا تتحقق بدونه، كما لا تبقى بدونه، ولما يتحقق السفر بعد، بل هو مقيم وشاهد، وقد قال تعالى: {فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ} [البقرة: 185] ولا يوصف بكونه مسافراً حتى يخرج من البلد، ومهما كان في البلد فله أحكام الحاضرين، ولذلك لا يقصر الصلاة.

      ويتصل بهذه المسائل في إفطار المسافر:

      ما لو نوى في سفره الصوم ليلاً، وأصبح صائماً، من غير أن ينقض عزيمته قبل الفجر، لا يحل فطره في ذلك اليوم عند الحنفية والمالكية، وهو وجه محتمل عند الشافعية، ولو أفطر لا كفارة عليه للشبهة.

      وقال الحنفية: وكذا لا كفارة عليه بالأولى، لو نوى نهاراً.

      وقال المالكية: من كان في سفر، فأصبح على نية الصوم، لم يجز له الفطر إلا بعذر، كالتغذي للقاء العدو، وعلى المشهور: إن أفطر، ففي وجوب الكفارة ثلاثة أقوال: يفرق في الثالث بين أن يفطر بجماع فتجب، أو بغيره فلا تجب.

      وقال الحنابلة: لو أصبح صائماً في السفر، ثم أراد الفطر، جاز من غير عذر، لأن العذر قائم -وهو السفر- أو لدوام العذر.

      وزاد الحنابلة أن له الفطر بما شاء، من جماع وغيره، كأكل وشرب، لأن من أبيح له الأكل أبيح له الجماع، كمن لم ينو، ولا كفارة عليه بالوطء، لحصول الفطر بالنية قبل الجماع، فيقع الجماع بعده.

      صحة الصوم في السفر:

      ذهب الأئمة الأربعة، إلى أن الصوم في السفر جائز صحيح منعقد، وإذا صام وقع صيامه وأجزأه.

      والأئمة الأربعة، الذين ذهبوا إلى صحة الصوم في السفر، اختلفوا بعد ذلك في أيهما أفضل، الصوم أم الفطر، أو هما متساويان؟

      فمذهب الحنفية والمالكية والشافعية، وهو وجه عند الحنابلة: أن الصوم أفضل، إذا لم يجهده الصوم ولم يضعفه.

      وصرح الحنفية والشافعية بأنه مندوب.

      ومذهب الحنابلة: أن الفطر في السفر أفضل، وهذا هو المذهب. قالوا : والمسافر سفر قصر يسن له الفطر.

      ويكره صومه، ولو لم يجد مشقة. وعليه الأصحاب، ونص عليه، سواء وجد مشقة أو لا.

      واستدل هؤلاء بحديث جابر -رضي الله تعالى عنه-: "ليس من البر الصوم في السفر" رواه البخاري وزاد في رواية: "عليكم برخصة الله الذي رخص لكم فاقبلوها" رواه مسلم.

      انقطاع رخصة السفر:

      تسقط رخصة السفر بأمرين اتفاقاً:

      الأول: إذا عاد المسافر إلى بلده، ودخل وطنه، وهو محل إقامته، ولو كان دخوله بشيء نسيه، يجب عليه الصوم، كما لو قدم ليلاً، أو قدم قبل نصف النهار عند الحنفية.

      أما لو قدم نهاراً، ولم ينو الصوم ليلاً، أو قدم بعد نصف النهار -عند الحنفية، ولم يكن نوى الصوم قبلاً- فإنه يمسك بقية النهار، على خلاف وتفصيل في وجوب إمساكه.

      الثاني: إذا نوى المسافر الإقامة مطلقاً، أو مدة الإقامة التي تقدمت في شروط جواز فطر المسافر في مكان واحد، وكان المكان صالحاً للإقامة، لا كالسفينة والمفازة ودار الحرب، فإنه يصير مقيماً بذلك، فيتم الصلاة، ويصوم ولا يفطر في رمضان، لانقطاع حكم السفر.

      وصرحوا بأنه يحرم عليه الفطر -على الصحيح- لزوال العذر، وفي قول يجوز له الفطر، اعتباراً بأول اليوم.

      وقال المالكية: إن السفر لا يبيح قصراً ولا فطراً إلا بالنية والفعل، بخلاف الإقامة، فإنها توجب الصوم والإتمام بالنية دون الفعل.

      وإذا لم ينو الإقامة لكنه أقام لقضاء حاجة له، بلا نية إقامة، ولا يدري متى تنقضي أو كان يتوقع انقضاءها في كل وقت، فإنه يجوز له أن يفطر، كما يقصر الصلاة.

      قال الحنفية: ولو بقى على ذلك سنين.

      فإن ظن أنها لا تنقضي إلا فوق أربعة أيام عند الجمهور، أو خمسة عشر يوماً عند الحنفية، فإنه يعتبر مقيماً، فلا يفطر ولا يقصر، إلا إذا كان الفرض قتالاً، أو دخل المسلمون أرض الحرب أو حاصروا حصناً فيها، أو كانت المحاصرة للمصر على سطح البحر، فإن لسطح البحر حكم دار الحرب.

      ودليل هذا " أنه -صلى الله عليه وسلم- أقام بتبوك عشرين يوماً يقصر الصلاة" رواه أبو داود.

      ويلاحظ أن الفطر كالقصر الذي نصوا عليه في صلاة المسافر، من حيث الترخص، فإن المسافر له سائر رخص السفر.

      ثالثاً: الحمل والرضاع:

      اتفق الفقهاء على أن الحامل والمرضع لهما أن تفطرا في رمضان، بشرط أن تخافا على أنفسهما أو على ولدهما المرض أو زيادته، أو الضرر أو الهلاك، فالولد من الحامل بمنزلة عضو منها، فالإشفاق عليه من ذلك كالإشفاق منه على بعض أعضائها.

      لحديث أنس بن مالك الكعبي رضي الله تعالى عنه أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "إن الله وضع عن المسافر الصوم وشطر الصلاة، وعن الحامل أو المرضع الصوم أو الصيام" رواه الترمذي.

      رابعاً: الشيخوخة والهرم:

      وتشمل الشيخوخة والهرم ما يلي:

      - الشيخ الفاني، وهو الذي فنيت قوته، أو أشرف على الفناء، وأصبح كل يوم في نقص إلى أن يموت.

      - المريض الذي لا يرجى برؤه، وتحقق اليأس من صحته.

      - العجوز، وهي المرأة المسنة.

      وقيد الحنفية عجز الشيخوخة والهرم، بأن يكون مستمراً، فلو لم يقدرا على الصوم لشدة الحر مثلاً، كان لهما أن يفطرا، ويقضياه في الشتاء.

      ولا خلاف بين الفقهاء في أنه لا يلزمهما الصوم، ونقل الإجماع عليه، وأن لهما أن يفطرا، إذا كان الصوم يجهدهما ويشق عليهما مشقة شديدة.

      خامساً: إرهاق الجوع والعطش:

      من أرهقه جوع مفرط، أو عطش شديد، فإنه يفطر ويقضي. وقيده الحنفية بأمرين:

      الأول: أن يخاف على نفسه الهلاك، بغلبة الظن، لا بمجرد الوهم، أو يخاف نقصان العقل، أو ذهاب بعض الحواس، كالحامل والمرضع إذا خافتا على أنفسهما الهلاك أو على أولادهما.

      الثاني: أن لا يكون ذلك بإتعاب نفسه، إذ لو كان به تلزمه الكفارة، وقيل: لا.

      وقال المالكية: فإن خاف على نفسه حرم عليه الصيام، وذلك لأن حفظ النفس والمنافع واجب.

      وقال الشافعية: ومثل المرض غلبة جوع وعطش، لا نحو صداع، ووجع أذن وسن خفيفة.

      ومثلوا له بأرباب المهن الشاقة، لكن قالوا: عليه أن ينوي الصيام ليلا، ثم إن احتاج إلى الإفطار، ولحقته مشقة، أفطر.

      قال الحنفية: المحترف المحتاج إلى نفقته كالخبَّاز والحصَّاد، إذا علم أنه لو اشتغل بحرفته يلحقه ضرر مبيح للفطر، يحرم عليه الفطر قبل أن تلحقه مشقة.

      وقال الحنابلة: من صنعته شاقة، فإن خاف بالصوم تلفاً، أفطر وقضى، إنْ ضرَّه ترك الصنعة، فإن لم يضره تركها أثم بالفطر وبتركها، وإن لم ينتف الضرر بتركها، فلا إثم عليه بالفطر للعذر.

      وألحقوا بإرهاق الجوع والعطش خوف الضعف عن لقاء العدو المتوقع أو المتيقن كأن كان محيطاً : فالغازي إذا كان يعلم يقيناً أو بغلبة الظن القتال بسبب وجوده بمقابلة العدو، ويخاف الضعف عن القتال بالصوم، وليس مسافراً، له الفطر قبل الحرب.

      قال الحنفية: فإن لم يتفق القتال فلا كفارة عليه، لأن في القتال يحتاج إلى تقديم الإفطار، ليتقوى ولا كذلك المرض.

      ولا خلاف بين الفقهاء، في أن المرهق ومن في حكمه، يفطر، ويقضي-كما ذكرنا-وإنما الخلاف بينهم فيما إذا أفطر المرهق، فهل يمسك بقية يومه، أم يجوز له الأكل؟

سادساً: الإكراه:

      الإكراه: حمل إنسان غيره، على فعل أو ترك مالا يرضاه بالوعيد.

      ومذهب الحنفية والمالكية: أن من أكره على الفطر فأفطر قضى.

      قالوا: إذا أكره الصائم بالقتل على الفطر، بتناول الطعام في شهر رمضان، وهو صحيح مقيم، فمرخص له به، والصوم أفضل، حتى لو امتنع من الإفطار حتى قتل، يثاب عليه، لأن الوجوب ثابت حالة الإكراه، وأثر الرخصة في الإكراه هو سقوط المأثم بالترك، لا في سقوط الوجوب، بل بقي الوجوب ثابتاً، والترك حراماً، وإذا كان الوجوب ثابتاً، والترك حراماً، كان حق الله تعالى قائماً، فهو بالامتناع بذل نفسه لإقامه حق الله تعالى، طلباً لمرضاته، فكان مجاهداً في دينه، فيثاب عليه.

      وأما إذا كان المكرَهُ مريضاً أو مسافراً، فالإكراه-حينئذٍ مبيح مطلق، في حق كل منهما، بل موجب، والأفضل هو الإفطار، بل يجب عليه ذلك، ولا يسعه أن لا يفطر، حتى لو امتنع من ذلك، فقتل، يأثم.

      ووجه الفرق: أن في الصحيح المقيم كان الوجوب ثابتاً قبل الإكراه من غير رخصة الترك أصلاً، فإذا جاء الإكراه -وهو سبب من أسباب الرخصة- كان أثره في إثبات رخصة الترك، لا في إسقاط الوجوب.

      وأما في المريض والمسافر، فالوجوب مع رخصة الترك، كان ثابتاً قبل الإكراه، فلا بد أن يكون للإكراه أثر آخر لم يكن ثابتاً قبله، وليس ذلك إلا إسقاط الوجوب رأساً، وإثبات الإباحة المطلقة، فنزل منزلة الإكراه على أكل الميتة، وهناك يباح له الأكل، بل يجب عليه، فكذا هنا.

      وفرق الشافعية بين الإكراه على الأكل أو الشرب، وبين الإكراه على الوطء:

      فقالوا في الإكراه على الأكل: لو أكره حتى أكل أو شرب لم يفطر، كما لو أوجر في حلقه مكرها، لأن الحكم الذي ينبني على اختياره ساقط لعدم وجود الاختيار.

      أما لو أكره على الوطء زنى، فإنه لا يباح بالإكراه، فيفطر به، بخلاف وطء زوجته.

      ومذهب الحنابلة: فلو أكره على الفعل، أو فعل به ما أكره عليه، بأن صب في حلقه، مكرهاً أو نائماً، كما لو أوجر المغمى عليه معالجة، لا يفطر، ولا يجب عليه القضاء، لحديث:"وما استكرهوا عليه".

      18- ما يفسد الصوم ويوجب القضاء والكفارة:

      أولاً: الجماع عمداً:

      ذهب جمهور الفقهاء إلى أن جماع الصائم في نهار رمضان عامداً مختاراً بأن يلتقي الختانان وتغيب الحشفة في أحد السبيلين مفطر يوجب القضاء والكفارة، أنزل أو لم ينزل.

      وفي قول ثان للشافعية لا يجب القضاء، لأن الخلل انجبر بالكفارة.

      وفي قول ثالث للشافعية: إن كفر بالصوم دخل فيه القضاء، وإلا فلا يدخل فيجب القضاء.

      وذهب الحنابلة: إلى أنه إذا جامع في نهار رمضان -بلا عذر- آدمياً أو غيره حياً أو ميتاً أنزل أم لا فعليه القضاء والكفارة، عامداً كان أو ساهياً، أو جاهلاً أو مخطئاً، مختاراً أو مكرهاً، وهذا لحديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال: "بينما نحن جلوس عند النبي صلى الله عليه وسلم إذ جاءه رجل، فقال: يا رسول الله، هلكت قال: مالك؟ قال: وقعت على امرأتي وأنا صائم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم هل تجد رقبة تعتقها؟ قال: لا. قال: فهل تستطيع أن تصوم شهرين متتابعين؟ قال: لا. قال: فهل تجد إطعامَ ستين مسكيناً؟ قال: لا. قال: فمكث النبي صلى الله عليه وسلم فبينا نحن على ذلك، أتى النبي صلى الله عليه وسلم بعرقٍ فيها تمر، قال: أين السائل؟ فقال: أنا قال: خذ هذا فتصدق به، فقال الرجل: على أفقر مني يا رسول الله، فواللهِ ما بين لابيتها -يريد الحرتين- أهل بيت أفقر من أهل بيتي فضحك النبي صلى الله عليه وسلم حتى بدت أنيابه، ثم قال: أطعمه أهلك" رواه البخاري.

      ولا خلاف في فساد صوم المرأة بالجماع لأنه نوع من المفطرات، فاستوى فيه الرجل والمرأة. وإنما الخلاف في وجوب الكفارة عليها:

      فمذهب أبي حنيفة ومالك ورواية عن أحمد وهي المذهب عند الحنابلة، وجوب الكفارة عليها أيضاً، لأنها هتكت صوم رمضان بالجماع فوجبت عليها كالرجل.

      وعلل الحنفية وجوبها عليها، بأن السبب في ذلك هو جناية الإفساد، لا نفس الوقاع، وقد شاركته فيها، وقد استويا في الجناية، والبيان في حق الرجل بيان في حق المرأة، فقد وجد فساد صوم رمضان بإفطار كامل حرامٍ محض متعمد، فتجب الكفارة عليها بدلالة النص، ولا يتحمل الرجل عنها، لأن الكفارة عبادة أو عقوبة، ولا يجري فيها التحمل.

      وقال الشافعية: أنه لا كفارة عليها، لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر الواطئ في رمضان أن يعتق رقبة، ولم يأمر المرأة بشيء، مع علمه بوجود ذلك منها. ولأن الجماع فعله، وإنما هي محل الفعل.

      وقال الحنابلة: إن أكرهت المرأة على الجماع في نهار رمضان حتى مكنت الرجل منها لزمتها الكفارة، وإن غصبت أو أتيت نائمة فلا كفارة عليها.

      ثانياً: الأكل والشرب عمداً:

      مما يوجب القضاء والكفارة، عند الحنفية والمالكية: الأكل والشرب.

      فإذا أكل الصائم، في أداء رمضان أو شرب غذاء أو دواء، طائعاً عامداً، بغير خطأ ولا إكراه ولا نسيان، أفطر وعليه الكفارة.

      وضابطه عند الحنفية: وصول ما فيه صلاح بدنه لجوفه، بأن يكون مما يؤكل عادة على قصد التغذي أو التداوي أو التلذذ، أو مما يميل إليه الطبع، وتنقضي به شهوة البطن، وإن لم يكن فيه صلاح البدن، بل ضرره.

      وشرط الحنفية أيضاً لوجوب الكفارة: أن ينوي الصوم ليلاً، وأن لا يكون مكرهاً، وأن لا يطرأ عذر شرعي لا صنع له فيه، كمرض وحيض.

      وشرط المالكية: أن يكون إفساد صوم رمضان خاصة، عمداً قصداً لانتهاك حرمة الصوم، من غير سبب مبيح للفطر.

      وتجب الكفارة في شرب الدخان عند -الحنفية والمالكية- فإنه ربما أضر البدن، لكن تميل إليه بعض الطباع، وتنقضي به شهوة البطن، يضاف إلى ذلك أنه مفتر وحرام، لحديث أم سلمة -رضي الله تعالى عنها- قالت: "نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن كل مسكر ومفتر".

      ودليل وجوب الكفارة على من أكل أو شرب عمداً، ما ورد في الصحيح عن أبي هريرة -رضي الله تعالى عنه-: "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر رجلاً أفطر في رمضان، أن يعتق رقبة أو يصوم شهرين متتابعين، أو يطعم ستين مسكيناً" فإنه علق الكفارة بالإفطار، وهي وإن كانت واقعة حال لا عموم لها، لكنها علقت بالإفطار لا باعتبار خصوص الإفطار ولفظ الراوي عام.

      ومذهب الشافعية والحنابلة عدم وجوب الكفارة على من أكل أو شرب عمداً في نهار رمضان أداء، وذلك لأن النص -وهو حديث الأعرابي الذي وقع على امرأته في رمضان- ورد في الجماع، وما عداه ليس في معناه. ولأنه لا نص في إيجاب الكفارة بهذا، ولا إجماع.

      ولا يصح قياسه على الجماع، لأن الحاجة إلى الزجر عنه أمسّ، والحكمة في التعدي به آكد، ولهذا يجب به الحد إذا كان محرماً.

      ثالثاً: رفع النية:

      ومما يوجب الكفارة عند المالكية، ما لو تعمد رفع النية نهاراً، كأن يقول -وهو صائم: رفعت نية صومي، أو يقول رفعت نيتي.

      وأولى من ذلك، رفع النية في الليل، كأن يكون غير ناوٍ للصوم، لأنه رفعها في محلها فلم تقع النية في محلها.

      وكذلك تجب الكفارة عند المالكية بالإصباح بنية الفطر، ولو نوى الصيام بعده.

      أما إن علق الفطر على شيء، كأن يقول : إن وجدت طعاماً أكلت فلم يجده، أو وجده ولم يفطر فلا قضاء عليه.

      أما عند الحنابلة: فإنه يجب القضاء بترك النية دون الكفارة.

      وعند الحنفية، وعند الشافعية: لا يجب القضاء.

 

 

 

19- ما لا يفسد الصوم:

      أولاً: الأكل والشرب في حال النسيان:

      ذهب الحنفية والشافعية والحنابلة إلى أن الأكل والشرب في حال النسيان لا يفسد الصوم فرضاً أو نفلاً، خلافاً للمالكية.

      ثانياً: الجماع في حال النسيان:

      ذهب الحنفية والشافعية أن الجماع في حال النسيان لا يفطر قياساً على الأكل والشرب ناسياً.

      وذهب المالكية وهو ظاهر مذهب الحنابلة إلى أن من جامع ناسياً فسد صومه، وعليه القضاء فقط عند المالكية، والقضاء والكفارة عند الحنابلة.

      ثالثاً: دخول الغبار ونحوه حلق الصائم:

      إذا دخل حلق الصائم غبار أو ذباب أو دخان بنفسه، بلا صنعه، ولو كان الصائم ذاكراً لصومه، لم يفطر إجماعاً، لعدم قدرته على الامتناع عنه، ولا يمكن الاحتراز منه.

      وكذلك إذا دخل الدمع حلقه وكان قليلاً نحو القطرة أو القطرتين فإنه لا يفسد صومه، لأن التحرز منه غير ممكن، وإن كان كثيراً حتى وجد ملوحته في جميع فمه وابتلعه فسد صومه.

      رابعاً: الادّهان:

      ذهب الجمهور إلى أنه لو دهن الصائم رأسه، أو شاربه لا يضره ذلك، وكذا لو اختضب بحنّاء، فوجد الطعم في حلقه لم يفسد صومه، ولا يجب عليه القضاء، إذ لا عبرة بما يكون من المسام،، وقال المالكية بوجوب القضاء.

      خامساً: الاحتلام:

      إذا نام الصائم فاحتلم لا يفسد صومه، بل يتمه إجماعاً، إذا لم يفعل شيئاً يحرم عليه ويجب عليه الاغتسال.

      وفي الحديث عن أبي سعيد -رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ثلاث لا يفطرن الصائم: الحجامة والقيء والاحتلام" رواه الترمذي.

      ومن أجنب ليلاً، ثم أصبح صائماً، فصومه صحيح، ولا قضاء عليه عند الجمهور.

      وقال الحنفية: وإن بقي جنباً كل اليوم، وذلك: لحديث عائشة وأم سلمة -رضي الله تعالى عنهما- قالتا: "نشهد على رسول الله صلى الله عليه وسلم إن كان ليصبح جنباً، من غير احتلام ثم يغتسل، ثم يصوم" رواه البخاري.

      وعن أبي هريرة -رضي الله تعالى عنه- أنه صلى الله عليه وسلم قال: "من أصبح جنباً فلا صوم له" رواه البخاري ومسلم، وحمل على النسخ أو الإرشاد إلى الأفضل، وهو: أنه يستحب أن يغتسل قبل الفجر، ليكون على طهارة من أول الصوم.

      سادساً: البلل في الفم:

      مما لا يفسد الصوم البلل الذي يبقى في الفم بعد المضمضة، إذا ابتلعه الصائم مع الريق، بشرط أن يبصق بعد مج الماء، لاختلاط الماء بالبصاق، فلا يخرج بمجرد المج، ولا تشترط المبالغة في البصق، لأن الباقي بعده مجرد بلل ورطوبة، لا يمكن التحرز عنه.

      سابعاً: ابتلاع ما بين الأسنان:

      ذهب الحنفية إلى أنَّ ابتلاع ما بين الأسنان، إذا كان قليلاً، لا يفسد ولا يفطر، لأنه تبع لريقه، ولأنه لا يمكن الاحتراز عنه، بخلاف الكثير فإنه لا يبقى بين الأسنان، والاحتراز عنه ممكن وهذا عند الحنفية.

      والقليل: هو ما دون الحمصة، ولو كان قدرَها أفطر.

      وذهب الشافعية إلى فساد الصوم مطلقاً، بابتلاع القليل والكثير، لأن الفم له حكم الظاهر.

      وللشافعية قول آخر بعدم الإفطار به مطلقاً.

      وشرط الشافعية والحنابلة، لعدم الإفطار بابتلاع ما بين الأسنان شرطين:

      أولهما: أن لا يقصد ابتلاعه.

      والآخر: أن يعجز عن تمييزه ومجه، لأنه معذور فيه غير مفرط، فإن قدر عليهما أفطر، ولو كان دون الحمصة، لأنه لا مشقة في لفظه، والتحرز عنه ممكن.

      ومذهب المالكية: عدم الإفطار بما سبق إلى جوفه من بين أسنانه، ولو عمداً، لأنه أخذه في وقت يجوز له أخذه فيه.

      ثامناً: دم اللثة والبصاق:

      ذهب الحنفية إلى أنه لو دميت لثته، فدخل ريقه حلقه مخلوطاً بالدم، ولم يصل إلى جوفه، لا يفطر وإن كان الدم غالباً على الريق، لأنه لا يمكن الاحتراز منه، فصار بمنزلة ما بين أسنانه أو ما يبقى من أثر المضمضة، أما لو وصل إلى جوفه، فإن غلب الدم فسد صومه، وعليه القضاء ولا كفارة، وإن غلب البصاق فلا شيء عليه، وكذا إن تساويا.

      ولو خرج البصاق على شفتيه ثم ابتلعه، فسد صومه، ولو ترطبت شفتاه ببزاقه، عند الكلام ونحوه، فابتلعه، لا يفسد صومه.

      ومذهب الشافعية والحنابلة: الإفطار بابتلاع الريق المختلط بالدم، لتغير الريق، والدم نجس لا يجوز ابتلاعه وإذا لم يتحقق أنه بلع شيئاً نجساً لا يفطر، إذ لا فطر ببلع ريقه الذي لم تخالطه النجاسة.

      تاسعاً: ابتلاع النخامة:

      النخامة هي: النخامة، وهي ما يخرجه الإنسان من حلقه، من مخرج الخاء المعجمة.

      ومذهب الحنفية والمعتمد عند المالكية: أن النخامة سواء أكانت مخاطاً نازلاً من الرأس، أم بلغماً صاعداً من الباطن، بالسعال أو التنحنح -ما لم يفحش البلغم- لا يفطر مطلقاً.

      وفي نصوص المالكية: إن البلغم لا يفطر مطلقاً، ولو وصل اللسان، لمشقته.

      وذهب الشافعية إلى تفصيل ذلك:

      - إن اقتلع النخامة من الباطن، ولفظها فلا بأس بذلك في الأصح، لأن الحاجة إليه مما يتكرر.

      وفي قول: يفطر بها كالاستقاءة.

      - ولو صعدت بنفسها، أو بسعاله، ولفظها لم يفطر جزماً.

      - ولو ابتلعها بعد وصولها إلى ظاهر الفم أفطر جزماً.

      - وإذا حصلت في ظاهر الفم، يجب قطع مجراها إلى الحلق، ومجها، فإن تركها مع القدرة على ذلك، فوصلت إلى الجوف، أفطر في الأصح، لتقصيره.

      وفي قول: لا يفطر، لأنه لم يفعل شيئاً، وإنما أمسك عن الفعل.

      - ولو ابتلعها بعد وصولها إلى ظاهر الفم، أفطر جزماً.

      وذهب الحنابلة إلى أنه يحرم على الصائم بلع نخامة، إذا حصلت في فمه، ويفطر بها إذا بلعها، سواء أكانت في جوفه أم صدره، بعد أن تصل إلى فمه، لأنها من غير الفم، فأشبه القيء، ولأنه أمكن التحرز منها فأشبه الدم.

      عاشراً: القيء:

      يفرق بين ما إذا خرج القيء بنفسه، وبين الاستقاءة.

      وعبر الفقهاء عن الأول، بما: إذا ذرعه القيء، أي غلب القيء الصائم.

      فإذا غلب القيء، فلا خلاف بين الفقهاء في عدم الإفطار به، قلّ القيء أم كثر، بأن ملأ الفم، وهذا لحديث أبي هريرة -رضي الله تعالى عنه- عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "من ذرعه القيء فليس عليه قضاء، ومن استقاء عمداً فليقض" رواه الترمذي.

      ذهب الحنفية إلى أنه لو عاد القيء بنفسه، في هذه الحال، بغير صنع الصائم، ولو كان ملء الفم، مع تذكر الصائم للصوم، فلا يفسد صومه، لعدم وجود الصنع منه، ولأنه لم توجد صورة الفطر، وهي الابتلاع، وكذا معناه، لأنه لا يتغذى به عادة، بل النفس تعافه.

      ومذهب المالكية: أن المفطر في القيء هو رجوعه، سواء أكان القيء لعلة أو امتلاء معدة، قَلَّ أو كثر، تغير أولا، رجع عمداً أو سهواً، فإنه مفطر وعليه القضاء.

      ومذهب الحنابلة: أنه لو عاد القيء بنفسه، لا يفطر لأنه كالمكره، ولو أعاده أفطر، كما لو أعاد بعد انفصاله عن الفم.

      - أما الاستقاءة وهي: استخراج ما في الجوف عمداً، أو هي: تكلف القيء فإنها مفسدة للصوم موجبة للقضاء عند جمهور الفقهاء -المالكية والشافعية والحنابلة- مع اختلافهم في الكفارة.

      وذهب الحنفية إلى التفصيل في الاستقاءة:

      أ- فإن كانت عمداً، والصائم متذكر لصومه، غير ناسٍ، والقيء ملء فمه، فعليه القضاء للحديث المذكور، والقياس متروك به، ولا كفارة فيه لعدم صورة الفطر.

      ب- وإن كان أقل من ملء الفم، لا يفسد، لعدم الخروج حكماً، هذا كله إذا كان القيء طعاماً، أو مرة فإن كان الخارج بلغماً، فغير مفسد للصوم.

      حادي عشر: طلوع الفجر في حالة الأكل أو الجماع:

      اتفق الفقهاء على أنه إذا طلع الفجر وفي فيه طعام أو شراب فليلفظه، ويصح صومه. فإن ابتلعه أفطر، وكذا الحكم عند الحنفية والشافعية والحنابلة فيمن أكل أو شرب ناسياً ثم تذكر الصوم، صح صومه إن بادر إلى لفظه.

      وذهب الشافعية والحنابلة وإن سبق شيء إلى جوفه بغير اختياره، فلا يفطر.

      وذهب المالكية إلى أنه إذا وصل شيء من ذلك إلى جوفه -ولو غلَبه- أفطر.

      - وإذا نزع، وقطع الجماع عند طلوع الفجر في الحال.

      فمذهب الحنفية والشافعية لا يفسد صومه، حتى لو أمنى بعد النزع، لا شيء عليه، وصومه صحيح، لأنه كالاحتلام.

      ومشهور مذهب المالكية: أنه لو نزع عند طلوع الفجر، وأمنى حال الطلوع -لاقبله ولا بعده- فلا قضاء، لأن الذي بعده من النهار والذي قبله من الليل، والنزع ليس وطأ.

      والقول الآخر للمالكية هو وجوب القضاء.

      وسبب هذا الاختلاف عند المالكية هو أنه: هل يعد النزع جماعاً، أولا يعد جماعاً؟ ولهذا قالوا: من طلع عليه الفجر -وهو بجامع- فعليه القضاء، وقيل: والكفارة.

      ومذهب الحنابلة: أن النزع جماع، فمن طلع عليه الفجر وهو مجامع فنزع في الحال، مع أول طلوع الفجر، فعليه القضاء والكفارة، لأنه يلتذ بالنزع، كما يلتذ بالإيلاج، كما لو استدام بعد طلوع الفجر.

      - ولو مكث بعد طلوع الفجر مجامعاً، بطل صومه، ولو لم يعلم بطلوعه.

      وفي وجوب الكفارة في المكث والبقاء، في هذه الحال، خلاف:

      فظاهر الرواية في مذهب الحنفية، والمذهب عند الشافعية عدم وجوب الكفارة، لأنها تجب بإفساد الصوم، والصوم منتف حال الجماع فاستحال إفساده، فلم تجب الكفارة.

      20- مكروهات الصوم:

      يكره للصائم بوجه عام -مع الخلاف- ما يلي:

      أ- ذوق شيء بلا عذر، لما فيه من تعريض الصوم للفساد، ولو كان الصوم نفلاً، على المذهب عند الحنفية، لأنه يحرم إبطال النفل بعد الشروع فيه، وظاهر إطلاق الكراهة يفيد أنها تحريمية.

      ومن العذر مضغ الطعام للولد، إذا لم تجد الأم منه بُدّاً، فلا بأس به، ويكره إذا كان لها منه بدُّ.

      وليس من العذر، ذوق اللبن والعسل لمعرفة الجيد منه والرديء عند الشراء، فيكره ذلك. وكذا ذوق الطعام، لينظر اعتداله، ولو كان لصانع الطعام.

      لكن نقل عن الإمام أحمد قوله: أحب إليّ أن يجتنب ذوق الطعام، فإن فعل فلا بأس به، بل قال بعض الحنابلة: إن المنصوص عنه: أنه لا بأس به لحاجة ومصلحة، وإلا كره.

      وإن وجد طعم المذوق في حلقه أفطر.

      ب- ويكره مضغ العلك، الذي لا يتحلل منه أجزاء، فلا يصل منه شيء إلى الجوف.

      ووجه الكراهة: اتهامه بالفطر، سواء أكان رجلاً أم امرأة، قال علي رضي الله تعالى عنه: إياك وما يسبق إلى العقول إنكاره، وإن كان عندك اعتذاره.

      أما ما يتحلل منه أجزاء، فيحرم مضغه، ولو لم يبتلع ريقه، فإن تفتت فوصل شيء منه إلى جوفه عمداً أفطر، وإن شك في الوصول لم يفطر.

      ج- تكره القبلة إن لم يأمن على نفسه وقوع مفسد من الإنزال أو الجماع.

      د- ويرى جمهور الفقهاء أن المباشرة والمعانقة ودواعي الوطء -كاللمس وتكرار النظر- حكمها حكم القبلة فيما تقدم.

      وخص الحنفية المباشرة الفاحشة، بالكراهة التحريمية، وهي -عندهم- أن يتعانقا، وهما متجردان، ويمس فرجه فرجها. ونصوا على أن الصحيح أنها تكره، وإن أمن على نفسه الإنزال والجماع، وكذلك القبلة الفاحشة، وهي: أن يمص شفتها، فيكره على الإطلاق.

      هـ- الحجامة، وهي أيضاً مما يكره للصائم -في الجملة-، وهي استخراج الدم المحقن من الجسم، مصاً أو شَرْطاً.

      ومذهب الجمهور أنها لا تفطر الحاجم ولا المحجوم، ولكنهم كرهوها بوجه عام.

      وقال الحنفية: لا بأس بها، إن أمن الصائم على نفسه الضعف، أما إذا خاف الضعف، فإنها تكره.

      وقال المالكية: إن المريض والصحيح، إذا علمت سلامتهما بالحجامة أو ظنت، جازت الحجامة لهما، وإن علم أو ظن عدم السلامة لهما حرمت لهما، وفي حالة الشك تكره للمريض، وتجوز للصحيح.

      قالوا: إن محل المنع إذا لم يخش بتأخيرها عليل هلاكاً أو شديد أذى، وإلا وجب فعلها وإن أدت للفطر، ولا كفارة عليه.

      وقال الشافعية: يستحب الاحتراز من الحجامة، من الحاجم والمحجوم، لأنها تضعفه.

      ودليل عدم الإفطار بالحجامة، حديث ابن عباس رضي الله تعالى عنهما "أن النبي صلى الله عليه وسلم احتجم وهو محرم، واحتجم وهو صائم" رواه البخاري.

      ودليل كراهة الحجامة حديث ثابت البناني أنه قال لأنس بن مالك: أكنتم تكرهون الحجامة للصائم على عهد النبي صلى الله عليه وسلم؟ قال: "لا، إلا من أجل الضعف" رواه البخاري.

      ومذهب الحنابلة: أن الحجامة يفطر بها الحاجم والمحجوم، لحديث رافع بن خديج -رضي الله عنه-، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "أفطر الحاجم والمحجوم" رواه الترمذي.

      - أما الفصد، فقد نص الحنفية علىكراهته، كالحجامة، وكراهة كل عمل شاق، وكل ما يظن أنه يضعف عن الصوم، وكذلك صرح المالكية والشافعية بأن الفصادة كالحجامة.

      وقال الحنابلة: لا فطر بفصد وشرط، ولا بإخراج دمه برعاف، لأنه لا نص فيه، والقياس لا يقتضيه.

      و- وتكره المبالغة في المضمضة والاستنشاق في الصوم.

      ففي المضمضة: بإيصال الماء إلى رأس الحلق، وفي الاستنشاق: بإيصاله إلى فوق المارن.

      وذلك لحديث لقيط بن صبرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له: "بالغ في الاستنشاق إلا أن تكون صائماً" رواه الترمذي، وذلك خشية فساد صومه.

      21- مالا يكره في الصوم:

      -لا يكره للصائم- ما يلي، مع الخلاف في بعضها:

      أ- الاكتحال:

      ذهب الحنفية والشافعية إلى أن الاكتحال غير مكروه بل أجازوه، ونصوا على أنه لا يفطر به الصائم ولو وجد طعمه في حلقه.

      واحتجوا بحديث عائشة رضي الله تعالى عنها قالت: "اكتحل رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو صائم" رواه ابن ماجه.

      ومذهب المالكية: في الاكتحال، فقالوا: إن كان لا يتحلل منه شيء لم يفطر، وإن تحلل منه شيء أفطر.

      وقال مالك إذا دخل حلقه، وعلم أنه قد وصل الكحل إلى حلقه، فعليه القضاء ولا كفارة عليه. وإن تحقق عدم وصوله للحلق لا شيء عليه، كاكتحاله ليلاً وهبوطه نهاراً للحلق، لا شيء عليه في شيء من ذلك.

      ومذهب الحنابلة: إذا اكتحل بما يصل إلى حلقه ويتحقق الوصول إليه فسد صومه، وهذا الصحيح من المذهب. واستدلوا بأن النبي صلى الله عليه وسلم "أمر بالإثمد المروح عند النوم، وقال: ليتقه الصائم" رواه أبو داود، ولأن العين منفذ، لكنه غير معتاد، وكالواصل من الأنف.

      ب- التقطير في العين، ودهن الأجفان، أو وضع دواء مع الدهن في العين.

      ذهب الحنفية والشافعية إلى أن التقطير في العين، ودهن الأجفان، أو وضع دواء مع الدهن في العين لا يفسد الصوم، لأنه لا ينافيه وإن وجد طعمه في حلقه.

      وذهب المالكية والحنابلة إلى أن التقطير في العين مفسد للصوم إذا وصل إلى الحلق، لأن العين منفذ وإن لم يكن معتاداً.

      ج- دهن الشارب ونحوه، كالرأس والبطن، لا يفطر بذلك عند الحنفية والشافعية، ولو وصل إلى جوفه بشرب المسام، لأنه لم يصل من منفذ مفتوح، ولأنه ليس فيه شيء ينافي الصوم.

      ومذهب المالكية: من دهن رأسه نهاراً، ووجد طعمه في حلقه، أو وضع حناء في رأسه نهاراً، فاستطعمها في حلقه، فالمعروف في المذهب وجوب القضاء.

      والقاعدة عندهم: وصول مائع للحلق، ولو كان من غير الفم.

      د- الاستياك، لا يرى الفقهاء بالاستياك بالعود اليابس أول النهار بأساً.

      وذهب الحنفية والمالكية إلى عدم كراهة الاستياك بعد الزوال، وذلك: لحديث عائشة رضي الله تعالى عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من خير خصال الصائم السواك" رواه ابن ماجه.

      ولقول عامر بن ربيعة رضي الله تعالى عنه "رأيت النبي صلى الله عليه وسلم مالا أحصي، يتسوك وهو صائم" رواه الترمذي.

      وقد أطلقت هذه الأحاديث السواك، فيسن ولو كان رطباً، أو مبلولاً بالماء.

      وشرط المالكية لجوازه أن لا يتحلل منه شيء، فإن تحلل منه شيء كره، وإن وصل إلى الحلق أفطر.

      وذهب الشافعية إلى سنية ترك السواك بعد الزوال، وإذا استاك فلا فرق بين الرطب واليابس، بشرط أن يحترز عن ابتلاع شيء منه أو من رطوبته.

      وذهب أحمد بن حنبل إلى ترك السواك بالعشي، وقال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "خلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك الأذفر"(1) رواه البخاري.

      وعن أحمد روايتان في الاستياك بالعود الرطب: إحداهما: الكراهة، والأخرى: أنه لا يكره.

      هـ- المضمضة والاستنشاق في غير الوضوء والغسل لا يكره ذلك ولا يفطر.

      وقيده المالكية بما إذا كان لعطش ونحوه، وكرهوه لغير موجب، لأن فيه تغريراً ومخاطرة، وذلك لاحتمال سبق شيء من الماء إلى الحلق، فيفسد الصوم حينئذ.

      وفي الحديث عن عمر رضي الله تعالى عنه "أنه سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن القبلة للصائم؟ فقال: أرأيت لو مضمضت من الماء وأنت صائم؟ قلت: لا بأس! قال: فمه" رواه أبو داود.

      ولأن الفم في حكم الظاهر، لا يبطل الصوم بالواصل إليه كالأنف والعين.

      ذهب الحنابلة إلى إن المضمضة، إن كانت لحاجة كغسل فمه عند الحاجة إليه ونحوه، فحكمه حكم المضمضة للطهارة، وإن كان عابثاً، أو مضمض من أجل العطش كره.

      - ولا بأس أن يصب الماء على رأسه من الحر والعطش، لما روي عن بعض أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: "لقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم بالعرج، يصب الماء على رأسه وهو صائم، من العطش، أو من الحر" رواه أبو داود.

      وكذا التلفف بثوب مبتل للتبرد ودفع الحر عند الحنفية لهذا الحديث، ولأن بهذه عوناً له على العبادة، ودفعاً للضيق.

      و- اغتسال الصائم، فلا يكره، ولا بأس به حتى للتبرد، عند الحنفية وذلك لما روي عن

(1) الجيد إلى الغاية.

عائشة وأم سلمة رضي الله تعالى عنهما قالتا: "نشهد على رسول الله صلى الله عليه وسلم إن كان ليصبح جنباً، من غير احتلام، ثم يغتسل ثم يصوم" رواه البخاري.

      وأما الغوص في الماء، إذا لم يخف أن يدخل في مسامعه، فلا بأس به، وكرهه بعض الفقهاء حال الإسراف والتجاوز أو العبث، خوف فساد الصوم.

 

الآثار المترتبة على الإفطار

      حصر الفقهاء الآثار المترتبة على الإفطار في أمور، منها: القضاء: والكفارة الكبرى، والكفارة الصغرى (وهذه هي الفدية) والإمساك بقية النهار، وقطع التتابع، والعقوبة.

      أولاً: القضاء:

      من أفطر أياماً من رمضان -كالمريض والمسافر- قضى بعدة ما فاته، لأن القضاء يجب أن يكون بعدة ما فاته، لقوله تعالى: {وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} [البقرة: 185].

      ومن فاته صوم رمضان كله، قضى الشهر كله، سواء ابتدأه من أول الشهر أو من أثنائه، كأعداد الصلوات الفائتة. فالقضاء لما فات من رمضان بالعدد: فمن أفطر رمضان كله، وكان ثلاثين، وقضاه في شهر بالهلال، وكان تسعة وعشرين يوماً، صام يوماً آخر. وإن فاته صوم رمضان وهو تسعة وعشرون يوماً، وقضاه في شهر -وكان ثلاثين يوماً- فلا يلزمه صوم اليوم الأخير، لقوله تعالى: {فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} [البقرة: 185].

      ويجوز أن يقضي يوم شتاء عن يوم صيف، ويجوز عكسه، بأن يقضى يوم صيف عن يوم شتاء، وهذا لعموم الآية المذكورة وإطلاقها.

      - وهل قضاء رمضان يكون على التراخي؟

      قيد الجمهور التراخي بما إذا لم يفت وقت قضائه، بان يهل رمضان آخر، لقول عائشة رضي الله تعالى عنها "كان يكون عليَّ الصوم من رمضان، فما أستطيع أن أقضيه إلا في شعبان، لمكان النبي صلى الله عليه وسلم" رواه البخاري، كما لا يؤخر الصلاة الأولى إلى الثانية.

      ولا يجوز عند الجمهور تأخير قضاء رمضان إلى رمضان آخر، من غير عذر يأثم به، لحديث عائشة هذا، فإن أخر فعليه الفدية: إطعام مسكين لكل يوم، لما روي عن ابن عباس وابن عمر وأبي هريرة رضي الله عنهم قالوا فيمن عليه صوم فلم يصمه حتى أدركه رمضان آخر: عليه القضاء وإطعام مسكين لكل يوم.

      وهذه الفدية للتأخير، أما فدية المرضع ونحوها فلفضيلة الوقت، وفدية الهرم لأصل الصوم، ويجوز الإطعام قبل القضاء ومعه وبعده.

      ومذهب الحنفية، إطلاق التراخي بلا قيد، فلو جاء رمضان آخر، ولم يقض الفائت، قدم صوم الأداء على القضاء، حتى لو نوى الصوم عن القضاء لم يقع إلا عن الأداء، ولا فدية عليه بالتأخير إليه، لإطلاق النص، وظاهر قوله تعالى: {فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} [البقرة: 185].

      وعند غير الحنفية يحرم التطوع بالصوم قبل قضاء رمضان، ولا يصح تطوعه بالصوم قبل قضاء رمضان، ولا يصح تطوعه بالصوم قبل قضاء ما عليه من رمضان، بل يبدأ بالفرض حتى يقضيه، وإن كان عليه نذر صامه بعد الفرض، لأن الصوم عبادة متكررة، فلم يجز تأخر الأولى عن الثانية، كالصلوات المفروضة.

      مسائل تتعلق بالقضاء:

      الأولى:

      إن أخر قضاء رمضان -وكذا النذر والكفارة - لعذر، بأن استمر مرضه أو سفره المباح إلى موته، ولم يتمكن من القضاء، فلا شيء عليه، ولا تدارك للغائب بالفدية ولا بالقضاء، لعدم تقصيره، ولا إثم به، لأنه فرض لم يتمكن منه إلى الموت، فسقط حكمه، كالحج، ولأنه يجوز تأخير رمضان بهذا العذر أداء، فتأخير القضاء أولى.

      وسواء استمر العذر إلى الموت، أم حصل الموت في رمضان، ولو بعد زوال العذر.

      الثانية:

      لو أفطر بعذر واتصل العذر بالموت فقد اتفق الفقهاء على أنه لا يصام عنه ولا كفارة فيه، لأنه فرض لم يتمكن من فعله إلى الموت فسقط حكمه، كالحج.

      - أما إذا زال العذر وتمكن من القضاء، ولم يقض حتى مات ففيه تفصيل:

      فذهب جمهور الفقهاء (الحنفية والمالكية والحنابلة في المذهب، وهو الأصح عند الشافعية) إلى أنه لا يصام عنه، لأنه الصوم واجب بأصل الشرع لا يقضى عنه، لأنه لا تدخله النيابة في الحياة فكذلك بعد الممات كالصلاة.

      وذهب الشافعية في قول والحنابلة إلى أنه يجوز لوليه أن يصوم عنه، زاد الشافعية: ويصح ذلك، ويجزئه عن الإطعام، وتبرأ به ذمة الميت ولا يلزم الولي الصوم بل هو إلى خيرته، لحديث عائشة رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم: "من مات وعليه صيام صام عنه وليه" رواه البخاري ومسلم.

·     أما في وجوب الفدية فقد اختلفوا فيه على النحو التالي:

      ذهب الحنفية: لو أخر قضاء رمضان بغير عذر، ثم مات قبل رمضان آخر أو

بعده، ولم يقض لزمه الإيصاء بكفارة ما أفطره بقدر الإقامة من السفر والصحة من المرض وزوال العذر، ولا يجب الإيصاء بكفارة ما أفطره على من مات قبل زوال العذر.

      وذهب الشافعية إلى أنه يجب في تركته لكل يوم مد من طعام.

      وذهب الحنابلة في المذهب إلى الإطعام عنه لكل مسكيناً.

      والظاهر من مذهب المالكية: وجوب مد عن كل يوم أفطره إذا فرّط، بأن كان صحيحاً مقيماً خالياً من الأعذار.

      ثانياً: الكفارة الكبرى:

      ثبتت الكفارة الكبرى بالنص في حديث الأعرابي الذي واقع زوجته في نهار رمضان.

      ولا خلاف بين الفقهاء في وجوبها بإفساد الصوم بالوقاع في الجملة، وإنما الخلاف في وجوبها بإفساده بالطعام والشراب: فتجب -في الجملة أيضاً- بإفساد صوم رمضان خاصة، طائعاً متعمداً غير مضطر، قاصداً انتهاك حرمة الصوم، من غير سبب مبيح للفطر.

      وقال الحنفية: إنما يكفّر إذا نوى الصيام ليلاً، ولم يكن مكرهاً، ولم يطرأ مسقط، كمرض وحيض.

      فلا كفارة في الإفطار في غير رمضان، ولا كفارة على الناسي والمكره ولا على النفساء والحائض والمجنون، ولا على المريض والمسافر، ولا على المرهق بالجوع والعطش، ولا على الحامل، لعذرهم ... ولا على المرتد، لأنه هتك حرمة الإسلام، لا حرمة الصيام خصوصاً.

      فتجب بالجماع عمداً، لا ناسياً - خلافاً لأحمد.

      وتجب بالأكل والشرب عمداً، خلافاً للشافعي وأحمد، وتقدمت موجبات أخرى مختلف فيها، كالإصباح بنية الفطر ورفض النية نهاراً والاستقاء العامد، وابتلاع ما لا يغذي عمداً.

      أما خصال الكفارة فهي: العتق والصيام والإطعام، وهذا بالاتفاق بين الفقهاء، لحديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال: "بينما نحن جلوس عند النبي صلى الله عليه وسلم إذ جاءه رجل، فقال: يا رسول الله هلكت قال: مالك؟ قال: وقعت على امرأتي وأنا صائم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم هل تجد رقبة تعتقها؟ قال: لا، قال: فهل تستطيع أن تصوم شهرين متتابعين؟ قال: لا، قال: فهل تجد إطعام ستين مسكيناً؟ قال: لا، قال: فمكث النبي صلى الله عليه وسلم فبينا نحن على ذلك، أتى النبي صلى الله عليه وسلم بعَرَقٍ(1) فيها تمر، قال: أين السائل؟ فقال: أنا، قال: خذ هذا فتصدق به فقال الرجل: على أفقر مني يا رسول الله فوالله ما بين لابتيها -يريد الحرتين- أهل بيت أفقر من أهل بيتي فضحك النبي صلى الله عليه وسلم حتى بدت أنيابه، ثم قال: أطعمه أهلك".

________________________

(1) مكتل في خوص النخل يسع خمسة عشر صاعاً. والصاع أربعة أمداد، فهي ستون مداً.

      وفي الحديث دلالة قوية على الترتيب.

      ثالثاً: الفدية:

      أما الفدية: فالكلام في حكمها، وسببها، وتكررها بتكرر السنين:

      فحكم الفدية: الوجوب، لقوله تعالى: {وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ} [البقرة: 184] أي على الذين يتحملون الصوم بمشقة شديدة الفدية.

      والفدية عند الحنفية: نصف صاع من بر أي قيمته، بشرط دوام عجز الفاني والفانية إلى الموت.

      وعند الجمهور: ومد من الطعام من غالب قوت البلد عن كل يوم، بقدر ما فاته من الأيام.

      وسببها:

      1- العجز عن الصيام، فتجب باتفاق الفقهاء على من لا يقدر على الصوم بحال، وهو الشيخ الكبير والعجوز، إذا كان يجهدهما الصوم ويشق عليهما مشقة شديدة، فلهما أن يفطرا ويطعما لكل يوم مسكيناً، للآية السابقة: {وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ} [البقرة: 184] وقول ابن عباس: "نزلت رخصة للشيخ الكبير. ولأن الأداء صوم واجب، فجاز أن يسقط إلى الكفارة كالقضاء. والشيخ الهرم له ذمة صحيحة، فإن كان عاجزاً عن الإطعام أيضاً فلا شيء عليه، و{لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلا وُسْعَهَا} [البقرة: 286].

      وقال الحنفية: يستغفر الله سبحانه، ويستقبله أي يطلب منه العفو عن تقصيره في حقه.

      وأما المريض إذا مات فلا يجب الإطعام عنه، لأن ذلك يؤدي إلى أن يجب على الميت ابتداء، بخلاف ما إذا أمكنه الصوم فلم يفعل، حتى مات، لأن وجوب الإطعام يستند إلى حال الحياة.

      2- وتجب الفدية أيضاً بالاتفاق على المريض الذي لا يرجى برؤه، لعدم وجوب الصوم عليه، كما بينا، لقوله عز وجل: {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} [الحج: 78].

      3- وتجب الفدية كذلك عند الجمهور (غير الحنفية) مع القضاء على الحامل والمرضع إذا خافتا على ولدهما، أما إن خافتا على أنفسهما، فلهما الفطر، وعليهما القضاء فقط، بالاتفاق. ودليلهم الآية السابقة: {وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ..} وهما داخلتان في عموم الآية، قال ابن عباس: "كانت رخصة للشيخ الكبير والمرأة الكبيرة، وهما يطيقان الصيام أن يفطرا، ويطعما مكان كل يوم مسكيناً، والحبلى والمرضع إذا خافتا على أولادهما أفطرتا وأطعمتا" رواه أبو داود، ولأنه فطر بسبب نفس عاجزة من طريق الخلقة، فوجبت به الكفارة كالشيخ الهرم.

      وذهب الحنفية إلى أنه لا تجب عليهما الفدية مطلقاً، لحديث أنس بن مالك الكعبي: "إن الله وضع عن المسافر شطر الصلاة، وعن الحامل والمرضع الصوم -أو الصيام- والله لقد قالهما رسول الله صلى الله عليه وسلم، أحدهما أو كليهما" رواه الترمذي. فلم يأمر بكفارة، ولأنه فطر أبيح لعذر، فلم يجب به كفارة كالفطر للمرضى.

      4- وتجب الفدية أيضاً مع القضاء عند الجمهور (غير الحنفية) على من فرط في قضاء رمضان، فأخره حتى جاء رمضان آخر مثله بقدر ما فاته من الأيام، قياساً على من أفطر متعمداً، لأن كليهما مستهين بحرمة الصوم، ولا تجب على من اتصل عذره من مرض أو سفر أو جنون أو حيض أو نفاس.

      تكرر الفدية: ولا تتكرر الفدية عند المالكية والحنابلة بتكرر الأعوام وإنما تتداخل كالحدود، والأصح في رأي الشافعية: أنها تتكرر بتكرر السنين، لأن الحقوق المالية لا تتداخل.

      وقال الحنفية: لا فدية بالتأخير إلى رمضان آخر، لإطلاق النص القرآني. {فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} فكان وجوب القضاء على التراخي، حتى كان له أن يتطوع، فلا يلزمه بالتأخير شيء ولأنه لا يجوز القياس في الكفارات، غير أنه تارك للأولى من المسارعة في القضاء.

      وأما قطع التتابع: فهو عند المالكية لمن أفطر متعمداً في صيام النذر والكفارات المتتابعات كالقتل والظهار، فيستأنف، بخلاف من قطع الصوم ناسياً أو لعذر، أو لغلط في العدة، فإنه يبني على ما كان معه.

      وذهب بقية المذاهب الأخرى خلاف المالكية.

      وأما قطع النية: فإنها تنقطع بإفساد الصوم أو تركه مطلقاً لعذر أو لغير عذر، ولزوال انحتام الصوم كالسفر، وإن صام فيه، وإنما ينقطع استصحابها حكماً. وهذا عند المالكية الذين يكتفون بنية واحدة أو شهر رمضان.

      رابعاً: الإمساك لحرمة شهر رمضان:

      من لوازم الإفطار في رمضان: الإمساك لحرمة الشهر.

      فالحنفية وضعوا أصلين لهذا الإمساك:

      أولهما: أن كل من صار في آخر النهار بصفة، لو كان في أول النهار عليها للزمه الصوم، فعليه الإمساك.

      ثانيهما: كل من وجب عليه الصوم، لوجود سبب الوجوب والأهلية، ثم تعذر عليه المضي، بأن أفطر متعمداً، أو أصبح يوم الشك مفطراً، ثم تبين أنه من رمضان، أو تسحر على ظن أن الفجر لم يطلع، ثم تبين طلوعه، فإنه يجب عليه الإمساك تشبهاً لأن الفطر قبيح، وترك القبيح واجب شرعاً.

      وأجمع الحنفية على أنه لا يجب على الحائض والنفساء والمريض والمسافر هذا الإمساك.

      وأجمعوا على وجوبه على من أفطر عمداً، أو خطأ، أو أفطر يوم الشك ثم تبين أنه من رمضان، وكذا على مسافر أقام، وحائض ونفساء طهرتا، ومجنون أفاق، ومريض صح، ومفطر ولو مكرهاً أو خطأ، وصبي بلغ، وكافر أسلم.

      وقال المالكية: وأما إمساك بقية اليوم، فيؤمر به من أفطر في رمضان خاصة، عمداً أو نسياناً، لا من أفطر لعذر مبيح ثم زال العذر مع العلم برمضان، فإنه لا يندب له الإمساك، كمن اضطر للفطر في رمضان، من شدة جوع أو عطش فأفطر، وكحائض ونفساء طهرتا نهاراً، ومريض صح نهاراً، ومرضع مات ولدها، ومسافر قدم، ومجنون أفاق، وصبي بلغ نهاراً، فلا يندب الإمساك منهم.

      وقيد العلم برمضان، احتراز عمن أفطر ناسياً، وعمن أفطر يوم الشك ثم ثبت أنه من رمضان، فإنه يجب الإمساك، كصبي بيّت الصوم، واستمر صائماً حتى بلغ، فإنه يجب عليه الإمساك، لانعقاد صومه له نافلة، أو أفطر ناسياً قبل بلوغه فيجب عليه بعد الإمساك، وإن لم يجب القضاء على الصبي في هاتين الصورتين.

      ونصوا كذلك على أن من أكره على الفطر، فإنه يجب عليه الإمساك، بعد زوال الإكراه قالوا : لأن فعله قبل زوال العذر، لا يتصف بإباحة ولا غيرها.

      ونصوا على أنه يندب إمساك بقية اليوم لمن أسلم، لتظهر عليه علامة الإسلام بسرعة، ولم يجب، تأليفاً له للإسلام، كما ندب قضاؤه، ولم يجب لذلك.

      وذهب الشافعية إلى أن نصوا على أن الإمساك تشبهاً من خواص رمضان، كالكفارة، وأن من أمسك تشبهاً ليس في صوم وضعوا هذه القاعدة، وهي: أن الإمساك يجب على كل متعدٍ بالفطر في رمضان، سواء أكل أو ارتد أو نوى الخروج من الصوم -وقلنا إنه يخرج بذلك- كما يجب على من نسي النية من الليل، وهو غير واجب على من أبيح له الفطر إباحة حقيقية، كالمسافر إذا قدم، والمريض إذا برئ بقية النهار.

      ونظروا بعد ذلك في هذه الأحوال:

      - المريض والمسافر، اللذان يباح لهما الفطر، لهما ثلاثة أحوال:

      الأولى: أن يصبحا صائمين، ويدوما كذلك إلى زوال العذر، فالمذهب لزوم إتمام الصوم.

      الثانية: أن يزول العذر بعدما أفطر، فلا يجب الإمساك، لكن يستحب لحرمة الوقت فإن أكلا أخفياه، لئلا يتعرضا للتهمة وعقوبة السلطان، ولهما الجماع بعد زوال العذر، إذا لم تكن المرأة صائمة، بأن كانت صغيرة، أو طهرت من الحيض ذلك اليوم.

      الثالثة: أن يصبحا غير ناويين، ويزول العذر قبل أن يأكلا، ففي المذهب قولان: لا يلزمهما الإمساك في المذهب، لأن من أصبح تاركاً للنية فقد أصبح مفطراً، فكان كما لو أكل وقيل: يلزمهما الإمساك حرمة لليوم.

      وإذا اصبح يوم الشك مفطراً غير صائم، ثم ثبت أنه من رمضان، فقضاؤه واجب ويجب إمساكه.

      أما لو بان أنه من رمضان قبل الأكل فعليه لزوم الإمساك.

      وإذا بلغ صبي مفطراً أو أفاق مجنون، أو أسلم كافر أثناء يوم من رمضان ففيه أوجه : أصحها أنه لا يلزمهم إمساك بقية النهار لأنه يلزمهم قضاؤه.

      والثاني: أنه يلزمهم، بناء على لزوم القضاء.

      والثالث: يلزم الكافر دونهما، لتقصيره.

      والرابع: يلزم الكافر والصبي لتقصيرهما، أو لأنهما مأموران على الجملة دون المجنون.

      ولو بلغ الصبي بالنهار صائماً، بأن نوى ليلاً، وجب عليه إتمامه بلا قضاء، وقيل : يستحب إتمامه، ويلزمه القضاء، لأنه لم ينو الفرض.

      والحائض والنفساء إذا طهرتا في أثناء النهار، فالمذهب أنه لا يلزمهما الإمساك.

      وفي مذهب الحنابلة هذه القاعدة بفروعها:

      - من صار في أثناء يوم من رمضان أهلاً للوجوب لزمه إمساك ذلك اليوم وقضاؤه لحرمة الوقت، ولقيام البينة فيه بالرؤية، ولإدراكه جزءاً من وقته كالصلاة.

      - وكذا كل من أفطر والصوم يجب عليه، فإنه يلزمه الإمساك والقضاء، كالفطر لغير عذر، ومن أفطر يظن أن الفجر لم يطلع وكان قد طلع، أو يظن الشمس قد غابت ولم تغب، أو الناسي للنية، فكلهم يلزمهم الإمساك، أو تعمدت مكلفة الفطر، ثم حاضت أو نفست، أو تعمد الفطر مقيم ثم سافر، فكلهم يلزمهم الإمساك والقضاء.

      - فأما من يباح له الفطر في أول النهار ظاهراً وباطناً كالحائض والنفساء والمسافر والصبي والمجنون والكافر والمريض إذا زالت أعذارهم في أثناء النهار، فطهرت الحائض والنفساء، وأقام المسافر، وبلغ الصبي، وأفاق المجنون، وأسلم الكافر، وصح المريض، ففيهم روايتان:

      إحداهما: يلزمهم الإمساك بقية اليوم، لأنه معنى لو وجد قبل الفجر أوجب الصيام، فإذا طرأ بعد الفجر أوجب الإمساك، كقيام البينة بالرؤية.

      والأخرى: لا يلزمهم الإمساك، لأنه روي عن ابن مسعود رضي الله تعالى عنه أنه قال: (من أكل أول النهار، فليأكل آخره)، ولأنه أبيح له الفطر أول النهار ظاهراً وباطناً، فإذا أفطر كان له أن يستديمه إلى آخر النهار، كما لو دام العذر.

      خامساً: العقوبة:

      يراد بالعقوبة هنا: الجزاء المترتب على من أفطر عمداً في رمضان من غير عذر، فهي من لوازم الإفطار وموجباته.

      وفي عقوبة المفطر العامد، من غير عذر، خلاف وتفصيل.

      فمذهب الحنفية أن تارك الصوم كتارك الصلاة، إذا كان عمداً كسلاً، فإنه يحبس حتى يصوم، وقيل: يضرب في حبسه، ولا يقتل إلا إذا جحد الصوم أو الصلاة، أو استخف بأحدهما.

      ولو تعمد من لا عذر له الأكل جهاراً يقتل، لأنه مستهزئ بالدين، أو منكر لما ثبت منه بالضرورة، ولا خلاف في حل قتله، والأمر به.

      ومذهب المالكية: إن من أفطر في أداء رمضان عمداً اختياراً بلا تأويل قريب، يؤدب بما يراه الحاكم: من ضرب أو سجن أو أيهما معاً، ثم إن كان فطره بما يوجب الحد، كزنى وشرب خمر، حدّ مع الأدب، وقدم الأدب.

      وإن كان فطره يوجب رجماً، قدم الأدب، وإنه إن كان الحد جلداً، فإنه يقدم على الأدب، فإن جاء المفطر عمداً، قبل الاطلاع عليه، حال كونه تائباً، قبل الظهور عليه، فلا يؤدب.

      ومذهب الشافعية: على أن من ترك صوم رمضان، غير جاحد، من غير عذر كمرض وسفر، كأن قال: الصوم واجب علي، ولكن لا أصوم حبس، ومنع من الطعام والشراب نهاراً، ليحصل له صورة الصوم بذلك.

      قالوا: وأما من جحد وجوبه فهو كافر، لأن وجوب صوم رمضان معلوم من أدلة الدين بالضرورة: أي علماً صار كالضروريّ في عدم خفائه على أحد، وكونه ظاهراً بين المسلمين.

      سادساً: قطع التتابع:

      التتابع هو: الموالاة بين أيام الصيام، بحيث لا يفطر فيها ولا يصوم عن غير الكفارة.

      تتأثر مدة الصوم التي يشترط فيها التتابع نصاً، بالفطر المتعمد، وهي: صوم رمضان، وصوم كفارة القتل، وكفارة الظهار، والإفطار العامد في رمضان، وصوم كفارة اليمين - عند الحنفية.

        23- صوم المحبوس إذا اشتبه عليه شهر رمضان:

        ذهب جمهور الفقهاء إلى أن من اشتبهت عليه الشهور لا يسقط عنه صوم رمضان، بل يجب لبقاء التكليف وتوجه الخطاب.

        فإذا أخبره الثقات بدخول شهر الصوم عن مشاهدة أو علم وجب عليه العمل بخبرهم، وإن أخبروه عن اجتهاد منهم، فلا يجب عليه العمل بذلك، بل يجتهد بنفسه في معرفة الشهر بما يغلب على ظنه، ويصوم مع النية ولا يقلّد مجتهداً مثله.

        فإن صام المحبوس المشتبه عليه بغير تحرّ ولا اجتهاد ووافق الوقت لم يجزئه، وتلزمه إعادة الصوم لتقصيره وتكره الاجتهاد الواجب باتفاق الفقهاء، وإن اجتهد وصام فلا يخلو الأمر من خمسة أحوال:

        - الحال الأولى: استمرار الإشكال وعدم انكشافه له، بحيث لا يعلم أن صومه صادف رمضان أو تقدم أو تأخر، فهذا يجزئه صومه ولا إعادة عليه في قول الحنفية والشافعية والحنابلة، والمعتمد عند المالكية، لأنه بذل وسعه ولا يكلف بغير ذلك، كما لو صلى في يوم الغيم بالاجتهاد.

        وقال بعض المالكية: لا يجزيه الصوم، لاحتمال وقوعه قبل وقت رمضان.

        - الحال الثانية: أن يوافق صوم المحبوس شهر رمضان فيجزيه ذلك عند جمهور الفقهاء، قياساً على من اجتهد في القبلة، ووافقها.

         وقال بعض المالكية: لا يجزيه لقيامه على الشك، لكن المعتمد الأول.

        - الحال الثالثة: إذا وافق صوم المحبوس ما بعد رمضان فيجزيه عند جماهير الفقهاء، إلا بعض المالكية كما تقدم آنفاً.

        واختلف القائلون بالإجزاء: هل يكون صومه أداء أو قضاء؟ وجهان، وقالوا: إن وافق بعض صومه أياماً يحرم صومها كالعيدين والتشريق يقضيها.

        - الحال الرابعة: وهي وجهان:

        الوجه الأول: إذا وافق صومه ما قبل رمضان وتبين له ذلك ولماّ يأت رمضان لزمه صومه إذا جاء بلا خلاف، لتمكنه منه في وقته.

        الوجه الثاني: إذا وافق صومه ما قبل رمضان ولم يتبيّن له ذلك إلا بعد انقضائه ففي إجزائه قولان:

        القول الأول: لا يجزيه عن رمضان بل يجب عليه قضاؤه، وهذا مذهب المالكية والحنابلة، والمعتمد عند الشافعية.

        القول الثاني: يجزئه عن رمضان، كما لو اشتبه على الحجاج يوم عرفة فوقفوا قبله، وهو قول بعض الشافعية.

        - الحال الخامسة: أن يوافق صوم المحبوس بعض رمضان دون بعض، فما وافق رمضان أو بعده أجزأه، وما وافق قبله لم يجزئه، ويراعى في ذلك أقوال الفقهاء المتقدمة.

        والمحبوس إذا صام تطوعاً أو نذراً فوافق رمضان لم يسقط عنه صومه في تلك السنة، لانعدام نية صوم الفريضة، وهو مذهب الحنابلة والشافعية والمالكية.

        وقال الحنفية: إن ذلك يجزيه ويسقط عنه الصوم في تلك السنة، لأن شهر رمضان ظرف لا يسع غير صوم فريضة رمضان، فلا يزاحمها التطوع والنذر.

 

صَوْمُ التَّطوُّعِ

1- تعريف صوم التطوع.

2- فضل صوم التطوع.

3- أنواع صوم التطوع:

4- أحكام النية في صوم التطوع:

5-ما يستحب صيامه من الأيام:

6- حكم الشروع في صوم التطوع.

7- إفساد صوم التطوع وما يترتب عليه.

8- التطوع بالصوم قبل قضاء رمضان.

        1- التعريف:

            الصوم لغة: مطلق الإمساك.

        واصطلاحاً: إمساك عن المفطرات حقيقة أو حكماً في وقت مخصوص من شخص مخصوص مع النية.

        والتطوع اصطلاحاً: التقرب إلى الله تعالى بما ليس بفرض من العبادات.

        وصوم التطوع: التقرب إلى الله تعالى بما ليس بفرض من الصوم.

        2- فضل صوم التطوع:

        ورد في فضل صوم التطوع أحاديث كثيرة، منها: حديث سهل -رضي الله تعالى عنه- عن النبي صلى الله عليه وسلم: "إن في الجنة باباً يقال له: الريان، يدخل منه الصائمون يوم القيامة، لا يدخل منه أحد غيرهم. فيقال: أين الصائمون؟ فيقومون، لا يدخل منه أحد غيرهم. فإذا دخلوا أغلق، فلم يدخل منه أحد" متفق عليه.

        ومنها ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "من صام يوماً في سبيل الله باعد الله تعالى وجهه عن النار سبعين خريفاً" رواه البخاري ومسلم.

        3-أنواع صوم التطوع:

        قسّم الحنفية صوم التطوع إلى مسنون، ومندوب، ونفل.

        فالمسنون: عاشوراء مع تاسوعاء.

        والمندوب: صوم ثلاثة أيام من كل شهر، وصوم يوم الإثنين والخميس، وصوم ست من شوال، وكل صوم ثبت طلبه والوعد عليه: كصوم داود عليه الصلاة والسلام، ونحوه.

        والنفل: ما سوى ذلك مما لم تثبت كراهته.

        وقسم المالكية -أيضاً- صوم التطوع إلى ثلاثة أقسام: سنة، ومستحب، ونافلة.

        فالسنة: صيام يوم عاشوراء.

        والمستحب: صيام الأشهر الحرم، وشعبان، والعشر الأول من ذي الحجة، ويوم عرفة، وستة أيام من شوال، وثلاثة أيام من كل شهر، ويوم الإثنين والخميس.

        والنافلة: كل صوم لغير وقت ولا سبب، في غير الأيام التي يجب صومها أو يمنع.

        وعند الشافعية والحنابلة: صوم التطوع والصوم المسنون بمرتبة واحدة.

 

        4- أحكام النية في صوم التطوع:

        أ- وقت النية:

        ذهب جمهور الفقهاء -الحنفية والشافعية والحنابلة- إلى أنه لا يشترط تبييت النية في صوم التطوع، لحديث عائشة رضي الله تعالى عنها قالت: "دخل عليّ رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم، فقال: هل عندكم شيء؟ فقلنا: لا، فقال: فإني إذاً صائم" رواه مسلم.

        وذهب المالكية إلى أنه يشترط في نية صوم التطوع التبييت كالفرض. لقول النبي صلى الله عليه وسلم: "من لم يبيّت الصيام من الليل فلا صيام له" رواه أبو داود، فلا تكفي النية بعد الفجر، لأن النية: القصد، وقصد الماضي محال عقلاً.

        واختلف جمهور الفقهاء في آخر وقت نية التطوع.

        فذهب الحنفية: إلى أن آخر وقت نية صوم التطوع الضحوة الكبرى.

        والمراد بها: نصف النهار الشرعي.

        والنهار الشرعي: من استطارة الضوء في أفق المشرق إلى غروب الشمس، ونصوا على أنه لا بد من وقوع النية قبل الضحوة الكبرى، فلا تجزئ النية عند الضحوة الكبرى اعتباراً لأكثر اليوم.

        وذهب الشافعية: إلى أن آخر وقت نية صوم التطوع قبل الزوال، واختص بما قبل الزوال لما روي أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال لعائشة يوماً: "هل عندكم شيء؟ قالت: لا. قال: فإني إذاً صائم" رواه مسلم. إذ الغداء اسم لما يؤكل قبل الزوال، والعشاء اسم لما يؤكل بعده، ولأنه مضبوط بَيِّن، ولإدراك معظم النهار به كما في ركعة المسبوق.

        وذهب الحنابلة: إلى امتداد وقت النية إلى ما بعد الزوال، قالوا: إنه قول معاذ وابن مسعود وحذيفة، ولم ينقل عن أحد من الصحابة -رضي الله عنهم- ما يخالفة صريحاً، ولأن النية وجدت في جزء النهار، فأشبه وجودها قبل الزوال بلحظة.

        ويشترط لصحة نية النفل في النهار: ان لا يكون فعل ما يفطره قبل النية، فإن فعل فلا يجزئه الصوم حينئذ.

        ب- تعيين النية:

        اتفق الفقهاء على أنه لا يشترط في نية صوم التطوع التعيين، فيصح صوم التطوع بمطلق النية.

        5- ما يستحب صيامه من الأيام:

        أ- صوم يوم وإفطار يوم:

        من صيام التطوع صوم يوم وإفطار يوم، وهو أفضل صيام التطوع، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: "أحب الصلاة إلى الله صلاة داود عليه السلام، وأحب الصيام إلى الله صيام داود: كان ينام نصف الليل، ويقوم ثلثه، وينام سدسه، ويصوم يوماً ويفطر يوماً" ولقول النبي صلى الله عليه وسلم لعبد الله بن عمرو رضي الله عنها: "صم يوماً وأفطر يوماً، فذلك صيام داود عليه السلام، وهو أفضل الصيام، فقال عبد الله بن عمرو إني أطيق أفضل من ذلك. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: لا أفضل من ذلك" رواه البخاري.

        ب- صوم عاشوراء وتاسوعاء:

        اتفق الفقهاء على سنية صوم عاشوراء وتاسوعاء -وهما: اليوم العاشر، والتاسع من المحرم- لقول النبي صلى الله عليه وسلم في صوم عاشوراء: "أحتسب على الله أن يكفر السنة التي قبله" رواه مسلم، ولحديث معاوية رضي الله عنه قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: "هذا يوم عاشوراء، ولم يكتب الله عليكم صيامه، وأنا صائم، فمن شاء فليصم، ومن شاء فليفطر" رواه البخاري.

        وقول النبي صلى الله عليه وسلم: "لئن بقيت إلى قابل لأصومن التاسع" رواه مسلم.

        وقد كان صوم يوم عاشوراء فرضاً في الإسلام، ثم نسخت فرضيته بصوم رمضان، فخيرَّ النبي صلى الله عليه وسلم المسلمين في صومه.

        وصوم يوم عاشوراء -كما سبق في الحديث الشريف- يكفر ذنوب سنة ماضية. والمراد بالذنوب: الصغائر.

        وصرح الحنفية: بكراهة صوم يوم عاشوراء منفرداً عن التاسع، أو عن الحادي عشر.

        وصرح الحنابلة: بأنه لا يكره إفراد عاشوراء بالصوم، وهذا ما يفهم من مذهب المالكية.

        وذكر العلماء في حكمة استحباب صوم تاسوعاء أوجهاً:

        أحداهما: أن المراد منه مخالفة اليهود في اقتصارهم على العاشر، وهو مروي عن ابن عباس رضي الله عنهما فقد روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: "صوموا يوم عاشوراء، وخالفوا فيه اليهود وصوموا قبله يوماً أو بعده يوماً" رواه أحمد.

        الثاني: أن المراد به وصل يوم عاشوراء بصوم، كما نهى أن يصوم يوم الجمعة وحده.

        الثالث: الاحتياط في صوم العاشر خشية نقص الهلال ووقوع الغلط، فيكون التاسع في العدد هو العاشر في نفس الأمر.

        واستحب الحنفية والشافعية صوم الحادي عشر، إن لم يصم التاسع.

        ج- صوم يوم عرفة:

        اتفق الفقهاء على استحباب صوم يوم عرفة لغير الحاج -وهو: اليوم التاسع من ذي الحجة- وصومه يكفر سنتين: سنة ماضية، وسنة مستقبلة، روى أبو قتادة -رضي الله تعالى عنه- أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "صيام يوم عرفة، أحتسب على الله أن يكفر السنة التي قبله، والسنة التي بعده" رواه مسلم.

        وهو أفضل الأيام لحديث مسلم: "ما من يوم أكثر من أن يعتق الله فيه عبداً من النار من يوم عرفة" رواه مسلم.

        وذهب جمهور الفقهاء -المالكية والشافعية والحنابلة- إلى عدم استحبابه للحاج، ولو كان قوياً، وصومه مكروه له عند المالكية والحنابلة، وخلاف الأولى عند الشافعية، لما روت أم الفضل بنت الحارث رضي الله عنهما "أنها أرسلت إلى النبي صلى الله عليه وسلم بقدح لبن، وهو واقف على بعيرة بعرفة، فشرب"رواه البخاري وعن ابن عمر رضي الله عنهما: "أنه حج مع النبي صلى الله عليه وسلم، ثم أبي بكر، ثم عمر، ثم عثمان، فلم يصمه أحد منهم" رواه الترمذي، لأنه يضعفه عن الوقوف والدعاء، فكان تركه أفضل، وقيل لأنهم أضياف الله وزواره.

        وقال الشافعية: ويسنّ فطره للمسافر والمريض مطلقاً، وقالوا : يسن صومه لحاج لم يصل عرفة إلا ليلاً، لفقد العلة.

        وذهب الحنفية إلى استحبابه للحاج -أيضاً- إذا لم يضعفه عن الوقوف بعرفات ولا يخل بالدعوات، فأن أضعفه كره له الصوم.

        د- صوم الثمانية من ذي الحجة:

        اتفق الفقهاء على استحباب صوم الأيام الثمانية التيمن أول ذي الحجة قبل يوم عرفة، لحديث ابن عباس: رضي الله تعالى عنهما مرفوعاً: "ما من أيام العمل الصالح فيها أحب إلى الله من هذه الأيام -يعني أيام العشر- قالوا: يا رسول الله ولا الجهاد في سبيل الله؟ قال: ولا الجهاد في سبيل الله، إلا رجل خرج بنفسه وماله، فلم يرجع من ذلك بشيء" رواه البخاري.

        قال الحنابلة: وآكده: الثامن، وهو يوم التروية.

        وصرح المالكية: بأن صوم يوم التروية يكفر سنة ماضية.

        وصرح المالكية، والشافعية: بأنه يسن صوم هذه الأيام للحاج أيضاً. واستثنى المالكية من ذلك صيام يوم التروية للحاج.

        هـ- صوم ستة أيام من شوال:

        ذهب جمهور الفقهاء -المالكية، والشافعية، والحنابلة ومتأخرو الحنفية- إلى أنه يسن صوم ستة أيام من شوال بعد صوم رمضان، لما روى أبو أيوب -رضي الله تعالى عنه- قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: "من صام رمضان، ثم أتبعه ستاً من شوال، كان كصيام الدهر" رواه مسلم، وعن ثوبان -رضي الله تعالى عنه- قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: "صيام شهر رمضان بعشرة أشهر وستة أيام بعدهن بشهرين، فذلك تمام السنة" رواه الدارقطني، يعني: أن الحسنة بعشرة أمثالها: الشهر بعشرة أشهر، والأيام الستة بستين يوماً، فذلك سنة كاملة.

        وصرح الشافعية والحنابلة: بأن صوم ستة أيام من شوال -بعد رمضان- يعدل صيام سنة فرضاً، وإلا فلا يختص ذلك برمضان وستة من شوال، لأن الحسنة بعشرة أمثالها.

        قال الحنفية ومحل الكراهة أن يصوم يوم الفطر، ويصوم بعده خمسة أيام، فأما إذا أفطر يوم العيد ثم صام بعده ستة أيام فليس بمكروه، بل هو مستحب وسنة.

        وقاله المالكية: يكره المالكية صومها لمقتدى به، ولمن خيف عليه اعتقاد وجوبها، إن صامها متصلة برمضان متتابعة وأظهرها، أو كان يعتقد سنية اتصالها، فإن انتفت هذه القيود استحب صيامها.

        وصرح الشافعية، والحنابلة: بأنه لا تحصل الفضيلة بصيام الستة في غير شوال، وتفوت بفواته، لظاهر الأخبار.

        ومذهب الشافعية: استحباب صومها لكل أحد، سواء أصام رمضان أم لا، كمن أفطر لمرض أو كُفْر أو غير ذلك.

        وعند الحنابلة: لا يستحب صيامها إلا لمن صام رمضان.

        وذهب الشافعية وبعض الحنابلة إلى أفضلية تتابعها عقب العيد مبادرة إلى العبادة، ولما في التأخير من الآفات.

        ذهب الحنابلة إلى عدم التفريق بين التتابع والتفريق في الأفضلية.

        وذهب الحنفية: إلى استحباب الستة متفرقة: كل أسبوع يومان.

        وذهب المالكية إلى كراهة صومها متصلة برمضان متتابعة، ونصوا على حصول الفضيلة ولو صامها في غير شوال، بل استحبوا صيامها في عشر ذي الحجة، ذلك أن محل تعيينها في الحديث في شوال على التخفيف في حق المكلف، لاعتياده الصيام، لا لتخصيص حكمها بذلك.

        وإنما قال الشارع: (من شوال) للتخفيف باعتبار الصوم، لا تخصيص حكمها بذلك الوقت، فلا جرم إن فعلها في عشر ذي الحجة مع ما روي في فضل الصيام فيه أحسن، لحصول المقصود مع حيازة فضل الأيام المذكورة. بل فعلها في ذي القعدة حسن أيضاً: والحاصل: أن كل ما بعد زمنه كثر ثوابه لشدة المشقة.

        و- صوم ثلاثة أيام من كل شهر:

        اتفق الفقهاء على أنه يسن صوم ثلاثة أيام من كل شهر.

        وذهب الجمهور منهم -الحنفية والشافعية والحنابلة- إلى استحباب كونها الأيام البيض -وهي الثالث عشر والرابع عشر والخامس عشر من كل شهر عربي- سميت بذلك لتكامل ضوء الهلال وشدة البياض فيها، لما روى أبو ذر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له: "يا أبا ذر، إذا صمت من الشهر ثلاثة أيام، فصم ثلاث عشرة، وأربع عشرة، وخمس عشرة" رواه الترمذي.

        وذهب الشافعية إلى أن والأحوط صوم الثاني عشر معها -أيضاً-، للخروج من خلاف من قال: إنه أول الثلاثة، ويستثنى ثالث عشر ذي الحجة فلا يجوز صومه لكونه من أيام التشريق. فيبدل بالسادس عشر منه.

        وذهب المالكية إلى كراهة صوم الأيام البيض، فراراً من التحديد، ومخافة اعتقاد وجوبها. ومحل الكراهة: إذا قصد صومها بعينها، واعتقد أن الثواب لا يحصل إلا بصومها خاصة. وأما إذا قصد صيامها من حيث إنها ثلاثة أيام من الشهر فلا كراهة.

        وصوم ثلاثة أيام من كل شهر كصوم الدهر، بمعنى: أنه يحصل بصيامها أجر صيام الدهر بتضعيف الأجر: الحسنة بعشرة أمثالها. لحديث قتادة بن ملحان رضي الله عنه: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمرنا أن نصوم البيض: ثلاث عشرة، وأربع عشرة، وخمس عشرة. قال: قال: وهن كهيئة الدهر" رواه أبو داود، أي كصيام الدهر.

        ز- صوم الإثنين والخميس من كل أسبوع:

        اتفق الفقهاء على استحباب صوم يوم الإثنين والخميس من كل أسبوع.

        لما روى أسامة بن زيد رضي الله تعالى عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصوم يوم الإثنين والخميس. فسئل عن ذلك؟ فقال: "إن أعمال العباد تعرض يوم الإثنين والخميس" رواه أبو داود، وفي رواية النسائي "وأحب أن يعرض عملي وأنا صائم"، ولما ورد من حديث أبي قتادة -رضي الله عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عن صوم الإثنين فقال: "فيه ولدت، وفيه أنزل علي" رواه مسلم.

 

 

        ح- صوم الأشهر الحرم:

        ذهب جمهور الفقهاء -الحنفية والمالكية والشافعية- إلى استحباب صوم الأشهر الحرم.

        وصرح المالكية والشافعية بأن أفضل الأشهر الحرم: المحرم، ثم رجب، ثم باقيها: ذو القعدة وذو الحجة. والأصل في ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم: "والأصل في ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم: "أفضل الصلاة بعد الصلاة المكتوبة الصلاة في جوف الليل، وأفضل الصيام بعد شهر رمضان صيام شهر الله المحرم" رواه مسلم.

        وذهب الحنفية: إلى أنه من المستحب أن يصوم الخميس والجمعة والسبت من كل شهر من الأشهر الحرم.

        وذهب الحنابلة إلى أنه يسن صوم شهر المحرم فقط من الأشهر الحرم.

        وذكر بعضهم استحباب صوم الأشهر الحرم، لكن الأكثر لم يذكروا استحبابهن بل نصوا على كراهة إفراد رجب بالصوم، لما روى ابن عباس -رضي الله تعالى عنهما-: أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن صيام رجب" رواه ابن ماجه. ولأن فيه إحياء لشعار الجاهلية بتعظيمه. وتزول الكراهة بفطره فيه ولو يوماً، أو بصومه شهراً آخر من السنة وإن لم يل رجباً.

        ط- صوم شهر شعبان:

        ذهب جمهور الفقهاء -الحنفية والمالكية والشافعية- إلى استحباب صوم شهر شعبان، لما روت عائشة رضي الله تعالى عنها قالت: "ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم أكثر صياماً منه في شعبان" رواه البخاري. وعنها قالت: "كان أحب الشهور إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يصومه شعبان، بل كان يصله برمضان" رواه النسائي.

        وعن عائشة -رضي الله عنها- قالت: "ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم استكمل صيام شهر قط إلا رمضان" متفق عليه. قال العلماء: وإنما لم يستكمل ذلك لئلا يظن وجوبه.

        وذهب الحنابلة إلى عدم استحباب صوم شعبان، وذلك في قول الأكثر.

        ي- صوم يوم الجمعة:

        ذهب الحنفية إلى أنه لا بأس عند الحنفية بصوم يوم الجمعة بانفراده.

        _وذهب المالكية: إلى ندبه، لما روى عن ابن عباس -رضي الله تعالى عنهما- أنه كان يصومه ولا يفطر.

        وقال بعض الحنفية: جاء حديث في كراهته إلا أن يصوم قبله وبعده، فكان الاحتياط أن يضم إليه يوماً آخر، وثبت بالسنة طلبه والنهي عنه، والآخر منهما النهي، لأن فيه وظائف، فلعله إذا صام ضعف عن فعلها.

        ومحل النهي عند المالكية هو مخافة فرضيته، وقد انتفت هذه العلة بوفاة النبي صلى الله عليه وسلم.

        وذهب الشافعية والحنابلة إلى كراهة إفراد يوم الجمعة بالصوم، لحديث: "لا يصم أحدكم يوم الجمعة، إلا أن يصوم قبله أو بعده" رواه البخاري ومسلم، وليتقوى بفطره على الوظائف المطلوبة فيه، أو لئلا يبالغ في تعظيمه كاليهود في السبت، ولئلا يعتقد وجوبه، ولأنه يوم عيد وطعام .

        6- حكم الشروع في صوم التطوع:

        ذهب الحنفية والمالكية إلى لزوم صوم التطوع بالشروع فيه، وأنه يجب على الصائم المتطوع إتمامه إذا بدأ فيه، لما ورد أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إذا دعي أحدكم فليجب، فإن كان صائماً فليُصَلِّ، وإن كان مفطراً فليطعم" رواه مسلم قوله: فليُصَلِّ: أي فلْيَدْعُ. ثبت هذا عنه عليه الصلاة والسلام، ولو كان الفطر جائزاً لكان الأفضل الفطر، لإجابة الدعوة التي هي السنة.

        وذهب الشافعية والحنابلة إلى عدم لزوم صوم التطوع بالشروع فيه، ولا يجب على الصائم تطوعاً إتمامه إذا بدأ فيه، وله قطعه في أي وقت شاء، لما روت عائشة رضي الله تعالى عنها قالت: "قلت: يا رسول الله، أهدي لنا حيس، فقال: "أرنيه، فلقد أصبحت صائماً" فأكل رواه مسلم. وزاد النسائي "إنما مثل صوم التطوع مثل الرجل يخرج من ماله الصدقة، فإن شاء أمضاها، وإن شاء حبسها". ولقول النبي صلى الله عليه وسلم: "الصائم المتطوع أمين نفسه، إن شاء صام، وإن شاء أفطر" رواه الترمذي.

        7- إفساد صوم التطوع وما يترتب عليه:

        ذهب الحنفية والمالكية إلى حرمة إفساد صوم التطوع لغير عذر.

        وذهب الشافعية والحنابلة إلى كراهة قطعه بلا عذر، واستحباب إتمامه لظاهر قوله تعالى: {وَلا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ} [محمد: 33]، وللخروج من خلاف من أوجب إتمامه.

        ومن الأعذار التي ذكرها الحنفية والمالكية لجواز الفطر: الحلف على الصائم بطلاق امرأته إن لم يفطر، فحينئذ يجوز له الفطر، بل نص الحنفية على ندب الفطر دفعاً لتأذي أخيه المسلم، لكن الحنفية قيدوا جواز الفطر إلى ما قبل نصف النهار أما بعده فلا يجوز.

        وكذلك من الأعذار عند الحنفية: الضيافة للضيف والمضيف إن كان صاحبها ممن لا يرضى بمجرد الحضور، وكان الصائم يتأذى بترك الإفطار، شريطة أن يثق بنفسه بالقضاء.

        وقيد المالكية جواز الفطر بالحلف بالطلاق بتعلق قلب الحالف بمن حلف بطلاقها، بحيث يخشى أن لا يتركها إن حنث، فحينئذ يجوز للمحلوف عليه الفطر، ولا قضاء عليه أيضاً.

        ومن الأعذار -أيضاً-: أمر أحد أبويه له بالفطر.

        وقيد الحنفية جواز الإفطار بما إذا كان أمر الوالدين إلى العصر لا بعده، ووجهه أن قرب وقت الإفطار يرفع ضرر الانتظار.

        وألحق المالكية بالأبوين: الشيخ في السفر، الذي أخذ على نفسه العهد أن لا يخالفه، ومثله عندهم: شيخ العلم الشرعي.

        وذهب الشافعية إلى استحباب قطع صوم التطوع إن كان هنا كعذر، كمساعدة ضيف في الأكل إذا عز عليه امتناع مضيفة منه، أو عكسه. أما إذا لم يعز على أحدهما امتناع الآخر عن ذلك فالأفضل عدم خروجه منه.

        واختلف الفقهاء في حكم قضاء صوم التطوع عند إفساده.

        فذهب الحنفية والمالكية إلى وجوب قضاء صوم التطوع عند إفساده. لما روت عائشة رضي الله تعالى عنها أنها قالت: "كنت أنا وحفصة صائمتين، فعرض لنا طعام اشتهيناه، فأكلنا منه، فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم، فبدرتني إليه حفصة -وكانت ابنة أبيها- فقالت: يا رسول الله إنا كنا صائمتين، فعرض لنا طعام اشتهيناه فأكلنا منه، فقال: اقضيا يوماً آخر مكانه" رواه الترمذي.

        ولأن ما أتى به قربة، فيجب صيانته وحفظه عن البطلان، وقضاؤه عند الإفساد لقوله تعالى: {وَلا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ} [محمد: 33]، ولا يمكن ذلك إلا بإتيان الباقي، فيجب إتمامه، وقضاؤه عند الإفساد ضرورة، فصار كالحج والعمرة التطوّعين.

        ومذهب الحنفية: وجوب القضاء عند الإفساد مطلقاً، أي: سواء أفسد عن قصد -وهذا لا خلاف فيه- أو غير قصد، بأن عرض الحيض للصائمة المتطوعة، واستثنوا من ذلك: صوم العيدين وأيام التشريق، فلا تلزم بالشروع، لا أداءً ولا قضاءً، إذا أفسد، لإرتكابه النهي بصيامها، فلا تجب صيانته، بل يجب إبطاله، ووجوب القضاء ينبني على وجوب الصيانة، فلم يجب قضاء، كما لم يجب أداء.

        وخصّ المالكية وجوب القضاء بالفطر العمد الحرام، وذلك كمن شرع في صوم التطوع، ثم أفطر من غير ضرورة ولا عذر، احترز بالعمد من النسيان والإكراه، وبالحرام : عمن أفطر لشدة الجوع والعطش والحر الذي يخاف من تجدد مرض أو زيادته، وكذلك عمن أفطر لأمر والديه وشيخه، وعدّواً السفر الذي يطرأ عليه من الفطر العمد.

                        وذهب الشافعية والحنابلة إلى أنه لا يجب القضاء على من أفسد صوم التطوع، لأن القضاء يتبع المقضى عنه، فإذا لم يكن واجباً، لم يكن القضاء واجباً، لكن يندب له القضاء، سواء أفسد صوم التطوع بعذر أم بغير عذر، خروجاً من خلاف من أوجب قضاءه.

        ونصّ الشافعية والحنابلة على أنه إذا أفطر الصائم تطوعاً لم يثب على ما مضى، إن خرج منه بغير عذر، ويثاب عليه إن خرج بعذر.

        - الإذن في صوم التطوع:

        اتفق الفقهاء على أنه ليس للمرأة أن تصوم تطوعاً إلا بإذن زوجها، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: "لا تصم المرأة وبعلها شاهد، إلا بإذنه" رواه مسلم، ولأن حق الزوج فرض، فلا يجوز تركه لنفل.

        ولو صامت المرأة بغير إذن زوجها صح مع الحرمة عند جمهور الفقهاء، والكراهة التحريمية عند الحنفية.

         وخصَّ الشافعية الحرمة بما يتكرر صومه، أما ما لا يتكرر صومه كعرفة وعاشوراء وستة من شوال فلها صومها بغير إذنه، إلا إن منعها.

        ولا تحتاج المرأة إلى إذن الزوج إذا كان غائباً، لمفهوم الحديث ولزوال معنى النهي.

        قال الشافعية: وعلمها برضاه كإذنه. ومثل الغائب عند الحنفية: المريض، والصائم والمحرم بحج أو عمرة.

        قال الحنفية: وإذا كان الزوج مريضاً أو صائماً أو محرماً لم يكن له منع الزوجة من ذلك، ولها أن تصوم وإن نهاها.

        وصرح الحنفية والمالكية بأنه لا يصوم الأجير تطوعاً إلا بإذن المستأجر، إن كان صومه يضرّ به في الخدمة، وإن كان لا يضره فله أن يصوم بغير إذنه.

        وإذا صامت الزوجة تطوعاً بغير إذن زوجها فله أن يفطّرها.

        وخص المالكية جواز تفطيرها بالجماع فقط، أما بالأكل والشرب فليس له ذلك، لأن احتياجه إليها الموجب لتفطيرها إنما هو من جهة الوطء.

        8- التطوع بالصوم قبل قضاء رمضان:

        اختلف الفقهاء في حكم التطوع بالصوم قبل قضاء رمضان.

        فذهب الحنفية إلى جواز التطوع بالصوم قبل قضاء رمضان من غير كراهة، لكون القضاء لا يجب على الفور، ولو كان الوجوب على الفور لكره، لأنه يكون تأخيراً للواجب عن وقته الضيق.

        وذهب المالكية والشافعية إلى الجواز مع الكراهة، لما يلزم من تأخير الواجب، ويكره التطوع بالصوم لمن عليه صوم واجب، كالمنذور والقضاء والكفارة. سواء كان صوم التطوع الذي قدمه على الصوم الواجب غير مؤكد، أو كان مؤكداً، كعاشوراء وتاسع ذي الحجة على الراجح.

        وذهب الحنابلة إلى حرمة التطوع بالصوم قبل قضاء رمضان، وعدم صحة التطوع حينئذ ولو اتسع الوقت للقضاء، ولا بد من أن يبدأ بالفرض حتى يقضيه، وإن كان عليه نذر صامه بعد الفرض أيضاً، لما روى أبو هريرة رضي الله تعالى عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من صام تطوعاً وعليه من رمضان شيء لم يقضه فإنه لا يتقبل منه حتى يصومه" رواه أحمد، وقياساً على الحج. في عدم جواز أن يحج عن غيره أو تطوعاً قبل حج الفريضة.

 

الاعتكاف

1- تعريف الاعتكاف.

2- مشروعية الاعتكاف.

3- وقت الاعتكاف.

4- مكان الاعتكاف.

5- حكم الاعتكاف.

6- ما يوجبه النذر على المعتكف.

7- شروط الاعتكاف:

8- ما يلزم المعتكف وما يجوز له.

9- آداب الاعتكاف.

10- مكروهات الاعتكاف.

11- مبطلات الاعتكاف.

12- حكم الاعتكاف إذا فسد.

        المبحث الأول - تعريف الاعتكاف ومشروعيته ومكانه وزمانه:

        1- تعريفه: الاعتكاف لغة: اللبث وملازمة الشيء أو الدوام عليه خيراً كان أو شراً.

        ومنه قوله تعالى: {يَعْكُفُونَ عَلَى أَصْنَامٍ لَهُمْ} [الأعراف: 138] وقوله: {مَا هَذِهِ التَّمَاثِيلُ الَّتِي أَنْتُمْ لَهَا عَاكِفُونَ} [الأنبياء: 52] وقوله سبحانه: {وَلا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ} [البقرة: 187].

        وشرعاً له تعاريف متقاربة في المذاهب.

        قال الحنفية: هو اللبث في المسجد الذي تقام فيه الجماعة، مع الصوم، ونية الاعتكاف.

        وقال المالكية: هو لزوم مسلم مميز مسجداً مباحاً لكل الناس، بصوم، كافَّاً عن الجماع ومقدماته، يوماً وليلة فأكثر، للعبادة، بنية.

        وقال الشافعية: هو اللبث في المسجد من شخص مخصوص بنية.

        وقال الحنابلة: هو لزوم المسجد لطاعة الله، على صفة مخصوصة، من مسلم عاقل ولو مميزاً طاهر مما يوجب غسلاً، وأقله ساعة.

        2- وأدلة مشروعيته: الكتاب والسنة والإجماع، فالكتاب: لقوله تعالى:

{وَلا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ} فالإضافة في الآية إلى المساجد المختصة بالقربات، وترك الوطء المباح لأجله، دليل على أنه قربة.

        والسنة: لما روى ابن عمر وأنس وعائشة أن "النبي صلى الله عليه وسلم كان يعتكف في العشر الأواخر من رمضان، منذ قدم المدينة إلى أن توفاه الله تعالى" متفق عليه.

        وأجمع العلماء على مشروعيته.

        3- وقت الاعتكاف: أنه مستحب كل وقت في رمضان وغيره.

        ذهب الحنفية إلى أنَّ أقلَّ اعتكاف والنفل: مدة يسيرة غير محدودة، وإنما بمجرد المكث مع النية، ولو نواه ماشياً على المفتى به، لأنه متبرع، وليس الصوم في النفل من شرطه، ويعد كل جزء من اللبث عبادة مع النية بلا انضمام إلى آخر. ولا يلزم قضاء نفل شرع فيه، لأنه لا يشترط له الصوم.

        وذهب المالكية إلى أن أقلَّ الاعتكاف يوم وليلة، والاختيار: ألا ينقص من عشرة أيام، بمطلق صوم من رمضان أو غيره، فلا يصح من مفطر، ولو لعذر، فمن لا يستطيع الصوم لا يصح اعتكافه.

        وذهب الشافعية في الأصح عندهم: إلى أنه يشترط في الاعتكاف لبث قدر يسمى عكوفاً أي إقامة، بحيث يكون زمنها فوق زمن الطمأنينة في الركوع ونحوه، فلا يكفي قدرها، ولا يجب السكون، بل يكفي التردد فيه.

        وذهب الحنابلة إلى أنَّ أقله: ساعة أي ما يسمى به معتكفاً لابثاً، ولو لحظة. فالجمهور على الاكتفاء بمدة يسيرة، والمالكية يشترطون لأقله يوماً وليلة.

        4- محل الاعتكاف: عند الحنفية للرجل أو المميز في مسجد الجماعة: وهو ماله إمام ومؤذن، سواء أديت فيه الصلوات الخمس أو لا، وأما الجامع فيصح فيه مطلقاً اتفاقاً. بدليل قول ابن مسعود: "لا اعتكاف إلا في مسجد جماعة"، وللمرأة في مسجد بيتها: وهو المعد لصلاتها، الذي يندب لها ولكل أحد اتخاذه.

        وذهب الحنابلة: إلى أنه لا يجوز الاعتكاف من رجل تلزمه الصلاة جماعة إلا في مسجد تقام فيه الجماعة، فلا يصح بغير مسجد بلا خلاف، لقوله تعالى:

{وَلا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ} فلو صح في غيرها لم تختص بتحريم المباشرة، إذ هي محرمة في الاعتكاف مطلقاً.

        ويصح الاعتكاف في كل مسجد في الحالات التالية :

        1- إن كان الاعتكاف مدة غير وقت الصلاة كليلة، أو بعض يوم، لعدم المانع، وإن كانت الجماعة تقام في مسجد في بعض الزمان، جاز الاعتكاف فيه في ذلك الزمان دون غيره.

        2- إن كان المعتكف ممن لا تلزمه الجماعة كالمريض والمعذور والمرأة والصبي ومن هو في قرية لا يصلي فيها سواه، فله أن يعتكف في كل مسجد، لأن الجماعة غير واجبة عليه. ولا يصح للمرأة الاعتكاف في مسجد بيتها، لأنه ليس بمسجد حقيقة ولا حكماً، ولو جاز لفعلته أمهات المؤمنين، ولو مرة، تبييناً للجواز.

        وإذا اعتكفت المرأة في المسجد، استحب لها أن تستتر بشيء، لأن أزواج النبي صلى الله عليه وسلم لما أردن الاعتكاف أمرن بأبنيتهن، فضربن في المسجد، ولأن المسجد يحضره الرجال، وخير لهم وللنساء ألا يرونهن ولا يرينهم.

        ولا يصح الاعتكاف ممن تلزمه الجماعة في مسجد تقام فيه الجمعة دون الجماعة إذا كان يأتي عليه وقت صلاة، حتى لا يترك الجماعة.

        ويلاحظ أن سطح المسجد ورحبته المحوطة به وعليها باب، ومنارته التي تكون فيه أو التي بابها فيه من المسجد، بدليل منع الجنب من الدخول فيما ذكر.

        وكذا كل ما زيد في المسجد حتى في الثواب يعد من المسجد، ولو المسجد الحرام ومسجد المدينة.

        ولو اعتكف من لا تلزمه الجمعة كالمسافر والمرأة في مسجد لا تصلى فيه الجمعة، بطل اعتكافه بخروجه إليها إن لم يشترط الخروج إليها، لأنه خروج لازم لابد له منه.

        والأفضل الاعتكاف في المسجد الجامع إذا كانت الجمعة تتخلله، لئلا يحتاج إلى الخروج إليها، فيترك الاعتكاف، مع إمكان التحرز منه.

        ومن نذر الاعتكاف أو الصلاة في مسجد غير المساجد الثلاثة، فله فعل المنذور من اعتكاف أو صلاة في غيره، لأن الله تعالى لم يعين لعبادته موضعاً، فلم يتعين بالنذر، ولو تعين لاحتاج إلى شد رحل.

        وإن نذر الاعتكاف أو الصلاة في أحد المساجد الثلاثة: المسجد الحرام، ومسجد النبي صلى الله عليه وسلم، والمسجد الأقصى، لم يجزئه في غيرها، لفضل العبادة فيها على غيرها، فتتعين بالتعيين. وله شد الرحال إلى المسجد الذي عينه من الثلاثة، لحديث أبي هريرة: "لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد: المسجد الحرام، والمسجد الأقصى، ومسجدي هذا".

        وأفضلها المسجد الحرام، ثم مسجد النبي صلى الله عليه وسلم، ثم المسجد الأقصى، فإن عين الأفضل منها وهو المسجد الحرام في نذره، لم يجزئه الاعتكاف ولا الصلاة فيما دونه، لعدم مساواته له.

        وذهب المالكية: إلى أن مكان الاعتكاف هو المساجد كلها، ولا يصح في مسجد البيوت المحجورة، ومن نوى الاعتكاف مدة يتعين عليه إتيان الجمعة في أثنائها، تعين الجامع، لأنه إن خرج إلى الجمعة، بطل اعتكافه. ويلزم الوفاء بالنذر في المكان الذي عينه الناذر، فإذا عين مسجد مكة أو المدينة في نذر الصلاة أو الاعتكاف، وجب عليه الوفاء فيهما. والمدينة عند المالكية أفضل من مكة، ومسجدها أفضل من المسجد الحرام، ويليهما المسجد الأقصى.

        وذهب الشافعية: إلى أنَّه إنما يصح الاعتكاف في المسجد، سواء في سطحه أو غيره التابع له، والجامع أولى بالاعتكاف فيه من غيره، للخروج من خلاف من أوجبه، ولكثرة الجماعة فيه، وللاستغناء عن الخروج للجمعة. ويجب الجامع للاعتكاف فيه إن نذر مدة متتابعة فيها يوم الجمعة، وكان ممن تلزمه الجمعة، ولم يشترط الخروج لها.

        ولا يصح اعتكاف امرأة في مسجد بيتها: وهو المعتزل المهيأ للصلاة، لأنه ليس بمسجد.

        وإن نذر أن يعتكف في مسجد غير المساجد الثلاثة بعينه، جاز أن يعتكف في غيره، لأنه لا مزية لبعضها على بعض، فلم يتعين.

        وإن نذر أن يعتكف في أحد المساجد الثلاثة (المسجد الحرام ومسجد المدينة والأقصى) تعين، ولزمه أن يعتكف فيه، لما روى عمر رضي الله عنه، قال: "قلت لرسول الله صلى الله عليه وسلم: إني نذرت أن أعتكف ليلة في المسجد الحرام، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: أوف بنذرك" متفق عليه ويقوم المسجد الحرام مقامهما لمزيد فضله عليهما وتعلق النسك به، ولا عكس، فلا يقومان مقام المسجد الحرام، لأنهما دونه في الفضل، ويقوم مسجد المدينة مقام الأقصى، لأنه أفضل منه، ولا عكس، لأنه دونه في الفضل.

        والخلاصة: أن المالكية والشافعية يجيزون الاعتكاف في أي مسجد، والحنفية والحنابلة يشترطون كونه في المسجد الجامع، ولا يجوز عند الجمهور الاعتكاف في مسجد البيوت، ويجوز ذلك للمرأة عند الحنفية.

        المبحث الثاني- حكم الاعتكاف وما يوجبه النذر على المعتكف:

        وفيه مطلبان:

        5- المطلب الأول- حكم الاعتكاف:

        الاعتكاف غير المنذور مستحب باتفاق العلماء، ولكن يحسن بيان الآراء المذهبية لتحديد رتبة السنة على وجه الدقة.

        ذهب الحنفية: إلى أن الاعتكاف ثلاثة أنواع: واجب، وسنة مؤكدة، ومستحب.

        أما الواجب: فهو المنذور، كقوله: "لله علي أن أعتكف يوماً" أو أكثر مثلاً.

        وأما السنة المؤكدة على سبيل الكفاية: فهي اعتكاف العشر الأخير من رمضان، لاعتكافه صلى الله عليه وسلم العشر الأواخر من رمضان حتى توفاه الله، ثم اعتكف أزواجه بعده.

        وأما المستحب: فهو في أي وقت سوى العشر الأخير، ولم يكن منذوراً، كأن ينوي الاعتكاف عند دخول المسجد، وأقله: مدة يسيرة، ولو كانت مشياً.

        والصوم شرط لصحة الاعتكاف المنذور فقط وغير شرط في التطوع، وأقله يوم، فلو نذر اعتكاف ليلة لم يصح، وإن نوى معها اليوم لعدم محليتها للصوم، أما لو نوى بها اليوم صح.

        ولو نذر الاعتكاف ليلاً ونهاراً، يصح، وإن لم يكن الليل محلاً للصوم، لأنه يدخل الليل تبعاً.

        وذهب المالكية: إلى أن الاعتكاف قربة ونافلة من نوافل الخير ومندوب إليه بالشرع أو مرغب فيه شرعاً للرجال والنساء، لا سيما في العشر الأواخر من رمضان، ويجب بالنذر.

        وذهب الشافعية والحنابلة: إلى أنَّ الاعتكاف سنة أو مستحب كل وقت، إلا أن يكون نذراً، فيلزم الوفاء به، لأن النبي صلى الله عليه وسلم فعله ودوام عليه، تقرباً إلى الله تعالى، واعتكف أزواجه بعده معه. فإن نذره وجب الوفاء به على الصفة التي نذرها من تتابع وغيره، لحديث: "من نذر أن يطيع الله فليطعه". رواه البخاري.

 

        6- المطلب الثاني- ما يوجبه النذر على المعتكف:

        إذا نذر المسلم نذر يوم أو أيام، فهل يدخل معه الليل، وهل يجب التتابع بين الأيام أم لا، ومتى يدخل المعتكف هل قبل الغروب أم قبل طلوع الفجر ؟.

        ذهب الجمهور: إلى أن دخول الليل مع اليوم، ويجب التتابع بين الأيام المنذورة كأسبوع أو شهر، ويدخل المعتكف قبل غروب شمس ذلك اليوم، ويخرج بعد الغروب من آخر يوم.

        وذهب الشافعية إلى عدم دخول الليلة مع اليوم إلا في العشر الأخير من رمضان، ولا يلزمه التتابع فيه إلا بشرط، ويدخل المعتكف قبل طلوع الفجر، ويخرج منه بعد غروب الشمس.

        وذهب الحنفية: إلى أن من أوجب على نفسه اعتكاف يومين فأكثر، لزمه اعتكافها بلياليها، لأن الليالي تدخل تبعاً لأن ذكر الأيام بلفظ الجمع يدخل فيها لياليها، ويلزمه تتابعها وإن لم يشترط التتابع، لأن مبنى الاعتكاف على التتابع، بخلاف الصوم فإن مبناه على التفرق، لأن الليالي غير قابلة للصوم، فيجب على التفرق، أما الاعتكاف فالأوقات كلها قابلة له.

        وتدخل الليلة الأولى، ويدخل المسجد قبل الغروب من أول ليلة، ويخرج منه بعد الغروب من آخر أيامه.

        ومن نذر اعتكاف الليالي لزمته الأيام، وتلزمه الليالي بنذر اعتكاف أيام متتابعة، ويلاحظ أن الليالي تابعة للأيام إلا ليلة عرفة وليالي النحر فتبع للنُهُر(1) الماضية رفقاً بالناس.

____________________

(1) جمع نهار.

        وعبارة المالكية: إلى أنَّه يلزم المعتكف يوم بليلته المنذورة، وإن نذر ليلة فقط، فمن نذر ليلة الخميس، لزمه ليلته وصبيحتها، ولا يتحقق الصوم الذي هو من شروط الاعتكاف إلا باليوم، لا إن نذر بعض يوم فلا يلزمه شيء.

        ولزم تتابع الاعتكاف في نذر مطلق، أي لم يقيد بتتابع ولا عدمه، وأما الاعتكاف غير المنذور، فيلزم ما نواه قل أو كثر بدخوله معتكفه.

        ولزم دخول المعتكف قبل الغروب أو معه، ليتحقق له كمال الليلة. ولزم خروجه من معتكفه بعد الغروب ليتحقق له كمال النهار.

        وذهب الحنابلة: إلى أن من نذر اعتكاف شهر، لزمه التتابع، ودخلت فيه الليالي، ودخل معتكفه قبل غروب شمس ليلته الأولى، ولا يخرج إلا بعد غروب شمس آخر أيامه.

        وإن نذر اعتكاف يوم لم يجز تفريقه، ولم تدخل ليلته، ويلزمه أن يدخل معتكفه قبل طلوع الفجر، ويخرج منه بعد غروب الشمس، لأن الليلة ليست من اليوم، وهي من الشهر، وإطلاق اليوم يفهم منه التتابع فيلزمه، كما لو قال متتابعاً، وكذا إطلاق الشهر يقتضي التتابع، كما لو حلف: "لا يكلم زيداً شهراً" وكمدة الإيلاء والعنة والعدة، بخلاف الصيام. فإن أتى بشهر بين هلالين أجزأه ذلك، وإن كان الشهر ناقصاً، وإن اعتكف ثلاثين يوماً من شهرين جاز، وتدخل فيه الليالي، لأن الشهر عبارة عنهما، ولا يجزئه أقل من ذلك.

        وذهب الشافعية: إلى أنه إذا نذر اعتكاف يوم لم يلزمه معه ليلة، بلا خلاف، فالليلة ليست من اليوم، بل يلزمه أن يدخل معتكفه قبل طلوع الفجر ويخرج منه بعد غروب الشمس، لأن حقيقة اليوم: ما بين الفجر وغروب الشمس.

        وإن نذر اعتكاف شهر بعينه، لزمه اعتكافه ليلاً ونهاراً أي دخلت لياليه، سواء أكان الشهر تاماً أم ناقصاً، لأن الشهر عبارة عما بين الهلالين أي جميع الشهر، تم أو نقص إلا أن يستثنيها لفظاً. وإن نذر اعتكاف نهار الشهر، لزمه النهار دون الليل، لأنه خص النهار، فلا يلزمه الليل. وهذا موافق للحنابلة.

        والراجح عند الأكثرين من الشافعية أنه إن نوى التتابع أو صرح به، لزمته الليلة، وإلا فلا.

        والصحيح أنه لا يجب التتابع بلا شرط، وأنه لو نذر يوماً لم يجز تفريق ساعاته، وأنه لو عين مدة كأسبوع وتعرض للتابع فيها لفظاً وفاتته، لزمه التتابع في القضاء، وإن لم يتعرض للتتابع لم يلزمه في القضاء جزماً، لأن التتابع فيه لم يقع مقصوداً، بل لضرورة تعين الوقت، فأشبه التتابع في شهر رمضان.

        7- المبحث الثالث- شروط الاعتكاف:

        يشترط لصحة الاعتكاف ما يلي:

        1- الإسلام: فلا يصح الاعتكاف من الكافر، لأنه من فروع الإيمان.

        2- العقل أو التمييز: فلا يصح من مجنون ونحوه، ولا من صبي غير مميز، لأنه ليس من أهل العبادات، فلم يصح منه الاعتكاف كالكافر، ويصح اعتكاف الصبي المميز.

        3- كونه في المسجد: فلا يصح في البيوت، كما بينا، إلا أن الحنفية أجازوا للمرأة الاعتكاف في مسجد بيتها: وهو محل عينته للصلاة فيه.

        4- النية اتفاقاً: فلا يصح الاعتكاف إلا بالنية، ولأنه عبادة محضة، فلم تصح من غير نية كالصوم والصلاة وسائر العبادات. وأضاف الشافعية: إن كان الاعتكاف فرضاً، لزمه تعيين النية للفرض، لتميزه عن التطوع.

        5- الصوم: شرط مطلقاً عند المالكية، وشرط عند الحنفية في الاعتكاف المنذور فقط دون غيره من التطوع، وليس بشرط عند الشافعية والحنابلة فيصح بلا صوم، إلا أن ينذره مع الاعتكاف، ويصح عند الجمهور غير المالكية اعتكاف الليل وحده إذا لم يكن منذوراً.

        6- الطهارة من الجنابة والحيض والنفاس: شرط عند الجمهور، إلا أن الخلو من الجنابة شرط عند المالكية لحل المكث في المسجد، لا لصحة الاعتكاف، فإذا احتلم المعتكف وجب عليه الغسل إما في المسجد إن وجد في ماء، أو خارج المسجد.

        وكذلك قال الحنفية: الخلو من الجنابة شرط لحل الاعتكاف، لا لصحته، فلو اعتكف الجنب، صح اعتكافه مع الحرمة. وأما الخلو عن الحيض والنفاس فهو شرط لصحة الاعتكاف الواجب وهو المنذور، لأن الصوم شرط لصحته، ولا يصح الصوم من الحائض والنفساء.

        7- إذن الزوج لزوجته: ذهب الجمهور إلى أنه الحنفية والشافعية والحنابلة، فلا يصح اعتكاف المرأة بغير إذن زوجها، ولو كان اعتكافها منذوراً.

        وذهب المالكية إلى أن اعتكاف المرأة بغير إذن زوجها صحيح مع الإثم.

        وأضاف المالكية شرطاً آخر: وهو الاشتغال بالعبادة على قدر الاستطاعة ليلاً ونهاراً، من الصلاة والذكر والتلاوة خاصة، فلا يشهد جنازة ولا يعود مريضاً، ولا يدرس العلم.

        8- المبحث الرابع: ما يلزم المعتكف وما يجوز له:

        اتفق الفقهاء على أنه يلزم المعتكف في الاعتكاف الواجب البقاء في المسجد، لتحقيق ركن الاعتكاف وهو المكث والملازمة والحبس، ولا يخرج إلا لعذر شرعي أو ضرورة أو حاجة.

        ذهب الحنفية: إلى أنه يجوز للمعتكف الخروج في اعتكاف النفل أو السنة المؤكدة، لأن الخروج ينهي الاعتكاف ولا يبطله، لكن لو شرع في المسنون وهو العشر الأواخر من رمضان بنيته، ثم أفسده، يجب عليه قضاء اليوم الذي أفسده لاستقلال كل يوم بنفسه، في رأي جمهور الحنفية.

        وحرم على المعتكف اعتكافاً واجباً الخروج إلا لعذر شرعي كأداء صلاة الجمعة والعيدين، فيخرج في وقت يمكنه إدراكها مع صلاة سنة الجمعة قبلها، ثم يعود، وإن أتم اعتكافه في الجامع صح وكره.

        أو لحاجة طبيعية: كالبول والغائط وإزالة النجاسة، والاغتسال من جنابة باحتلام، لأنه عليه الصلاة والسلام كان لا يخرج من معتكفه إلا لحاجة.

        أو لحاجة ضرورية: كانهدام المسجد، أو أداء شهادة تعينت عليه، أو خوف على نفسه أو متاعه من المكابرين، أو إخراج ظالم له كرهاً وتفرق أهله. وعليه أن يدخل مسجداً آخر غيره من ساعته.

        فإن خرج ولو ناسياً ساعة بلا عذر، فسد الواجب، وانتهى به غيره، وعليه قضاء الواجب الذي أفسده إلا إذا أفسده بالردة، لأنها تسقط ما وجب عليه قبلها. وإن خرج لعذر يغلب وقوعه: وهو الحاجة الطبيعية والشرعية لم يفسد اعتكافه. وإن خرج لعذر نادر كإنجاء غريق وانهدام مسجد، فلا يأثم، لكن يبطل اعتكافه، إذا لم يخرج إلى مسجد آخر مباشرة.

        ويفسد اعتكافه بالخروج لعيادة مريض أو تشييع جنازة، وإن تعينت عليه، إلا أنه لا يأثم. قالت عائشة: "السنة على المعتكف ألا يعود مريضاً، ولا يشهد جنازة، ولا يمسَّ امرأة ولا يباشرها، ولا يخرج لحاجة إلا لما لا بد منه، ولا اعتكاف إلا بصوم، ولا اعتكاف إلا في مسجد جامع". رواه أبو دواد والنسائي.

        والأكل والشرب والنوم والعقد المحتاج إليه لنفسه أو عياله كبيع ونكاح ورجعة يكون في معتكفه، لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن له مأوى إلا المسجد، ولأنه يمكن قضاء هذه الحاجة في المسجد، فلا ضرورة إلى الخروج.

        فلابأس بأن يبيع ويبتاع في المسجد من غير أن يحضر السلعة، لأنه قد يحتاج إلى ذلك بأن لا يجد من يقوم بحاجته، لكن يكره تحريماً البيع لتجارة وإحضار المبيع أو السلعة إلى المسجد، ومبايعة غير المعتكف فيه مطلقاً، لأن المسجد محرر عن حقوق العباد، وفيه انشغال بها، وثبت أنه "صلى الله عليه وسلم نهى عن الشراء والبيع في المسجد، وأن ينشد فيه ضالة، أو ينشد فيه شعر، ونهى عن التحلق قبل الصلاة يوم الجمعة". رواه أبو داود والترمذي.

        وذهب المالكية: إلى أنه لا يخرج من معتكفه إلا لأربعة أمور : لحاجة الإنسان، ولما لابد منه من شراء معاشه، وللمرض، والحيض، وإذا خرج لشيء من ذلك، فهو في حكم الاعتكاف حتى يرجع. فلا يخرج لعيادة مريض وصلاة جنازة وصعود لأذان أو سطح للمسجد، ويجوز سلامه على من بقربه، وتطيبه بأنواع الطيب وإن كره للصائم غير المعتكف، لأن معه مانعاً يمنعه من إفساد اعتكافه وهو بالمسجد، وجاز له أن يزوج ويتزوج، ويستصحب ثوباً غير الذي عليه، لأنه ربما احتاج له.

        وذهب الشافعية: إلى أنه لا يجوز للمعتكف أن يخرج من المسجد لغير عذر، لقول عائشة: "إن كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ليدخل علي رأسه وهو في المسجد، فأُرجِّله، وكان لا يدخل البيت إلا لحاجة الإنسان، إذا كان معتكفاً" رواه البخاري ومسلم. فيجوز أن يخرج رأسه وأرجله أو يخرج للحاجة الطبيعية، ولا يبطل اعتكافه لحديث عائشة هذا. فإن خرج من غير عذر بطل اعتكافه، لأنه فعل ما ينافي الاعتكاف: وهو اللبث في المسجد.

        ويجوز أن يمضي إلى البيت للأكل، ولا يبطل اعتكافه، لأن الأكل في المسجد ينقص المروءة، فلم يلزمه. كما له الخروج لشرب الماء إن عطش ولم يجد الماء في المسجد.

        ويخرج لصلاة الجنازة وعيادة المريض في اعتكاف التطوع، ولا يخرج في اعتكاف الفرض، فإن خرج في الحالين بطل اعتكافه.

        ويلزمه الخروج لصلاة الجمعة إن كان من أهل الفرض، والاعتكاف في غير الجامع، لأن الجمعة فرض في الشرع، فلا يجوز تركها بالاعتكاف، ويبطل اعتكافه، لأنه كان يمكنه الاحتراز من الخروج، بأن يعتكف في غير الجامع، فإن لم يفعل بطل اعتكافه.

        ويلزمه الخروج لأداء شهادة إن تعين عليه، لأنه تعين لحق آدمي، فقدم على الاعتكاف، ولا يبطل اعتكافه، لأنه مضطر إلى الخروج. وللمعتكفة أن تخرج إذا طلقت لتعتد، ولا يبطل اعتكافها أيضاً، لاضطرارها إلى الخروج.

        ومن مرض مرضاً لا يؤمن معه تلويث المسجد كإطلاق الجوف وسلس البول، خرج كما يخرج لحاجة الإنسان ولا ينقطع التتابع. وإن كان مرضاً يسيراً يمكن معه المقام في المسجد من غير مشقة كالصداع ووجع الضرس والعين ونحوها لم يخرج، فإن خرج بطل اعتكافه. وإن كان مرضاً يشق معه الإقامة في المسجد لحاجته إلى الفراش والخادم وتردد الطبيب ونحو ذلك، فيباح له الخروج، والأصح أنه لا ينقطع به التتابع.

        وإن أغمي عليه، فأخرج من المسجد، لم يبطل اعتكافه، لأنه لم يخرج باختياره وإن سكر فسد اعتكافه. وإن ارتد ثم أسلم بنى على اعتكافه.

        وإن حاضت المعتكفة، خرجت من المسجد، لأنه لا يمكنها المقام في المسجد، ولم يبطل اعتكافها إن كان في مدة لا يمكن حفظها من الحيض، وإذا طهرت بنت عليه، كما لو حاضت في صوم شهرين متتابعين. ويبطل اعتكافها إن كان في مدة يمكن حفظها من الحيض، كما لو حاضت في صوم ثلاثة أيام متتابعة.

        ويبطل الاعتكاف بالخروج إلى الحج الذي أحرم به، لأن الخروج حدث باختياره لأنه كان يسعه أو يؤخره.

        وإن خاف من ظالم فخرج واستتر، لم يبطل اعتكافه، لأن مضطر إلى الخروج بسبب هو معذور فيه.

        وإن خرج من المسجد ناسياً أو مكرهاً محمولاً أو أكره حتى خرج بنفسه، أو أخرجه السلطان ظلماً لم يبطل اعتكافه، لقوله صلى الله عليه وسلم : "رفع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه" فإن أخرجه السلطان بحق، كأن وجب عليه حق وهو يماطل به مع قدرته عليه، أو أخرجه ليقيم عليه عقوبة شرعية من حد أو قصاص أو تعزير ثبت عليه بإقراره، بطل اعتكافه. وإن ثبت عليه بالبينة لم يبطل ولا ينقطع به التتابع، فإذا عاد بنى.

        وإن خرج لعذر، ثم زال العذر، وتمكن من العود، فلم يعد، بطل اعتكافه، لأنه ترك الاعتكاف من غير عذر، فأشبه إذا خرج من غير عذر.

        ويجوز للمعتكف أن يلبس ما يلبسه في غير الاعتكاف، إذ لم ينقل عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه غير شيئاً من ملابسه. ويجوز أن يتطيب ويتزين، لأنه لو حرم التطيب عليه لحرم ترجيل الشعر كالإحرام، وقد روى الشيخان أن عائشة كانت ترجل شعر رسول الله صلى الله عليه وسلم في الاعتكاف، فدل على أنه لا يحرم عليه الطيب. ويجوز أن يتزوج ويزوج، ويجوز دراسة العلم وتدريسه، لأن ذلك كله زيادة خير، ويجوز أن يأمر بالأمر الخفيف في ماله وضيعته، ويبيع ويبتاع، لكنه لا يكثر منه، لأن المسجد ينزه عن أن يتخذ موضعاً للبيع والشراء، فإن أكثر من ذلك كره لأجل المسجد، ولم يبطل به الاعتكاف. ويجوز أن يأكل في المسجد، لأنه عمل قليل لابد منه، ويجوز أن يضع فيه المائدة، لأن ذلك أنظف للمسجد، ويغسل فيه اليد، وإن غسل في الطست فهو أحسن.

        وذهب الحنابلة: إلى أن المعتكف الذي لزمه تتابع الاعتكاف كمن نذر شهراً أو أياماً متتابعة ونحوه، لم يجز له الخروج من المسجد إلا لحاجة الإنسان أو لما لابد له منه، أو لصلاة الجمعة، كحاجة الإنسان من بول وغائط وقيء بغتة وغسل متنجس يحتاجه، والطهارة عن الحدث كغسل جنابة ووضوء لحدث، لأن الجنب يحرم عليه اللبث في المسجد، والمحدث لا تصح صلاته بدون وضوء.

        ويخرج المعتكف ليأتي بمأكول ومشروب يحتاجه إن لم يكن له من يأتيه به. ولا يجوز خروجه لأجل أكله وشربه في بيته، لعدم الحاجة، لإباحة ذلك في المسجد، ولا نقص فيه.

        ويخرج للجمعة إن كانت واجبة عليه، لأنه خروج لواجب فلم يبطل اعتكافه، كالمعتدة، أو شرط الخروج إليها، وإن لم تكن واجبة، للشرط، وله التبكير إليها، لأنه خروج جائز، فجاز تعجيله، كالخروج لحاجة الإنسان، وله إطالة المقام بعد الجمعة، ولا يكره لصلاحية الموضع للاعتكاف.

        ويخرج لنفير متعين إن احتيج إليه، لأن ذلك واجب كالجمعة، ولشهادة تعيَّن عليه أداؤها، ولخوف من فتنة على نفسه أو حرمته، أو ماله نهباً أو حريقاً ونحوه كالغرق، لأنه عذر في ترك الواجب بأصل الشرع كالجمعة، ولمرض يتعذر معه المقام، أو لا يمكنه المقام معه إلا بمشقة شديدة، بأن يحتاج إلى خدمة أو فراش، ولا يبطل اعتكافه بخروجه لشيء مما تقدم للحاجة إليه.

        ولا يجوز له الخروج إن كان المرض خفيفاً كصداع وحمى خفيفة ووضع ضرس، لأنه خروج لما له منه بد، فأشبه المبيت ببيته.

        ولا يبطل اعتكافه أيضاً إن أكرهه السلطان أو غيره على الخروج من معتكفه، بأن حمل وأخرج، أو هدده قادر بسلطنة، أو تغلب كلص وقاطع طريق، فخرج بنفسه، لأن مثل ذلك يبيح ترك الجمعة والجماعة، فهو كالمريض والحائض.

        ولا يبطل اعتكافه أيضاً إن خرج من المسجد ناسياً، للحديث السابق "عفي عن أمتيالخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه"، وينبي على اعتكافه إذا زال العذر في كل ما تقدم مما لا يبطل فيه الاعتكاف.

        وتخرج المرأة المعتكفة من المسجد لوجود حيض ونفاس، فإذا طهرت رجعت إلى المسجد، لأن اللبث معهما في المسجد حرام. وتخرج أيضاً لعدة وفاة في منزلها، لوجوبها شرعاً كالجمعة، وهو حق لله ولآدمي، لا يستدرك إذا ترك، بخلاف الاعتكاف، ولا يبطل بذلك.

        ولا تمنع المستحاضة الاعتكاف، لأن الاستحاضة لا تمنع الصلاة، ويجب عليها أن تتحفظ لئلا تلوث المسجد.

        ولا يعود المعتكف مريضاً ولا يشهد جنازة، ولا يجهزها خارج المسجد إلا بشرط بأن يشترط ذلك، أو وجوب بأن يتعين ذلك عليه، لعدم غيره، لأنه لابد منه إذاً.

        ولا يجوز للمعتكف أن يتجر أو يتكسب بالصنعة، إلا ما لابد له منه، للنهي السابق عن البيع والشراء في المسجد.

        ولا بأس أن يتزوج (يعقد عقد الزواج) في المسجد، ويشهد النكاح، لأن الاعتكاف عبادة لا تحرم الطيب، فلم تحرم النكاح كالصوم، ولأن عقد النكاح طاعة، وحضوره قربة، ومدته لا تتطاول، فيتشاغل به عن الاعتكاف، فلم يكره فيه، كتشميت العاطس ورد السلام.

        ولا بأس أن يتنظف بأنواع التنظيف، وله أن يتطيب ويلبس الرفيع من الثياب، ولكن ليس ذلك بمستحب.

        ولا بأس أن يأكل المعتكف في المسجد، ويضع سفرة كيلا يلوث المسجد، ويغسل يده في الطست، ولا يجوز أن يخرج لغسل يده، لأن من ذلك بداً.

        المبحث الخامس- آداب المعتكف ومكروهات الاعتكاف ومبطلاته:

        9- آ- آداب المعتكف:

        1- يستحب للمعتكف التشاغل على قدر الاستطاعة ليلاً ونهاراً بالصلاة، وتلاوة القرآن، وذكر الله تعالى نحو لا إله إلا الله، ومنه الاستغفار، والفكر القلبي في ملكوت السموات والأرض ودقائق الحكم، والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، وتفسير القرآن ودراسة الحديث، والسيرة وقصص الأنبياء وحكايات الصالحين، ومدارسة العلم، ونحو ذلك من الطاعات المحضة.

        وعد المالكية ذلك من شروط الاعتكاف على سبيل الندب، لكنهم مع الحنابلة كرهوا اشتغال المعتكف بعلم ولو شرعياً، تعليماً أو تعلماً إن كثر لا إن قل، لأن المقصود من الاعتكاف صفاء القلب بمراقبة الرب، وهو إنما يحصل غالباً بالأذكار وعدم الاشتغال بالناس، والكتابة ولو كان المكتوب مصحفاً، لما فيها من اشتغال عن ملاحظة الرب تعالى، وليس مقصوداً من الاعتكاف كثرة الثواب، بل صفاء مرآة القلب الذي به سعادة الدارين.

        2- يسن الصيام للمعتكف عند الجمهور (غير المالكية) الذين لا يشترطونه.

        والمالكية يشترطون الصوم.

        والحنفية يشترطونه في الاعتكاف المنذور.

        3- يندب أن يكون الاعتكاف في المسجد الجامع عند المالكية والشافعية الذين لا يشترطون ذلك، كما اشترطه الحنفية والحنابلة، وأفضل المساجد لذلك : المسجد الحرام ثم المسجد النبوي، ثم المسجد الأقصى.

        4- يندب الاعتكاف في رمضان، لأنه من أفضل الشهور، لا سيما في العشر الأخير من رمضان بالاتفاق، لأن فيها ليلة القدر التي هي خير من ألف شهر.

        5- يندب مكث المعتكف ليلة العيد إذا اتصل اعتكافه بها، ليخرج منه إلى المصلى، فيوصل عبادة بعبادة، ولما ورد من فضل إحياء هذه الليلة: "من قام ليلتي العيد، محتسباً لله تعالى، لم يمت قلبه يوم تموت القلوب" رواه ابن ماجه أي أن الله يثبته على الإيمان عند النزع وعند سؤال الملكين وسؤال القيامة.

        6- يجتنب المعتكف كل مالا يعنيه من الأقوال والأفعال، ولا يكثر الكلام، لأن من كثر كلامه كثر سَقَطه، وفي الحديث "من حسن إسلام المرء تركه مالا يعنيه". رواه الترمذي.

        ويجتنب الجدال والمراء والسباب والفحش، فإن ذلك مكروه في غير الاعتكاف، ففيه أولى، ولا يبطل الاعتكاف بشيء من ذلك، لأنه لما لم يبطل بمباح الكلام لم يبطل بمحظوره.

        ولا يتكلم المعتكف إلا بخير، ولا بأس بالكلام لحاجته، ومحادثة غيره، فإن صفية زوج النبي صلى الله عليه وسلم قالت : "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم معتكفاً، فأتيته أزوره ليلاً، فحدثته، ثم قمت، فانقلبت، فقام معي ليقلبني -وكان مسكنها في دار أسامة بن زيد- فمر رجلان من الأنصار، فلما رأيا النبي صلى الله عليه وسلم أسرعا، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "على رِسْلكما، إنها صفية بنت حيي، فقالا: سبحان الله، يا رسول الله، فقال: إن الشيطان يجري من الإنسان مجرى الدم، وإني خشيت أن يقذف في قلوبكما شراً، أو قال : شيئاً". متفق عليه.

        10- ب- مكروهات الاعتكاف:

        إن ترك بعض الآداب المذكورة مكروه، وكذلك يكره ما يلي في المذاهب الفقهية :

        ذهب الحنفية: إلى أنه يكره تحريماً إحضار المبيع في المسجد، لأن المسجد محرر من حقوق العباد، فلا يجعله كالدكان.

        ويكره عقد ما كان للتجارة، لأن المعتكف منقطع إلى الله تعالى، فلا يشتغل بأمور الدنيا.

        ويكره الصمت إن اعتقده قربة، لأنه منهي عنه، لأنه صوم أهل الكتاب، وقد نسخ.

        وذهب المالكية إلى كراهية ما يأتي:

        1- أن ينقص عن عشرة أيام أو يزيد عن شهر.

        2- أكله بفناء المسجد أو رحبته التي زيدت لتوسعته، وإنما يأكل فيه على حدة.

        3- أن يعتكف القادر بدون أكل أو شرب أو لباس حتى لا يخرج، فإن اعتكف غير مكفي، خرج لأقرب مكان لشراء ما يحتاجه، وإلا فسد اعتكافه. ويكره اعتكاف ما ليس عنده ما يكفيه.

        4- دخوله بمنزل به أهله (أي زوجته) أثناء خروجه لقضاء حاجة، لئلا يطرأ عليه منهما ما يفسد اعتكافه.

        5- الاشتغال بعلم إن كثر ولو شرعياً، تعليماً أو تعلماً، أو بكتابة وإن كان المكتوب مصحفاً، لأن المقصود من الاعتكاف رياضة النفس وصفاء القلب بمراقبة الرب، وذلك يحصل بالذكر والصلاة.

        6- الاشتغال بكل فعل غير ذكر وتلاوة وصلاة، كأن يشتغل بعيادة مريض، وصلاة جنازة ولو لاصقت المعتكف، وصعود لأذان بمنار أو سطح، وإقامة الصلاة، أما الإمامة فلا بأس بها، بل مستحبة، لأنه صلى الله عليه وسلم كان يعتكف ويصلي إماماً.

        7- السلام على الغير إن بعد، وجاز سلامه على من بقربه.

        وذهب الشافعية: إلى كراهة الإكثار من اتخاذ موضع للبيع والشراء، أو العمل الصناعي، والحجامة والفصد إن أمن تلويث المسجد، وإلا حرم.

        وذهب الحنابلة إلى كراهة الاشتغال بإقراء القرآن وتدريس العلم ودرسه ومناظرة الفقهاء ومجالستهم وكتابة الحديث ونحو ذلك مما يتعدى نفعه. والخوض فيما لا يعنيه من جدال ومراء وكثرة كلام ونحوه، والصمت عن الكلام، لأنه ليس من شريعة الإسلام، "دخل أبو بكر على امرأة من أحمس يقال لها: زينب، فرآها لا تتكلم، فقال: مالها لا تتكلم؟ فقالوا: حجت مصمتة، فقال لها: تكلمي، فإن هذا لا يحل، هذا من عمل الجاهلية، فتكلمت". رواه البخاري.

        جـ- مبطلات الاعتكاف:

        يبطل الاعتكاف أو يفسد بما يأتي:

        1- الخروج بلا عذر شرعي كالخروج لصلاة الجمعة، أو حاجة طبيعية كالبول أو الغائط، أو ضرورة كانهدام المسجد، على التفصيل الذي ذكرناه في "ما يلزم المعتكف" ويبطل الاعتكاف بالخروج عند المالكية وإن وجب كالجهاد المتعين والحبس في دين.

        2- الجماع، ولو كان عند الجمهور ناسياً أو مكرهاً ليلاً أو نهاراً، لأن الوطء في الاعتكاف حرام بالإجماع، لقوله تعالى: {وَلا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلا تَقْرَبُوهَا} [البقرة: 187] فإن وطئ في الفرج عمداً أفسد اعتكافه بالإجماع.

        وكذا في غير العمد عند الجمهور، لأن ما حرم في الاعتكاف استوى عمده وسهوه في إفساده كالخروج من المسجد.

        وذهب الشافعية إلى أن الجماع المفسد هو المتعمد مع العلم والاختيار، فلا يفسد الاعتكاف بالجماع ناسياً أو جاهلاً أو مكرهاً، كالخروج في هذه الحالات، ولأنها مباشرة لا تفسد الصوم، فلم تفسد الاعتكاف كالمباشرة فيما دون الفرج، ولعموم قوله صلى الله عليه وسلم : "رفع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه".

        3- الإنزال في حال المباشرة بشهوة كالقبلة واللمس والتفخيذ، بالاتفاق، لعموم قوله تعالى: {وَلا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ}.

        أما لو أمنى بالتفكر أو بالنظر، أو باشر ولم ينزل، فلا يفسد اعتكافه عند الجمهور، لأنها مباشرة لا تفسد صوماً ولا حجاً، فلم تفسد الاعتكاف، كالمباشرة لغير شهوة، لكن الشافعية قيدوا ذلك بما إذا لم يكن عادة له، فإن كان ذلك عادة له فيفسد الاعتكاف.

        وذهب المالكية إلى أن الإمناء بالفكر أو بالنظر، والمباشرة وإن لم ينزل تفسد الاعتكاف، لأنها مباشرة محرمة، فأفسدت الاعتكاف كما لو أنزل، ولا بأس بالمباشرة لغير شهوة اتفاقاً كأن تغسل رأسه أو تناوله شيئاً، لأن "النبي صلى الله عليه وسلم كان يدني رأسه إلى عائشة وهو معتكف فترجله".

        4- الردة: فإذا ارتد المعتكف، بطل اعتكافه لقوله تعالى: {لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ} [الزمر: 65] ولأنه خرج بالردة عن كونه من أهل الاعتكاف، ولا يقضي عند الجمهور إذا عاد للإسلام ترغيباً له في الإسلام. ويجب عليه القضاء عند الحنابلة في النذر، وعليه كفارة يمين في نذر أيام معينة كالعشر الأواخر من رمضان.

        5- السكر نهاراً، وكذا ليلاً إن تعمده عند الجمهور، وإن دخل في الاعتكاف عند الشافعية، لعدم أهليته للعبادة، لكن قيد الشافعية السكر بأن يحصل بسبب تعديه.

        6- الإغماء والجنون الطويلان: فإذا جن المعتكف أو أغمي عليه أياماً بطل اعتكافه عند الجمهور إذا كان متعدياً بالجنون عند الشافعية، لعدم أهليته للعبادة، ويحسب عند الشافعية زمن الإغماء من الاعتكاف، دون زمن الحيض والنفاس والجنابة والجنون. وقال الحنابلة: لا يبطل الاعتكاف بالإغماء كما لا يبطل بالنوم، بجامع بقاء التكليف.

        7- الحيض والنفاس: فإذا حاضت المرأة أو نفست بطل اعتكافها.

        8- الأكل عمداً عند المالكية والحنفية المشترطين للصوم، فإذا أكل المعتكف عمداً بطل اعتكافه، ولا يبطل بالأكل ناسياً.

        9- الوقوع في كبيرة كالغيبة والنميمة والقذف يبطل الاعتكاف عند المالكية، ولا يبطله عند الجمهور.

        11- المبحث السادس- حكم الاعتكاف إذا فسد:

        للفقهاء تفصيلات في ذلك.

        ذهب الحنفية: إلى أن الاعتكاف إذا فسد لا يخلو إما أن يكون واجباً أي منذوراً، وإما أن يكون تطوعاً:

        أ- فإن كان واجباً: أي إذا فسد الاعتكاف الواجب، وجب قضاؤه إلا إذا فسد بالردة خاصة، فإن كان اعتكاف شهر بعينه يقضي قدر ما فسد ليس غير، ولا يلزمه الاستئناف أي البدء من أول الشهر، كصوم رمضان. وإذا كان اعتكاف شهر بغير عينه، يلزمه الاستئناف من أوله، لأنه يلزمه متتابعاً، فيراعى فيه صفة التتابع، وذلك سواء فسد بصنعه من غير عذر كالخروج والجماع والأكل والشرب في النهار، إلا في الردة، أو فسد بصنعه بعذر، كما إذا مرض فاحتاج إلى الخروج، أو بغير صنعه كالحيض والجنون والإغماء الطويل، لأن القضاء يجب جبراً للفائت.

        ومن نذر اعتكاف شهر بعينه كالمحرم، ثم فات كله، قضى الكل متتابعاً، لأنه صار الاعتكاف ديناً في ذمته. وإن قدر على قضائه فلم يقضه حتى أيس من حياته، يجب عليه أن يوصي بالفدية لكل يوم طعام مسكين لأجل الصوم، لا لأجل الاعتكاف، كما في قضاء رمضان والصوم المنذور في وقت بعينه. وإن كان مريضاً وقت النذر، فذهب الوقت وهو مريض حتى مات، فلا شيء عليه.

        ب- وأما اعتكاف التطوع إذا قطعه قبل تمام اليوم، فلا شيء عليه.

        وذهب المالكية: إلى أن مبطلات الاعتكاف الواجب قسمان:

        الأول- ما يبطل ما فعل منه ويوجب استئنافه: كالخروج برجليه معاً بغير ضرورة أو لمرض أحد أبويه، أو لصلاة الجمعة وكان معتكفاً في مسجد غير جامع، وكتعمد الفطر أو السكر، والوطء والقبلة بشهوة واللمس ليلاً. فمن نذر أياماً معينة كأسبوع أو ثلاثة أيام، ثم حدث منه ما ذكر مما يبطل اعتكافه، لزمه القضاء واستئناف الاعتكاف من أوله.

        الثاني- ما يخص زمنه ولا يبطل ما قبله: وهو ثلاثة أنواع:

        أ- ما يمنع الصوم فقط: وهو وجود العيد وطروء مرض خفيف، فمن نذر شهر ذي الحجة، فلا يخرج يوم الأضحى، وإلا بطل اعتكافه من أصله.

        ب- ما يمنع المكث في المسجد: كسلس البول وإسالة جرح أو دمل يخشى معه تلوث المسجد، فيجب عليه الخروج والعودة فوراً بمجرد زوال عذره المانع من البقاء في المسجد، وبنى على اعتكافه السابق.

        جـ- ما يمنع الصوم والمكث في المسجد معاً: كالحيض والنفاس، وحكمه كالحالة السابقة تماماً.

        فإن أخر الرجوع ولو لعذر من نسيان أو إكراه، بطل اعتكافه واستأنفه، إلا إن أخر الرجوع ليلة العيد ويومه، فلا يبطل، لعدم صحة صومه لكل أحد، فإذا حصل للشخص المعتكف حيض أو نفاس أو إغماء أو مرض شديد في أثناء الاعتكاف، فخرج من المسجد للبيت، ثم زال ذلك العذر ليلة العيد، فاخر الرجوع للمسجد حتى مضى يوم العيد، وتالياه في عيد الأضحى، فإن اعتكافه لا يبطل.

        أما لو طهرت الحائض أو صح المريض وأخر كل منهما الرجوع، فيبطل الاعتكاف لصحة الصوم بعد زوال العذر.

        وذهب الشافعية: إلى أنه إذا فعل المعتكف في الاعتكاف ما يبطله من خروج أو مباشرة، أو مقام في البيت بعد زوال العذر:

        أ- فإن كان ذلك في التطوع، لم يبطل ما مضى من الاعتكاف، لأن ذلك القدر لو أفرده واقتصر عليه أجزأه، ولا يجب عليه إتمامه، لأنه لا يجب عليه المضي في فاسده، فلا يلزمه بالشروع كالصوم.

        ب- وإن كان اعتكافه منذوراً: فإن لم يشترط فيه التتابع، لم يبطل ما مضى من اعتكافه، لما ذكر في التطوع، لكن يلزمه هنا أن يتمم المدة المنذورة، لأن الجميع قد وجب عليه، وقد فعل البعض، فوجب الباقي.

        وإن كان قد شرط التتابع، بطل التتابع، ويجب عليه أن يستأنف ليأتي به على الصفة التي وجبت عليه. وعلى هذا يقطع التتابع السكر والكفر وتعمد الجماع وتعمد الخروج من المسجد، لا لقضاء الحاجة، ولا الأكل ولا الشرب إن تعذر الماء في المسجد، ولا للمرض إن شق لبثه فيه، أو خشي تلويثه، ولا الإغماء والجنون إذا حصل أحدهما للمعتكف، ولا إن أكره بغير حق على الخروج، ولا يقطع التتابع الحيض إن لم تسعه مدة الطهر : بأن طالت مدة الاعتكاف بحيث لا ينفك عن الحيض غالباً بأن يكون أكثر من خمسة عشر يوماً.

        ولا يقطعه أيضاً خروج مؤذن راتب (متخصص) إلى منارة المسجد المنفصلة عنه لكنها قريبة منه للأذان، لإلفه صعودها للأذان، وإلف الناس صوته. ولا يقطعه الخروج لإقامة حد ثبت عليه بغير إقراره، ولا لأجل عدة ليست بسببها، ولا لأجل أداء شهادة تعين عليها تحملها وأداؤها، للعذر في جميع ذلك، بخلاف أضداده.

        وإن خرج المعتكف من المسجد لغير قضاء الحاجة لزمه استئناف النية، فإن خرج لها لا يلزمه استئناف النية.

        وذهب الحنابلة: إلى أنه إن كان الاعتكاف تطوعاً وخرج من المسجد، لعذر غير معتاد كنفير وشهادة واجبة، وخوف من فتنة ومرض ونحوه وطال خروجه، خيِّر بين الرجوع وعدمه، لعدم وجوبه بالشروع.

        وإن كان الاعتكاف واجباً وجب عليه الرجوع إلى معتكفه لأداء ما وجب عليه. ولا يخلو النذر من ثلاثة أحوال بالاستقراء:

        أحدها- نذر اعتكاف أيام غير متتابعة ولا معينة، كنذر عشرة أيام مثلاً: وحكمه أنه يلزمه أن يتم ما بقي عليه من الأيام محتسباً بما مضى، ويبتدئ اليوم الذي خرج فيه من أوله، ليكون متتابعاً، ولا كفارة عليه، لأنه أتى بالمنذور على الوجه المطلوب.

        الثاني- نذر أيام متتابعة غير معينة، بأن قال: لله علي أن أعتكف عشرة متتابعة، فاعتكف بعضها، ثم خرج للعذر السابق، وطال خروجه. وحكمه : أنه يخير بين البناء على ما مضى، بأن يقضي ما بقي من الأيام، وعليه كفارة يمين، جبراً لفوات التتابع، وبين الاستئناف بلا كفارة، لأنه أتى بالمنذور على وجهه المطلوب، فلم يلزمه شيء.

        الثالث- نذر أيام معينة، كالعشر الأخير من رمضان: وحكمه أن عليه قضاء ما ترك ليأتي بالواجب، وعليه كفارة يمين، لفوات المحل المنذور.

        وإن خرج المعتكف جميعه لما له منه بد مختاراً عمداً، أو مكرهاً بحق كمن عليه دين يمكنه وفاؤه ولم يفعل، فأخرج له، بطل اعتكافه، وإن قل زمن خروجه لذلك، لأنه خرج من معتكفه لغير حاجة، كما لو طال.

        ثم إن كان في نذر متتابع بشرط أو نية: بأن نذر عشرة أيام متتابعة أو نواها كذلك، ثم خرج لذلك، استأنف، لأنه لا يمكنه فعل المنذور على وجهه إلا به، ولا كفارة عليه، لإتيانه بالمنذور على وجهه.

        وإن كان خرج من معتكفه مكرهاً بغير حق أو ناسياً، لم يبطل اعتكافه ويبني على اعتكافه السابق، لحديث: "عفي لأمتي عن الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه".

        وإن كان المعتكف في نذر معين متتابع كنذر شعبان متتابعاً، أو في نذر معين كشعبان ولم يقيده بالتتابع، استأنف، لتضمن نذره التتابع، وكفر كفارة يمين، لتركه المنذور في وقته المعين بلا عذر. ويكون القضاء في الكل والاستئناف في الكل على صفة الأداء فيما يمكن، فإن كان الأول مشروطاً فيه الصوم، أو في أحد المساجد الثلاثة، أو نحو ذلك، فإن المقضي أو المستأنف يكون كذلك. أما ما لا يمكن، كما لو عين زمناً ومضى، فإن لا يمكن تداركه.

الصيام بطريقة السؤال والجواب

 

متى فرض صيام شهر رمضان ؟ كم عاما صام الرسول صلى الله عليه وسلم فيه رمضان؟ وهل فرض الصيام على الأمم السابقة؟ وهل كان صيامهم في رمضان؟

* فرض صيام شهر رمضان في شعبان من السنة الثانية للهجرة . صام رسول الله صلى الله عليه وسلم تسعة أعوام أو تسع رمضانات .

* نعم، فُرض الصيام على الأمم السابقة وقد كان معروفا عند أهل الكتاب الذين عاصروا النبي صلى الله عليه وسلم، قال تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمْ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ}[البقرة: 183].

* كلا، لم يكن صيامهم في رمضان، فوجوب صوم رمضان لم يشرع من قبل، إذ تختص أمة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم بفرضية صوم شهر رمضان بالذات .

و كلمة رمضان مشتقة في الأصل من الرمض و هو الحر الشديد.

وكيف كان الصيام في رمضان أول ما فرض ؟

كان الصيام على أمة محمد قبل أن يفرض رمضان -أي في مكة -؟

* كان الصيام قبل أن يفرض رمضان عبارة عن صيام يوم عاشوراء ( عاشوراء :هو اليوم العاشر من شهر محرم ) وثلاثة أيام من كل شهر (وهي: اليوم الثالث عشر والرابع عشر والخامس عشر من كل شهر قمري). وعندما فرض الصيام في المدينة، أصبح صوم عاشوراء نفلاً وصوم رمضان فرضاً .

* وأول ما فرض الصيام كان يحرم على الصائم الأكل ومباشرة النساء بعد الغروب إذا نام أو صلى العشاء الآخرة.

ثم خفف الله عنا بقوله :{أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ… وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ}. [البقرة : 187] .

ما هي شروط وجوب الصيام ؟

* الشروط التي يجب أن تتوفر في الإنسان حتى يفرض عليه الصيام هي التالية :

1.  الإسلام .

-2البلوغ .

3- العقل .

4- القدرة .

5- أن يكون مقيما أي غير مسافر .

6- أن يكون خاليا من الأعذار المانعة للصيام ( حيض، و نفاس ) .

ما هي فضاثل شهر رمضان ؟

*شهر رمضان هو شهر مبارك فيه أنزل القرآن، قال تعالى: {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ...} [البقرة: 185]. وقد جاء في الحديث النبوي الشريف : (( إذا جاء شهر رمضان فتحت أبواب الجنة، و غلِّقت أبواب جهنم، و صفِّدت الشياطين)) .

وقال النبي صلى الله عليه و سلم : ((من صام رمضان إيماناً و احتساباً -أي طلبا للثواب من عند الله، غير مستثقل للصوم و لا مستطيل لأيامه - غُفر له ما تقدم من ذنبه )) متفق عليه .

وأيضاً عليه الصلاة والسلام : (( الصيام و القرآن يشفعان للعبد يوم القيامة، يقول الصيام : أي رب، منعته الطعام و الشهوات بالنهار فشفعني فيه، و يقول القرآن : منعته النوم بالليل فشفعني فيه، قال فيشفعان)) .

ولقد ورد: (( أن في الجنة باباً يقال له: الريان، يدخل منه الصائمون يوم القيامة لا يدخل منه أحد غيرهم، يقال : أين الصائمون؟ فيقومون، لا يدخل منه أحد غيرهم، فإذا دخلوا أغلق فلم يدخل منه أحد )) متفق عليه .

وقال أيضاً صلى الله عليه و سلم : ((الصلوات الخمس، و الجمعة إلى الجمعة، و رمضان إلى رمضان، مكفرات لما بينهن إذا اجتنب الكبائر )) . متفق عليه .

ما حكم تارك صيام شهر رمضان من غير عذر مع اعتقاد وجوبه؟ وماذا لو كان لا يعتقد وجوب صيام شهر رمضان ؟

* من ترك صيام شهر رمضان من غير عذر مع اعتقاد وجوبه، يكون فاسقاً مرتكباً لكبيرة من كبائر الذنوب .

* أما إن كان لا يعتقد وجوب صيام شهر رمضان فهو كافر مخلد في نار جهنم إن مات على هذا الاعتقاد .

فصيام شهر رمضان هو ركيزة من ركائز الإسلام ومن الفرائض المعلومة من الدين بالضرورة .

هل يصح صوم الصبي المميز؟ وهل يثاب عليه ؟ ومتى يجب على الوالد أن يأمر أولاده بالصيام؟

* نعم، يصح صوم الصبي المميز .

* نعم، يثاب عليه ثواباً كبيراً وكذا والداه .

* يجب على الوالد أن يأمر أولاده بالصيام وهم أبناء سبع ويضربهم -يقيد الضرب بغير المبرح-عليه أبناء عشر .

ما حكم من صام ولم يصل؟ وما حكم من لم يصم ولم يصل؟ وما حكم من صام وصلى ؟

* قال عليه الصلاة والسلام: ((من صام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه )).

وقال : (( رب صائم وليس له من صيامه إلا الجوع والعطش )) . وقال تعالى: {وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمَالُهُمْ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاءً حَتَّى إِذَا جَاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئًا وَوَجَدَ اللَّهَ عِنْدَهُ فَوَفَّاهُ حِسَابَهُ} [النور: 39]. أي يظن الإنسان أنه عمل عملا جيدا ولكنه يكون كسراب، ويكون عمله هباءً منثوراً . من المعلوم أنه يجب على المسلم أن يصوم وأن يصلي وأن يبتعد عن كل المحرمات، فإذا فعل ذلك نال عند الله تعالى أجرا عظيما.

* وأما من صام مثلاً ولم يصل، فلا نقول له: لا تصم لان صيامك من غير صلاة لا ينفع، ولكن نقول له: إنك بتركك للصلاة ارتكبت معاصٍ كثيرة، كما أن أجر صيامك قل كثيراً، لأن أجر الصيام لا يكون كاملاً إلا إذا اقترن معه فعل باقي الواجبات والبعد عن المحرمات .

ولعل هذا الجدول التوضيحي يعطي فكرة تقريبية للإجابة عن هذا السؤال

من صام وصلى من صام ولم يصل من لم يصم ولم يصل

صلاة 5.000.000 حسنة 500.000 سيئة 500.000 سيئة

(الحسنة بعشر أمثالها والسيئة بمثلها)

----------------------------------------------------------------

صيام 10.000.000حسنة 30.000حسنة 1.000.000 سيئة

(ملاحظة إن أجر الصيام قل كثيرا لان الإنسان لم يصل )

----------------------------------------------------------------

المجموع 15.000.000 حسنة 500.000 سيئة - 30.000 حسنة 1.500.000 سيئة

وأما إن لم يصم ولم يصل فقد خسر خسراناً مبيناً، إذ أنه بتركه للصلاة ارتكب كبيرة من أكبر الكبائر، وبتركه للصيام ارتكب أيضاً كبيرة من أكبر الكبائر ونال غضب الله تعالى .

وهذا الجدول مثال تقريبي يصور لنا هذه الحالات، مع ملاحظة أن هذه الأرقام وضعت فقط للتمثيل ولإيضاح الصورة وأنه لا أصل لها في الشرع وليس عليها دليل كأرقام ولكن الذي عليه دليل هو ما نلاحظه من ارتباط هذه الأرقام بالأعمال لنفهم الجواب. وهذا الجواب أيضاً ينطبق على من تصلي مثلا ولكنها غير متحجبة وعلى غيره من المسائل العديدة التي يكون الإنسان قد قام بطاعة ما وقصر في طاعة أخرى، فهذا هو حكمه .

كيف يثبت دخول شهر رمضان؟ اذكر الحديث الذي رواه البخاري في ذلك؟ وهل تقبل شهادة العبد والمرأة؟ وهل تقبل شهادة الفاسق؟ وهل يجب الصوم في حق الرائي إن كان فاسقاً؟ وهل يلزم الصوم من أخبره فاسق أنه رأى الهلال واعتقد صحة قوله؟

* يثبت دخول شهر رمضان بأحد أمرين :

الأول : رؤية الهلال ليلة الثلاثين من شعبان، وذلك بأن يشهد شاهد عدل أمام القاضي أنه قد رأى الهلال .

الثاني: إكمال شعبان ثلاثين يوماً، وذلك فيما إذا تعسرت رؤية الهلال بسبب الغيوم مثلاً، ودليل هذين الأمرين

* قوله صلى الله عليه وسلم (( صوموا لرؤيته وأفطـروا لرؤيته، فإن غُم عليكم فأكملوا عدة شعبان ثلاثين يوما)) متفق عليه .

* أما هلال شوال فإنه لا يثبت إلا بقول رجلين عدلين عند عامة العلماء، بخلاف ثبوت شهر رمضان، فإنه يكتفى برجل واحد فقط كما ذكرنا ، لأنه في رمضان دخول في عبادة، و في شوال خروج من عبادة، فناسب أن نحتاط .

* تقبل شهادة العبد والمرأة عند الحنفية . ولا تقبل شهادة الفاسق .

* نعم، يجب الصوم في حق الرائي إن كان فاسقا.

* نعم، يجب الصيام على من صدقه واعتقاد صحة قوله .

هل يجوز العمل بقول المنجم والحاسب، وهل يجوز لهما العمل باعتقادهما؟

* لا يجوز العمل بقول المنجم والحاسب باتفاق علماء المسلمين، ويجوز لهما العمل باعتقادهما .

إذا رؤى الهلال -سواء كان للصوم أو الإفطار-في بلد هل يجب على جميع البلاد الإسلامية متابعته؟ اذكر قول الشافعية وغيرهم :

* جمهور علماء المسلمين من حنفية ومالكية وحنابلة وغيرهم قالوا: إنه إذا رؤى الهلال في بلد وجب على جميع

البلاد الإسلامية متابعته، سواء للصوم أو للإفطار ، وهذا هو المفتى به . قال تعالى :{إنما أمتكم أمة واحدة}.

* أما عند الشافعية إذا رؤى الهلال في بلد لزم الصوم أهل البلاد القريبة من بلد الرؤية، دون أهل البلاد البعيدة، لأن

البلاد القريبة في حكم البلد الواحد بخلاف البلاد البعيد . فيحق لكل بلد أن يعمل برؤيته إن بَعُد مطلعه عن البلد الآخر مسافة 24 فرسخاً -أي 120 كلم . وكان ذلك لصعوبة الاتصالات وعذر انتقال الأخبار بسرعة أما الآن، فالمفتى به هو قول جمهور علماء المسلمين، وهو إن رؤى الهلال في بلد من البلاد الإسلامية وجب الصيام، والفطر على الجميع .

ماذا يقول من رأى الهلال ؟

* يستحب للمسلم عند رؤية الهلال أن يقول كما كان يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((اللهم أهِلَّه علينا بالأمن و الإيمان و السلامة و الإسلام ربي و ربك الله، هلال رشد و خير )).

12-إذا سافر رجل من بلد رُأى الهلال فصام أهلُه إلى بلد بعيدٍ لم ير الهلال هل يجب على المسافر الإمساك أم يجب عليه الفطر؟ وماذا لو سافر من بلد رأى هلال شوال فأفطر إلى بلد لم ير الهلال وما زال صائماً فماذا يفعل؟ وماذا لو سافر من بلد ما زال أهله صائمين إلى بلد رأى هلال شوال، فهل له أن يفطر إن كان هذا يومه الثامن والعشرين ؟

* إن الإنسان يوافق حال البلد الذي حل فيه، فإن سافر رجل من بلد رُأى الهلال فصام أهله إلى بلد بعيد لم ير الهلال، وجب عليه الإفطار لأنه بالانتقال غلى بلدهم صار واحداً منهم فيلزمه حكمهم .

* ولو سافر من بلد رُأى هلال شوال فأفطر إلى بلد لم ير الهلال وما زال صائماً، وجب عليه أن يُمسك بقية اليوم موافقة لهم .

* ولو سافر من بلد ما زال صائماً إلى بلد رأى الهلال -هلال شوال- أفطر معهم وإن كان هذا يومه الثامن والعشرين، لكنه يقضي يوماً لأن رمضان لا يكون كذلك .

من أفطر بغير عذر في رمضان ماذا يجب عليه ؟ وهل يباح له فطر ذلك اليوم في السفر وصوم يوم آخر مكانه؟

* من أفطر من غير عذر في رمضان وجب عليه قضاء ذلك اليوم فوراً أي في الثاني من شوال عند الشافعية ولا يجوز له أن يفطر فيه أي في الثاني من شوال إن كان مسافرا. ولا يعوضه صيام الدهر كله،أي من حيث الأجر .

* وعند الحنفية إن أفطر بغير عذر بنحو أكل أو شرب أو جماع وجب عليه القضاء والكفارة المغلظة -صيام شهرين متتابعين فإن لم يستطع فإطعام ستين مسكينا- .

* وكيف تصوم الحائض الشهرين المتتابعين؟ تفطر وقت حيضها وتتابع صومها إن كان عليها صيام شهرين متتابعين.

من كان على مرتفع هل له أن يفطر إذا غربت الشمس في المدينة؟

* من كان على مرتفع ليس له أن يفطر إذا غربت الشمس في المدينة .

ما هي الأعذار المانعة للصوم ؟

 

الأعذار المانعة من الصوم هي التالية :

1.  الحيض .

2.  النفاس .

3.  الإغماء المطبق طوال النهار فإن أفاق من الإغماء ولو لحظة من النهار سقط، العذر ووجب الإمساك بقية اليوم .

4- الجنون ولو لحظة .

ما هي الأعذار المبيحة للإفطار ؟

الأعذار المبيحة للإفطار هي :

1- المرض الذي يسبب لصاحبه ضرراً شديداً والذي يخاف معه زيادة المرض أو تأخر الشفاء.

2- السفر الطويل الذي لا يقل عن 83 كلم بشرط أن يكون سفراً مباحاً -أي لا معصية فيه، وذلك عند الشافعية خلافاً للحنفية- قال تعالى :{وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} [البقرة: 185] .

3- العجز عن الصيام: فلا يجب الصوم على من لا يطيقه لكبرٍ أو مرض لا يرجى شفاؤه لأن الصوم إنما يحب

على من يقدر عليه. قال تعالى: {وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ}. [البقرة: 184] .
إن أصبح الإنسان مقيما ثم سافر أثناء النهار، فهل يجوز له الفطر ؟ لماذا؟ وهل يجوز الفطر في سفر المعصية؟ وفي السفر المباح كالتنزه مثلا؟ وما هي مسافة السفر؟ وأيهما أفضل للمسافر الصوم أم الفطر؟ وهل للقاعدة القائلة:كل ما اجتمع فيه سفر وحضر، فإنه يغلب فيه جانب الحضر صحيحة، وهل تنطبق على من أصبح مقيماً ثم سافر؟

* إن أصبح الإنسان مقيماً ثم سافر أثناء النهار لا يجوز له الفطر بعذر السفر، لأنه لا يجوز الفطر إلا إن ابتدأ سفره قبل الفجر، أما إن سافر بعد الفجر، وجب عليه إتمام الصيام .

* ولا يجوز الفطر في سفر المعصية عند الشافعية خلافاً للحنفية .

* أما في السفر المباح كالتنزه مثلا فيجوز .

* ومسافة السفر هي تتراوح ما بين 81 - 90 كلم

* الصوم أفضل للمسافر لقوله تعالى : {وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ} [البقرة: 184] . إلا إذا كان السفر سيؤدي إلى ضرر أو مشقة بالغة يصعب تحملها فالفطر بحقه أولى .

*والقاعدة القائلة : (( كل ما اجتمع فيه سفر وحضر فإنه يغلب فيه جانب الحضر )) هي قاعدة صحيحة وتنطبق على من أصبح مقيماً ثم سافر أثناء النهار، فعندها لا يجوز له الفطر بعذر السفر كما أوضحنا. ( قولنا: أصبح مقيما أي دخل عليه الفجر وهو مقيم بينما لو سافر قبل الفجر لدخل عليه الفجر وهو مسافر ) .

هل يلزم الإمساك من تعدى بالفطر أو نسي النية من الليل؟

* نعم يلزم الإمساك عن الطعام لمن تعدى بالفطر أو نسي النية من الليل، ويجب عليه قضاء ذلك اليوم فوراً أي في اليوم الثاني من شوال .

هل يلزم الإمساك للمسافر والمريض إن زال عذرهما بعد الفطر، كأن أقام المسافر وشفي المريض؟ وما حكم الإمساك في حقهما؟

* نعم يلزم، الإمساك للمسافر والمريض إن زال عذرهما بعد الفطر، كأن أقام المسافر وشفي المريض . والإمساك في حقهما مستحب عند الشافعية وواجب عند الحنفية .

وهل يلزم الحائض و النفساء إذا طهرتا في أثناء النهار الصوم؟ وما حكم الإمساك لهام اذكر قول الأحناف والشافعية.

* الإمساك في حق الحائض والنفساء إذا طهرتا في أثناء النهار واجب عند الحنفية ومستحب عند الشافعية ( الإمساك أفضل من باب أولى ) .

* ولا يلزم الحائض والنفساء الصوم إذا طهرتا في أثناء النهار، ولا يصح منهما، ولكن يمسكان عن المفطرات من لحظة الطهر كما ذكرنا ويقضيان يوماً مكانه .
هل يحرم الفطر للمسافر إذا أقام وهو صائم، أي هل للمسافر والمريض الإفطار إذا زال عذرهما وكانا صائمين، كأن لم يترخص المسافر بالفطر أثناء سفره ثم لما أقام أراد أن يفطر؟ هل للمريض الذي يجب عليه أن يتناول الدواء من نهار رمضان أن يأكل ويشرب غير الدواء كلما اضر لذلك أم ينبغي عليه الإمساك عما سوى الدواء؟
* نعم، يحرم الفطر للمسافر إذا أقام وهو صائم.

* ولا يجوز للمسافر والمريض الإفطار إذا زال عذرهما وكانا صائمين كأن لم يترخص المسافر بالفطر أثناء سفره ثم لما أقام أراد أن يفطر .

*نعم يجوز للمريض الذي يجب عليه تناول الدواء الأكل والشرب في نهار رمضان وان لم يكن مضرا لذلك، ولكن عليه أن يستقر ولا يستحب له الإمساك عما سوى الدواء، لأن هذه رخصة من الله تعالى.

هل يضر الإغماء إذا استمر كل النهار إلا لحظة؟ وهل يضر النوم ولو استغرق جميع النهار؟ وهل يجب القضاء على المغمي عليه؟ وهل يجب عليه قضاء الصلاة؟ وهل يجب ذلك على من زال عقله بمرض أو بشرب دواء أخذه للحاجة مثل البنج؟

* لا يضر الإغماء إذا استمر كل النهار إلا لحظة، فيكون الصوم صحيحاً أما إذا استمر الإغماء النهار كله عندها عليه القضاء .

* لا يضر النوم ولو استغرق جميع النهار .

* نعم، يجب القضاء على المغمى عليه يقضي الصيام ولا يقضي الصلاة.

* لا يقضي الصلاة من زال عقله بمرض أو بشرب دواء أخذه للحاجة مثل البنج( هذا إن مر وقت صلاة كاملة عليه وهو مغمى، أما إن أدرك شيئاً من الوقت مثلاً بعد أذان الظهر بربع ساعة غاب عن وعيه واستمر ذلك إلى المغرب وجب عليه قضاء الظهر إن لم يكن قد صلاه ولا يجب عليه قضاء العصر) ويجب عليه قضاء الصيام مطلقاً.
هل يلزم الإمساك لمن أكل يوم الشك ثم ثبت أنه رمضان، وهل يطالب بقضائه؟ وهل تجب الكفارة إذا جامع الرجل زوجته وهو صائم صوم فرض غير رمضان وهل يجب عليه الإمساك؟

* يلزم الإمساك لمن أكل يوم الشك ثم ثبت أنه من رمضان، ويطالب بقضائه فوراً أي في اليوم الثاني من شوال.

* لا تجب الكفارة ولا الإمساك إذا جامع الرجل زوجته وهو صائم صوم فرض غير رمضان لأن الكفارة والإمساك من خصائص رمضان فقط.
ماذا يجب على من أفطر في رمضان بعذر، وماذا يستحب له؟

* من أفطر في رمضان بعذر - لسفر أو مرض مثلاً-وجب عليه قضاؤه على التراخي، ولكن قبل حلول شهر رمضان المقبل من العام الذي يليه، فإن لم يقض تساهلاً حتى دخل رمضان آخر أثم ولزمه القضاء والفدية وهذا عند الشافعية خلافاً للحنفية وهي: أن يطعم عن كل يوم مُدِّ من غالب قوت البلد وهو ما يساوي 600 غ تقريباً أو ما يعادله مالا.

* ويستحب لمن أفطر في رمضان المبادرة والموالاة بالقضاء وخاصة إذا كان أفطر بغير عذر .
هل يجوز الفطر لأصحاب الأعمال الشاقة كالذين يعملون في الطرقات في شدة الحر او الذين يعملون في المناجم مثلا ؟ وماذا يجب عليهم أن يفعلوا؟

* لا يجوز لأصحاب الأعمال الشاقة، كالذين يعملون في الطرقات في شدة الحر، أو الذين يعملون في المناجم مثلا الفطر، ويجب عليهم أن ينظروا إذا كانوا يستطيعون الاستغناء والتوقف عن عملهم الشاق هذا ولو لبضعة أيام دون أن يضطروا إلى مساعدة الآخرين.....

* وجب عليهم ذلك أي التوقف عن العمل وصيام أيام التعطيل وهذا فرض عليهم، وإلا إذا كانوا لا يستطيعون التوقف عن عملهم مطلقاً فيجب عليهم أن ينووا الصيام لكل يوم من أيام رمضان، ثم خلال النهار إن غالبهم تعب شديد وإجهاد لا يمكن تحمله، وشق عليهم متابعة الصيام، عندها يفطرون لعذر المرض وإلا صاموا . ثم ينوون في اليوم التالي. وأيضاً إن غالبهم مرض شديد وضعف أفطروا وإلا أكملوا وهكذا حتى نهاية رمضان ثم يقضوا الأيام التي أفطروا فيها.

هل يجوز لسائقي سيارات الأُجرة بين بيروت ودمشق أن يفطروا في رمضان بعذر السفر؟ وماذا يجب عليهم أن يفعلوا؟.

* لا يجوز لسائقي سيارات الأُجرة بين بيروت ودمشق أن يفطروا في رمضان بعذر السفر وعليهم أن يفعلوا مثلاً أصحاب الأعمال الشاقة كما ذكرنا في السؤال السابق .

هل له أن ينوي ليلة الثلاثين من شعبان صوم غد من رمضان إن كان منه؟ وهل له أن ينوي ليلة الثلاثين من رمضان صوم غد من رمضان إن كان منه؟

* ليس له أن ينوي ليلة الثلاثين من شعبان صوم غد من رمضان إن كان منه، فلا يصح التشكيك في النية ويجب أن تكون جازمة، لأن الأصل بقاء شعبان، بل عليه أن يسهر تلك الليلة، فإذا سمع أن بلداً من البلاد الإسلامية أثبتت أن غدا رمضان نوى صيام رمضان يقيناً، وإلا فإن نام واستيقظ في اليوم التالي وعلم أنه رمضان ولم ينو أو كان شاكاً في نيته أمسك بقية اليوم وقضى يوما مكانه. هذا عند الشافعية.

*ويجب عليه أن ينوي ليلة الثلاثين من رمضان صوم غد من رمضان دون أن يقول إن كان منه لان الأصل في هذه الحالة بقاء رمضان.

أما الحنفية فيقولون بحصة إنشاء إلى الضحوة الكبرى، وهي قبل ساعة تقريباً من صلاة الظهر.

هل للحائض إذا كان من عادتها أن تطهر قبل الفجر في تلك الليلة أن تنوي صوم غد إن انقطع حيضها؟ أين محل النية؟ وهل يشترط التلفظ باللسان؟ وما حكم التلفظ باللسان في النية؟

* يجب على الحائض إذا كان من عادتها أن تطهر قبل الفجر، في تلك الليلة أن تنوي صوم غد إن انقطع حيضها .

* ومحل النية القلب .

* ولا يشترط التلفظ باللسان ولكنه مستحب، لأنه يذكر القلب .

هل يشترط في صوم رمضان تبييت النية قبل الفجر؟ وهل يشترط ذلك في القضاء والنذر والكفارة؟ وهل يشترط ذلك في صوم النفل؟.

* يشترط عند الجمهور من الشافعية والمالكية والحنابلة في صوم رمضان تبييت النية قبل الفجر، ما عدا الحنفية فإنهم لا يشترطون ذلك ويقولون بأنه يجوز للمسلم أن ينوي الصيام قبل الضحوة الكبرى ( أي قبل صلاة الظهر بساعة تقريباً ) ومعنى تبييت النية لكل يوم أمر سهل جدا هو مجرد أن يعلم الإنسان أنه غدا صائم ولا يشترط التلفظ باللسان بل يستحب فقط إن نام قبل تبييت النية يمسك عن الطعام ويقضي .

* ويشترط تبييت النية في القضاء والنذر المطلق أي غير المعين والكفارة باتفاق علماء المسلمين.

* ولا يشترط ذلك في صوم النفل ولكن يشترط النية قبل الضحوة الكبرى، وهي قبل ساعة من صلاة الظهر تقريباً.

أي له باتفاق علماء المسلمين أن ينوي صيام النفل ( دون الفرض) قبل أذان الظهر من ذلك اليوم. فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي الفجر ثم يسأل زوجاته هل عندكم من طعام؟ فيقلن: له لا، فيقول: إني إذا صائم ".

- هل يشترط في صوم رمضان تعيين النية؟ وهل يشترط ذلك في القضاء والنذر والكفارة؟ وهل يشترط ذلك في النفل؟ وهل يشترط تكرار النية في كل يوم من رمضان؟ ومتى وقت النية ( أي ما هو الوقت التي تصبح فيه نية صوم يوم من رمضان أو قضاء أو كفارة؟ ومتى وقت النية بالنسبة للنفل؟.

* يشترط في صوم رمضان تعيين النية عند الشافعية أما عند الحنفية فلا يشترط .

* ويشترط تعيين النية في القضاء والنذر والكفارة باتفاق علماء المسلمين .

* ولا يشترط ذلك في النفل .

* ويشترط تكرار النية في كل يوم من رمضان، لأن كل يوم عبادة مستقلة بخلاف المالكية فعندهم يجوز للمسلم أن ينوي مرة واحدة لصيام شهر رمضان كله ( تغني نية واحدة عن الشهر كله).

* وقت النية التي تصح فيه نية صوم يوم من رمضان أو قضاء أو كفارة هو من المغرب إلى الفجر.

* وقت النية بالنسبة للنفل هو من المغرب إلى الزوال الضحوة الكبرى، وهي مثل ساعة من صلاة الظهر تقريباً من اليوم الثاني .

في نية الصيام هل هنالك فرق بين أن ينوي أول الليل أو آخره؟ وماذا لو نوى الإنسان من أول الليل مثلا ثم نام بعدها واستيقظ قبل الفجر هل يجب عليه أن يجدد النية ؟

* في نية الصيام لا فرق بين أن ينوي أول الليل أو آخره.

* ولو نوى الإنسان من أول الليل مثلا ثم نام بعدها واستيقظ قبل الفجر ليس عليه أن يجدد النية.
ماذا لو اشتبه شهر رمضان على إنسان ما بأن كان أسيراً أو مسجوناً أو منفياً ولم يتمكن من السؤال ومعرفة حلول شهر رمضان، فماذا يفعل بهذه الحالة؟ وإن صام ثم لم يعرف إن وقع صيامه في شهر رمضان أم لا ماذا يفعل؟ وماذا يفعل لو علم أنه وقع قبله؟ وماذا يفعل لو علم أنه وقع فيه؟ وماذا لو علم أنه وقع بعده أي بعد انتهاء شهر رمضان؟

* لو اشتبه شهر رمضان على إنسان ما بأن كان أسيراً أو مسجوناً أو منفياً ولم يتمكن من السؤال ومعرفة حلول شهر رمضان، عليه أن يقدر وقت الصيام ...

* إن صام ثم لم يعرف إن وقع صيامه في شهر رمضان أم لا صح صومه.

* ولو علم أنه وقع قبل رمضان صح صومه نفلا وعليه القضاء.

* ولو علم أنه وقع في رمضان : صح صومه

* ولو علم أنه وقع بعد رمضان: صح قضاءَ ولا إعادة عليه، لأن العبادة لا تُعرف قبل وقتها.

ما حكم من تلبس بفرض ثم قطعه، كمن نوى صيام يوم قضاء ثم أفطر في منتصف النهار؟ وما حكم من تلبس بنفل ثم قطعه؟ اذكر الآية. وهل يستوي في ذلك الصيام والصلاة؟ وماذا يجب على من أفطر في صوم فرض غير رمضان متعمدا؟ وماذا يجب على من أفطر في صوم نفل متعمداً؟.

* من تلبس بفرض ثم قطعه كمن نوى صيام يوم قضاء ثم أفطر في منتصف النهار، أثم لقوله تعالى :{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَلا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ} [محمد: 33].

* ومن تلبس بنفل ثم قطعه كره له ذلك.

* ويستوي في ذلك الصيام والصلاة.

* ومن أفطر في صوم فرض غير رمضان متعمداً وجب عليه قضاء الفرض الذي قطع صيامه بالاتفاق.

* من أفطر في صوم نفل متعمداً وجب عليه قضاء النافلة التي قطعها عند الحنفة ولا يجب عليه ذلك عند الشافعية.

* ويجب عليه قضاء نفل بدأه في حج ولا يكره إن أفطر ( أي قطع صيام نفل) لعذر كتكريم ضيف مثلا لقوله صلى الله عليه وسلم:" إن لزورك عليك حقا" [متفق عليه]. ومن شرع في صوم تطوع لم يلزمه إتمامه عند الشافعية ويستحب له الإتمام فإن قطعه فلا قضاء عليه وإن قطعه لعذر كتكريم ضيف مثلا كما ذكرنا فلا يكره له ذلك أما إن قطعه لغير عذر فيكره .

ماذا لو أخطأت الأُمة بالصيام كأن صام عامة المسلمين أو في بلد ما بإتمام شعبان ثلاثين يوما أو بشهادة عدل برؤية الهلال ثم تبين لهم الخطأ فيما ذهبوا إليه كأن تبين لهم أن شهر شعبان كان تسعة وعشرين يوما فهل يأثمون؟ ماذا قالرسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك فيما رواه أبو داود و الترمذي؟ وهل تقضي الأمة يوما إذا استوفوا عدة شعبان ثلاثين ثم ثبت يقينا أن شعبان كان تسعا وعشرين؟.

* لو أخطأت الأُمة بالصيام كأن صام عامة المسلمين أو بلد ما بإتمام شعبان ثلاثين يوماً أو بشهادة عدل برؤية الهلال، ثم تبين لهم الخطأ فيما ذهبوا إليه، كأن تبين لهم أن شهر شعبان كان تسعة وعشرين يوماً لا يأثمون.

* قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك فيما رواه و الترمذي :" الصوم يوم تصومون والفطر يوم تفطرون والأضحى يوم تضحون". وقال: حسن غريب

* وتقضي الأُمة يوماً على التراخي إذا استوفوا عدد شعبان ثلاثين يوماً، ثم ثبت يقيناً أن شعبان كان تسعاً وعشرين.

هل يصح أن الإنسان إن كان يأكل طعام السحور ثم سمع الأذان فإنه يُتم الطعام الذي في يده، أو يشرب الكأس التي في يده حتى يرتوي؟.

* لا يصح إن كان الإنسان يأكل طعام السحور ثم سمع الأذان أن يُتم الطعام الذي في يده، أو أن يشرب الكأس التي في يده حتى يرتوي، إذ أنه يحرم الأكل عند أول حرف من الأذان ويجب مج (أي إخراج) ما في الفم من طعام أو شراب ثم المضمضة حتى لا يبقى في الفم شيء.


هل يفطر من أكل ناسياً أو أكل مكرهاً أو ملجأً في رمضان؟ وفي صوم الفرض في غير رمضان وصوم النفل ؟.

* لا يفطر من أكل ناسيا في رمضان إلا إذا تعدى بأكله أي تابع أكله بعد تذكره، وكذلك لا يفطر من أكل مكرها في رمضان، كمن هُدد على أن يفطر، وليس له خيار إلا أن يفطره، ويفطر المكرَه إذا تعدى، أي إذا أكل أكثر ما طلب منه، أو أكل بعد أن ارتفع عنه التهديد . أما المُلجَأ وهو الذي فُتح فمه وأدخل فيه الطعام بالقوة دون إرادته فلا يفطر.

* هذا في رمضان وكذلك في صوم الفرض في غير رمضان وصوم النفل، فإن الناسي والمكره والملجأ لا يفطرون أيضا باتفاق جمهور العلماء إذا أكلوا في صوم النفل إلا إذا تعدوا كما ذكرنا.

هل يفطر الإنسان إذا خرج شيء من صدره من نخامة أو غيرها سواء أكان ذلك عمدا أم قهرا؟ وهل يستوي في ذلك ما يبتلعه الإنسان من رأسه أو صدره؟ وماذا لو وصلت النخامة الى حد الظاهر من الفم واستطاع على قطعها ومجها إلا أنه ابتلعها هل يفطر؟ وما هو الحد الظاهر من الفم؟ وماذا يقول الحنفية في هذه المسألة؟.

* لا يفطر الإنسان إذا خرج شيء من صدره من نخامة أو غيرها، سواء أكان ذلك عمداً أم قهراً، طالما زال البلغم في صدره.

* ويستوي في ذلك ما يبتلعه الإنسان من رأسه أو صدره.

* أما إذا وصلت النخامة الى حد الظاهر من الفم واستطاع على قطعها ومجها إلا أنه ابتلعها عمداً، يفطر عند الشافعية وتبطل صلاته إن فعلها أثناء الصلاة.

* والحد الظاهر من الفم هو فوق مخرج الخاء.

* أما عند الحنفية فلا يضر ذلك ولكنه مكروه، أي لا يفطر من ابتلع النخامة وان وصلت إلى ما بعد مخرج الخاء عند الأحناف.

هل يفطر من جمع ريقه في فمه ثم بلعه؟ وهل تفطر القطرة في العين إن أحس الإنسان بطعمها في حلقه وهل تفطر القطرة في الأذن وفي الأنف؟ وهل تفطر الحقنة الشرجية والحقنة الوريدية؟.

عدد المنافذ المفتوحة.

* لا يفطر من جمع ريقه في فمه ثم بلعه، إلا إذا أخرجه خارج فمه ثم بلعه.

* لا تفطر القطرة في العين وإن أحس الإنسان بطعمها في حلقه، لأن العين ليست منفذاً مفتوحاً والقطرة إنما تدخل أو تتسرب إلى داخل العين عبر المسام وهذا عند الشافعية والأحناف.

* القطرة في الأذن تفطر عند الشافعية وقال متأخريهم: أنها ليست منفذاً مفتوحاً وبالتالي لا تفطر. والمتعمد أنها تفطر.

وعند الحنفية قطرة الأذن إذا كانت سائلة مثل الماء لا تفطر أما إذا كانت دُهنية فهي تفطر. والقطرة التي تستعمل كدواء اليوم أغلبها دهنية وبالتالي فهي تفطر عند الحنفية والشافعية.

* القطرة في الأنف تفطر قولا واحدا.

* الحقنة الشرجية تفطر وهي التي تكون في الدبر.

- الحقنة الوريدية لا تفطر وهي الإبرة في العضل.

- الإبر المغذية (المصل) التي تقوم مقام الطعام و الشراب ، تفطر.

* المنافذ المفتوحة هي التالية:

1- السبيلين (القبل والدبر).

2- الفم

3- الأنف

4- الأذن

5- البطن

6- المعدة

7- المخ والرأس

ما حكم ما بقي في خلل أسنانه من الطعام هل يجب أن يتحراه ويخرجه؟ ماذا لو ابتلعه عمداً، وماذا لو ابتلعه سهواً أو قهراً؟ وماذا يقول الحنفية في هذه المسألة؟.

* يجب تحري وإخراج ما بقي من طعام في خلل الأسنان عند الشافعية وهو مستحب عند الحنفية.

* لو ابتلعه عمداً أفطر مطلقاً عند الشافعية أما عند الحنفية إن كان ما بقي من الطعام أقل أو دون حبة الحمص وابتلعه عمداً، لا يفطر، ولكن يكره له ذلك.

*ولو ابتلعه سهواً أو قهراً فلا شيء عليه بالاتفاق.

الصيام بطريقة السؤال والجواب

 

ماذا لو خرج ريق الإنسان من فمه ثم بلعه؟ وهل يفطر من ابتلع ريقه متنجساً - كمن دميت لثته؟ هل يفطر من تمضمض أو استنشق فسبق ماء المضمضة أو الاستنشاق إلى جوفه؟ وهل يفطر إن كان قد بالغ في المضمضة والاستنشاق أو كانت المضمضة الرابعة ؟

* لو خرج ريقه من فمه ثم بلعه أفطر.

* يفطر من ابتلع ريقه متنجساً بخمر أو دميت لثته ( إلا إذا ابتلي بذلك) وعليه الإمساك والقضاء.

* لا يفطر من تمضمض أو استنشق فسبق ماء المضمضة أو الاستنشاق إلى جوفه ما لم يبالغ، فإن بالغ أو كانت المضمضة الرابعة ودخل شيء إلى جوفه من الماء ولو بغير قصد أفطر ( وعليه الإمساك والقضاء).

ماذا لو جرح بطن الإنسان أو شق رأسه فوضع على الجرح دواء فوصل إلى جوفه أو باطن رأسه هل يفطر؟ وهل يفطر ما لا يصل عبر منفذ مفتوح كأن وصل إلى الجوف عبر المسام؟
.

* لو جرح بطن الإنسان أو شق رأسه فوضع على الجرح دواء فوصل الدواء إلى جوفه أو باطن رأسه يفطر، لأن الرأس والبطن منفذان مفتوحان كما مر سابقاً.-سؤال رقم: 38_

* أما ما لا يصل عبر منفذ مفتوح كالذي يصل إلى الجوف عبر المسام فإنه لا يفطر.

ماذا لو سبق الماء إلى جوف الإنسان من غسل تبرد أو مضمضة غير مندوبة كالمضمضة لتنظيف الفم أو من فرشاة الأسنان فهل يفطر إذا بالغ أو لم يبالغ؟.

* لو سبق الماء من غسل تبرد أو مضمضة غير مندوبة كالمضمضة لتنظيف الفم أو فرشاة الأسنان يفطر تعمد ذلك أم لم يتعمد، بالغ أم لم يبالغ.

وماذا لو كان الماء في فم المتوضىء الصائم كالمضمضة فحصل له سعال أو عطاس ونزل الماء بذلك الى جوفه فهل يفطر؟ وهل يستوي في ذلك صيام الفرض وصيام النفل؟.

* لو كان الماء في فم المتوضىء الصائم للمضمضة فحصل له سعال أو عطاس ونزل الماء بذلك الى جوفه لا يفطر.

* ويستوي في ذلك صيام الفرض وصيام النفل . ولا يضر بقاء شيء من الرطوبة في فم المتوضىء بعد مج الماء.

ولو سبق ماء من غسل مطلوب ولو مندوبا كغسل الجمعة إلى الجوف هل يضر؟ وهل يفطر من غلبه القيء؟ وماذا لو استقاء؟.

* لو سبق ماء من غسل مطلوب أو مندوب كغسل الجمعة مثلا إلى الجوف لا يضر .

* ولا يفطر من غلبه القيء على أن لا يبتلع شيئا منه، فإذا ابتلع أفطر عند الشافعية وعليه الإمساك والقضاء.

* أما لو استقاء أي قاء متعمداً أفطر بالاتفاق.

هل يجوز للصائم أن يستاك بالسواك إذا كان يابسا والى متى؟ وماذا لو كان السواك أخضر أو يابسا فتخلل منه شيء من طعمه فابتلعه المستاك مع ريقه هل يفطر؟

* يجوز للصائم أن يستاك بالسواك إذا كان يابساً إلى الزوال عند الشافعية وطيلة النهار عند الحنفية.

* لو كان السواك أخضراً أو يابساً فتخلل منه شيء من طعمه فابتلعه المستاك مع ريقه يفطر (كذلك الحال بالنسبة لمعجون الأسنان) وعليه الإمساك والقضاء عندها. أي إذا دخل شيء إلى جوف الذي يفرشي أسنانه ولوعن غير قصد أفطر وعليه الإمساك والقضاء.

إذا جامع الرجل زوجته في رمضان هل يفطر كل منهما وهل تكون الكفارة على الواطىء والموطوءة؟.

* إذا جامع الرجل زوجته في رمضان يفطر الواطىء والموطوءة وتكون الكفارة على الواطىء فقط عند الشافعية وإن تسببت الزوجة بذلك.

* أما عند الحنفية إن رضيت الزوجة بذلك أو تسببت به فعلى الواطىء والموطوءة كفارة (والكفارة هي عتق رقبة مؤمنة، فإن لم يجد أو لم يستطع، فصيام شهرين متتابعين، فإن لم يستطع فإطعام 60 مسكيناً لكل مسكين مُد من غالب قوت البلد ( 600 غ).

هل الاستمناء يفطر؟ وما حكم القبلة في رمضان؟.

* والاستمناء حرام ويفطر بالاتفاق وعليه القضاء ولا كفارة عليه ولو أنزل المني عن مباشرة كقبلة مثلا أفطر وعليه الإمساك والقضاء دون الكفارة.

* هذا علماً أن القبلة في رمضان مكروهة كراهة تحريم لمن حركت شهوته، لأن في ذلك تعريضاً لإفساد الصوم والأولى تركها في كل الأحوال. فهي مكروهة كراهة تحريم للشباب ومكروهة كراهة تنزيه للشيوخ. ولو أمذى عن مباشرة كقبلة لا يفطر والمذي هو ماء أبيض رقيق يخرج عند ثوران الشهوة، ولكن من غير تدفق ولا يعقُبُه انكسار شهوة، وهو نجس ناقض للوضوء، ولا يوجب الغسل.
هل يفطر خروج المني بالاحتلام ؟ هل تفطر المرأة إذا طرأ عليها الحيض ولو لحظة من النهار وهل يجب عليها القضاء؟
.

* لا يفطر خروج المني بالاحتلام أو بالنظر والفكر إلا إن اعتاد ذلك (إي إن علم أنه إن نظر إلى شيء ما خرج منها المني ففعل وأمنى افطر.

* وتفطر المرأة إذا طرأ عليها الحيض ولو لحظة من النهار، ويجب عليها القضاء ولا يستحب لها أن تمسك عن الطعام.

ما حكم المريض الذي لا يدري متى يشفى ؟ ماذا يفعل؟ هل يصوم، هل ينوي الصيام أم ماذا؟.

* المريض الذي لا يدري متى يشفى يجب عليه أن ينوي في كل ليلة صوم يوم غد من رمضان، ثم إذا استيقظ ووجد نفسه قادرا على إتمام الصوم، صام وأتمه، وإلا أفطر بعذر المرض.

*ولا يجوز له أن يقول : أنا مريض وسيتأخر شفائي فليس علي أن أنوي في كل ليلة. ذلك لأن الشفاء بيد الله تعالى، فقد يشفيه في لحظة. * بل يجب عليه أن ينوي كل ليلة صوم غد من رمضان، فأن استيقظ في اليوم التالي ووجد نفسه لا يزال مريضاً غير قادر على إتمام الصيام، أفطر بعذر المرض.
القاعدة الفقهية ما لا يدرك كله لا يترك كله اذكر كيف تطبق في مثل في الصيام؟
.. القاعدة الفقهية :" ما لا يدرك كله لا يترك كله" . يمكن تطبيقها في الصيام على النحو التالي على سبيل المثال: المريض الذي لا يرجى شفاؤه أو الذي يأخذ الدواء بانتظام عليه أن لا يهمل الصيام مطلقاً، يستطيع أن يسأل طبيبه إن كانت صحته أو حالته لا تمنعه من صيام يوم أو يومين، بمعنى آخر يفطر يوماً ويصوم يوماً أو يصوم يومين ويفطر يوماً بحسب ما تسمح له حالته الصحية وبقدر ما يتحمل دون تعريض نفسه للهلاك. ونعني بالقاعدة أن الإنسان إذا كان لا يستطيع صيام الشهر كله فهذا لا يمنعه من صيام بعضه ولو القليل منه. المقصود أنه لا يجوز للمسلم أن يفطر إلا إذا أخبره طبيب مسلم حاذق عالم بأحكام الصيام أنه عليه أن يفطر وإلا فيجب على المريض أن يسأل طبيبه إذا كان يمكنه أن يصوم يوم ويفطر يوم، أو يصوم يوم ويفطر يومين أو يصوم يوم ويفطر أسبوع، أو حتى ما إذا كان يمكنه أن يصوم يوماً واحداً في الشهر وجب عليه ذلك.
هل يبطل الصوم بالردة؟ وما حكم من باشر شيئاً من المفطرات ظاناً أن الفجر لم يطلع بعد، فتبين خطأه ؟ وماذا لو تبين أنه أكل في الليل، وماذا لو لم يتبين له خطأ ولا صواب؟ وماذا لو أفطر في آخر النهار ظاناً غروب الشمس، ثم تبين أنها قد غابت؟ وماذا لو لم يعلم أغربت الشمس أم لا؟
.

* يبطل الصوم بالردة.

* من باشر شيئاً من المفطرات ظاناً أن الفجر لم يطلع بعد، فتبين خطأه أفطر وعليه الإمساك عن الطعام والقضاء على التراخي.

*ولو تبين أنه أكل في الليل فلا شيء عليه. ولو لم يتبين له خطأ ولا صواب بقي على صيامه، لأن الأصل بقاء الليل.

* لو أفطر في آخر النهار ظاناً غروب الشمس ثم تبين أنها لم تكن قد غابت أثم، لأن عليه التحري قبلاً وأفطر وعليه قضاؤه.

* وإن تبين له أن الشمس غابت أثم ولم يفطر، لأنه أكل من غير تحر.

* وإن لم يتبين له حال الشمس أفطر وأثم، لأن الأصل بقاء النهار.

ماذا يندب للصائم أن يقول عند فطره ؟ وهل يستحب له إن يدعو بما يشاء عند فطره ؟ اذكر الدليل على ذلك. * يستحب للصائم أن يقول عند فطره : "اللهم لك صمت وعلى رزقك أفطرت، ذهب الظمأ وابتلت العروق وثبت الأجر إن شاء الله" [ أخرجه أبو داود في حديثين].

* ويستحب أن يدعو بما شاء عند فطره كأن يقول مثلا " اللهم إنا نسألك الفردوس الأعلى...

* ودليلنا على ذلك قوله صلى الله عليه وسلم : " إن للصائم عند فطره دعوة مستجابة ".

اذكر سبعة آداب من آداب الصوم ؟

آداب الصوم هي:

1- تعجيل الفطر بعد التيقن من غروب الشمس ( الأفضل الإفطار على: رطب، أو تمر، أو ماء)

2- تأخير السحور: لقوله صلى الله عليه وسلم:" تسحروا فإن في السحور بركة" [متفق عليه] وقوله " لا تزال أمتي بخير ما عجلوا الإفطار وأخروا السحور" [ أخرجه الإمام أحمد في "المسند" ].

3- ترك الهجر من الكلام: كالشتم، والكذب، وسماع الغناء....

4- الاغتسال من الجنابة قبل الفجر (علماً أن الجَنَابة لا تتعارض مع الصيام، أي لا يشترط لصحة الصيام الاغتسال من الجنابة أو الاغتسال في الحيض، ولكن يجب ذلك لصحة الصلاة، ويسن ذلك للصيام.

5- ترك الحجامة والفصد ( مص الدم الفاسد) وتذوق الطعام.

6- كثرة الصدقة، وتلاوة القرآن، ومدارسته، والاعتكاف في المسجد لا سيما في العشر الأخير من رمضان.

7-إطعام الصائمين وذلك بإطعامهم ولو تمرة أو شربة ماء.

ما حكم المبادرة إلى الاغتسال عقب الاحتلام مباشرة في نهار رمضان ؟ وما حكم الغُسل عن الحيض والنفاس قبل الفجر للحائض إذا طهرت قبل الفجر ؟ وهل للجنب أن يصوم إن لم يغتسل كل شهر رمضان ؟ وهل للحائض الصوم بعد الطهر وإن لم تغتسل؟ أم يجب عليها أن تغتسل قبل وقت معين ؟ * المبادرة إلى الاغتسال عقب الاحتلام مباشرة في نهار رمضان مستحب.

* والغسل عن الحيض والنفاس قبل الفجر للحائض إذا طهرت قبل الفجر مستحب .

* ويصح صيام الجنب إن لم يغتسل كل شهر رمضان، ولكن مع الإثم لتركه الصلاة .

*وللحائض الصوم بعد الطهر وإن لم تغتسل ولا يجب عليها أن تغتسل، قبل وقت معين، بل يجب عليها الاغتسال للصلاة.

ما حكم الوصال في الصوم الفرض و النفل: وهو صوم يوم فأكثر من غير أن يتناول مفطراً ؟ الوصال في الصوم للفرض و النفل أي صوم يوم فأكثر من غير مفطر بعد الغروب مكروه تحريماً.
ما حكم ذوق الطعام من مرق وغيره للصائم إذا لم ينزل إلى جوفه منه شيء؟ وماذا لو نزل منه شيء إلى جوفه؟
.

* يكره ذوق الطعام من مرق وغيره للصائم إذا لم ينزل إلى جوفه منه شيء، وتقل الكراهة عند الضرورة ( للمرأة ذات الزوج الصعب المزاج ) وشم العطوس أو البخور يفطر. ولا يفطر شم الروائح الطيبة كالورود وغيره.

هل يجب على المسافر والمريض الفدية أم القضاء فقط؟ وماذا لو أخر عن رمضان المقبل فما حكمه؟ وماذا لو أخر القضاء إلى رمضانين؟.

* يجب على المسافر والمريض القضاء فقط دون الفدية، ولكن قبل مجيء رمضان المقبل .

* لو أخر القضاء عن رمضان المقبل أثم وعليه القضاء والفدية ( وهي عبارة عن إطعام مكان كل يوم مسكيناً وجبتين مشبعتين من أوسط ما تطعمون أهليكم).

* لو أخر القضاء إلى رمضانين تتكرر الفدية بتكرر الأعوام. أي عليه قضاء ذلك اليوم ودفع فديتين عن كل يوم وإن أخره إلى ثلاث رمضانات عليه قضاء يوم ودفع ثلاث فديات عن كل يوم وهكذا.

ما حكم من مات ولم يتمكن من القضاء؟ وماذا لو مات بعد التمكن من القضاء ولم يقض؟ وماذا لو لم يتمكن من القضاء ولكن قد تعدى بفطره؟.

* من مات ولم يتمكن من القضاء لا شيء عليه إن أفطر بعذر كمرض أو سفر أو حيض...

* لو مات بعد التمكن من القضاء ولم يقض صام عنه وليه استحباباً (أي قريب من أقاربه) الأيام الباقيات في ذمته.

لقوله صلى الله عليه وسلم :" من مات وعليه صيام صام عنه وليه" [ متفق عليه ].

* من لم يتمكن من القضاء وكان متعديا بفطره أي أفطر بغير عذر ولم يتمكن من القضاء يقضي عنه وليه فإن لم يصم عنه أحد، أطعم عنه لكل يوم مد. ويخرج هذا من التركة وجوباً كالديون، فإن لم يكن له مال يجوز لوليه أن يدفع عنه، وتبرأ ذمته.

أيهما أولى في حق الميت الإطعام أو الصوم؟ وهل على ورثته قضاء أو فدية لو مات وعليه صلاة أو اعتكاف؟ وهل يصح في الحج الإطعام أم لا يصح إلا الحج عنه ( أي حج البدل)؟.

* الأولى في حق الميت الإطعام.

* ليس على ورثته قضاء أو فدية لو مات وعليه صلاة أو اعتكاف ( القضاء يكون في الصيام والحج والزكاة).

* لا يصح في الحج الإطعام بالاتفاق، ولا يصح إلا الحج عنه، أي حج البدل.

هل يصح الصوم عن حي ولو هرماً أو مريضاً مرضاً لا يرجى شفاؤه؟ وماذا يفعل من كان حاله كذلك؟.

* لا يصح الصوم عن حي ولو هرماً أو مريضاً مرضاً لا يرجى شفاؤه.

* ومن كان حاله كذلك يدفع فدية ( مد= وجبتين مشبعتين من غالب قوت البلد) عن كل يوم لمسكين.
إإإإلى من تخرج الكفارة أو الفدية ؟ وهل يجوز إعطاء فقير مدين أو ثلاثة؟ وهل يصح إعطاء كفارة الجماع لفقير واحد أو اثنين أو أربعين؟ وهل يجوز له أن يعطي فقيرين مد واحد؟
.

* تخرج الكفارة أو الفدية إلى الفقراء والمساكين فقط من دون سائر مصارف الزكاة.

* يجوز إعطاء فقير مدين أو ثلاثة ( ويجوز دفع الفدية عن شهر رمضان كاملة من أول يوم من رمضان) وله أن يعطي الفدية إلى فقير واحد.

*ولا يصح إعطاء كفارة الجماع لفقير واحد أو اثنين أو أربعين، بل يجب إعطاءها لستين مسكيناً إن لم يستطع الصيام.

* لا يجوز له أن يعطي فقيرين مد واحد، لأن كل مد هو عبارة عن يوم لفقير واحد.

هل على الحامل والمرضع القضاء والفدية إن أفطرتا خوفاً على نفسهما؟ وإن خافتا على ولديهما؟ وماذا لو خافتا على نفسهما وولديهما؟ وهل تتعدد الفدية بتعدد الأولاد؟ وماذا قال أبو حنيفة؟.

* ليس على الحامل والمرضع الفدية، بل القضاء فقط إن أفطرتا خوفاً على نفسهما (لهما أن تفطرا ولا يجب عليهما ذلك) وإن أفطرتا خوفاً على ولديهما عليهما القضاء والفدية.

* وأن خافتا على نفسهما وعلى ولديهما عليهما القضاء فقط.

* لا تتعدد الفدية بتعدد الأولاد ( مثل حالة التوأم ).

* وقال الحنفية عليهما القضاء فقط مطلقاً.
هل تجب الفدية لكل يوم على من أخر قضاء رمضان أو شيئا منه بعذر أو بغير عذر إلى رمضان آخر إن أمكنه القضاء في تلك السنة؟ وماذا لو أخره جهلاً أو نسياناً أو كرهاً؟ وهل تتكرر الفدية بتكرر الأعوام ؟
.

* تجب الفدية لكل يوم على من أخر قضاء رمضان أو شيئاً منه بعذر أو بغير عذر إلى رمضان آخر إن أمكنه القضاء في تلك السنة.

* لو أخره جهلاً أو نسياناً أو كرها عليه القضاء فقط، أي من كان يجهل هذا الحكم كحال -أغلب الناس-فعليه القضاء فقط، ولكن بعد أن علم وَجَبَ عليه المسارعة في القضاء قبل رمضان المقبل.

* وتتكرر الفدية بتكرر الأعوام.

ما هي كفارة الجماع في رمضان ؟ وماذا يفعل لو عجز عن الكفارة ؟ وهل يجوز إعطاء الكفارة لمن تلزمه نفقتهم؟ وهل لغير المكفر التطوع للتكفير عنه بإذنه؟ وهل تجب الكفارة على من أفطر بغير الجماع كالأكل والشرب ثم جامع ؟ وهل تجب الكفارة على من أفطر بغير الجماع كالأكل والشرب ثم جامع؟ وهل تجب الكفارة على من أفطر في نهار رمضان بغير عذر بنحو أكل أو شرب؟ اذكر قول الحنفية، الشافعية.

* كفارة الجماع في رمضان هي عتق رقبة مؤمنة، فإن لم يجد أو لم يستطع فصيام شهرين متتابعين، فإن لم يستطع فإطعام ستين مسكيناً لكل مسكين مُد من غالب قوت البلد.

* لو عجز عن الكفارة تلزم وتبقى في ذمته.

* لا يجوز إعطاء الكفارة لمن تلزمه نفقتهم.

* ويجوز لغير المكفر التطوع للتكفير عنه بإذنه من حيث الإطعام فقط ولا يجوز الصيام عنه .

* لا تجب الكفارة المغلظة على من أفطر بغير جماع كالأكل والشرب ثم جامع عند الشافعية وتجب عند الحنفية.

* لا تجب الكفارة المغلظة على من أفطر في نهار رمضان بغير عذر بنحو أكل أو شرب عند الشافعية ويجب القضاء والكفارة عند الحنفية على من أفطر من نهار رمضان عامدا بالجماع أو بالأكل أو الشرب غذاء أو دواء أو شرب الدخان.

ماذا يفعل من تعرض للشتم و هو صائم؟.

ليكن من عباد الرحمن الذين قال عنهم سبحانه وتعالى في كتابه العزيز: {وَعِبَادُ الرَّحْمَانِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمْ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلامًا} [الفرقان: 63] فإذا شتم أحد صائماً فليقلُ الصائم كما علمنا الرسول صلى الله عليه وسلم: " إني صائم، إني صائم".


ما هو أجر تفطير الصائم؟ (أي دعوته إلى الإفطار).

* تفطير الصائم أمر مستحب وينبغي الحرص عليه لما فيه من الأجر والثواب . قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

" من فطَّر صائماً فله مثل أجره، إلا أنه لا ينقص من أجر الصائم شيئاً" [أخرجه الترمذي]. ويستحب لمن فطره أخوه أن يدعو له بعد الانتهاء بدعاء رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أفطر عندكم الصائمون، وأكل طعامكم الأبرار، وصَلَّت عليكم الملائكة" [أخرجه أبو داود و الترمذي].

عدد الأيام التي يسن صومها وهل يشترط في صيام الست من شوال تتابعها أو صيامها ابتداءاً من ثاني أيام العيد، وهل يشترط صيام ثاني يوم من شوال ؟ وهل للإنسان أن يجمع في صيام يوم واحد نية القضاء والسنة مثل أن يصوم يوم الاثنين قضاءً عما عليه وينوي به سنة صيام الاثنين؟.

* الأيام التي يسن صومها هي: 9 و10 محرم أي يوم تاسوعاء وعاشوراء أو الحادي عشر من محرم يوم عرفة يومي الاثنين والخميس.

- ثلاثة أيام من كل شهر (الأفضل أن تكون الليالي البيض: 13-14-15 من كل شهر قمري) ستة أيام من شوال - أول تسعة أيام من ذي الحجة.

لا يشترط في صيام الست من شوال تتابعها أو صيامها ابتداءاً من ثاني أيام العيد، ولكن يستحب صيام ثاني يوم من شوال، ويستحب استحباباً تتابعهاً.

* نعم، يجوز للمسلم أن ينوي صيام قضاء وسنة في يوم واحد وذلك في كل الأيام التي يسن صومها وقال الحنفية الأفضل أن لا يجمع مع نية صوم يوم عرفة فقط صوم قضاء، وذلك لفضيلته. أما باقي الأيام التي يسن صومها، فله أن ينوي القضاء والسنة عند الحنفية والشافعية.

ملاحظة: جمع نية القضاء والسنة في طاعة واحدة يصح في الصوم ولا يصح في الصلاة، فليس للمسلم أن ينوي ركعتين قضاء الفجر وركعتين سنة الظهر في صلاة واحدة.

هل يسن صوم الأشهر الحرم وما هي هذه الأشهر؟ وهل يسن صيام 15 شعبان وصيام 1 رجب و27 رجب؟ وهل يصح الدعاء المشهور بين العامة في النصف من شعبان " اللهم إن كنت كتبتني عندك في أم الكتاب شقياً أو محروماً فامحو اللهم شقاوتي " ولماذا؟.

* نعم يسن صوم الأشهر الحرم وهي : محرم، و ذو القعدة، و ذو الحجة، و رجب.

* لا يسن صيام 15 شعبان و1 رجب و27 رجب . ولكن لو صامها متنفلا من غير اعتقاد سنيتها فهذا أمر حسن وصيامها كصيام أي يوم من رجب أو شعبان، فلا فرق بين النصف من شعبان أو العاشر منه مثلاً...

لا يصح ولا يجوز الدعاء المشهور بين العامة في النصف من شعبان : " اللهم إن كنت كتبتني عندك في أم الكتاب شقيا أو محروما فامحو اللهم شقاوتي " لأن ما في أم الكتاب ثابت لا يمحى، قال تعالى : " يمحو الله ما يشاء ويثبت وعنده أم الكتاب ". أي وعنده أم الكتاب ثابت لا يتغير.

أيُّ الصيام أفضل ؟ وهل للمرأة أن تصوم صوم نفل بغير إذن زوجها الحاضر أو علم رضاه؟ وهل لها صوم يوم عرفة بغير إذن زوجها الحاضر؟.

* صيام داود عليه السلام هو أفضل الصيام وهو عبارة عن صيام يوم وإفطار يوم.

* لا يجوز للمرأة أن تصوم نفل بغير إذن زوجها الحاضر أو علم رضاه ولكن، لها أن تصوم يوم عرفة بغير إذن زوجها الحاضر لأنه سنة مؤكدة.

ما هي الأيام التي يكره إفرادها بالصوم، وما حكم صوم الدهر؟ وهل يكره إفراد يوم الجمعة بنذر، وقضاء، أو صيام له سبب ؟ وهل يكره إذا وصل يوم الجمعة بما قبله أو بعده؟.

* الأيام التي يكره إفرادها بالصوم هي الجمعة والسبت والأحد.

صوم الدهر يستحب، لأن الصوم من أفضل العبادات، بشرط أن لا يفوت عليه حق لأحد، وبشرط أن لا يلحقه ضرر و إلا كره له.

* لا يكره إفراد يوم الجمعة بنذر وقضاء أو صيام له سبب عند الشافعية.

* لا يكره إذا وصل يوم الجمعة بما قبله أو بعده.

ما هي الأيام التي يحرم صيامها ؟ وهل ينعقد الصيام في هذه الأيام ؟ وهل يستثنى من تلك الأيام شيء؟.

* الأيام التي يحرم صيامها هي : يوم عيد الفطر ويوم عيد الأضحى وأيام التشريق الثلاثة (هي الأيام الثلاثة التي تلي يوم عيد الأضحى) و يوم الشك (وهو الثلاثين من شعبان وصيامه معصية) والنصف الثاني من شعبان.

* وينعقد الصيام في النصف الثاني من شعبان وتنتفي حرمة صوم هذه الأيام إذا كان الإنسان قد اعتاد صيام الخميس والاثنين أو عليه قضاء أو وصل صيامه بما قبل النصف الثاني من شعبان.

* ومن كان عليه قضاء له أن يصوم بعد النصف من شعبان.

* ولا ينعقد الصيام مطلقاً يوم عيد الفطر وعيد الأضحى وأيام التشريق.

ما حكم الاعتكاف في كل وقت وما حكمه في العشر الأواخر من رمضان ومتى يكون واجباً ؟ وما هي شروط الاعتكاف ؟ وما هو أقله؟.

*الاعتكاف سنة في كل وقت وفي العشر الأواخر من رمضان هو سنة مؤكدة وله أجر عظيم.

*ويكون الاعتكاف واجباً في حالة النذر .

*شروط صحة الاعتكاف هي :

1- النية

2- اللبث في المسجد فترة تسمى في العرف اعتكافاً (مقدار ركعتين من صلاة)

ملاحظة : يستحب للمسلم في كل وقت إذا دخل إلى أي مسجد أن يقول: نويت الاعتكاف في هذا المسجد

ما دمت فيه. فيكون له بذلك أجر الصلاة والاعتكاف ما دام في المسجد ولو لفترة قصيرة. فينبغي على المسلم أن ينوي الاعتكاف ولو لصلاة عادية كصلاة المغرب مثل، أو لصلاة الجمعة في رمضان وخارج رمضان لينال أجراً أعظم إن شاء الله.

هل يسن للمرأة أن تعتكف؟ وهل لها أن تعتكف بغير إذن زوجها؟ وأين تعتكف المرأة؟.

* يسن للمرأة أن تعتكف، ولا يجوز لها أن تعتكف بغير إذن زوجها.

* ولها أن تعتكف في المسجد مع زوجها، أو في مصلاها في بيتها.
هل تجب زكاة الفطر على من ولد قبل غروب آخر يوم من رمضان وماذا لو مات قبل غروب آخر يوم من رمضان؟ وهل يشترط لدفع زكاة الفطر أن يكون الدافع مالكاً للنصاب أم ماذا يشترط ؟
.

* تجب زكاة الفطر على من ولد قبل غروب آخر يوم من رمضان.

ولو مات قبل غروب آخر يوم من رمضان لم تجب في حقه.

* لا يشترط لدفع زكاة الفطر أن يكون الدافع مالكاً للنصاب ولكن يشترط أن يوجد لديه فضل من المال يزيد عن قوته وقوت عياله في يوم العيد وليلته، وعن مسكن وخادم إن كان بحاجة إليه، فلو كان ماله لا يكفي لنفقات يوم العيد وليلته، بالنسبة له ولمن تجب عليه نفقتهم، لم تلزمه زكاة الفطر، ولو كان لديه مال يكفي يوم العيد وليلته ولكنه لا يكفي لما بعد ذلك تجب عليه زكاة الفطر، ولا عبرة بما بعد يوم العيد وليلته. وهذا عند الشافعية أما عند الحنفية فلا تجب إلا على من ملك النصاب.
على من يجب أن يخرج المكلف زكاة الفطر، عنهم؟ وهل يجب أن يخرجها عن ولده البالغ القادر على الاكتساب؟ وهل له أن يخرجها عنه ؟ والى من تدفع زكاة الفطر؟
.

* يجب على المكلف إخراج زكاة الفطر عن نفسه وعمن تلزمه نفقتهم، كأصوله وفروعه وزوجته.

* ولا يجب أن يخرجها عن ولده البالغ القادر على الاكتساب، ولكن له أن يخرجها عنه بإذنه وتوكيله.وإن أخرجها عن أولاده الكبار وهم في عياله بغير إذنهم أجزأهم عند الحنفية.

* تدفع زكاة الفطر إلى الفقراء والمساكين وباقي مصارف الزكاة.

ما هي زكاة الفطر، أي كم تساوي؟ ومتى يجب إخراجها؟ وماذا لو لم يخرجها؟ وهل له أن يخرجها من أول رمضان؟ ومتى يسن إخراجها؟.

* زكاة الفطر هي صاع من غالب قوت البلد، والصاع عبارة عن أربعة إمداد أي حفنات وتساوي بالوزن 2400 غراما تقريبا.

* يجب إخراجها بغروب شمس آخر أيام رمضان.

* وله أن يخرجها من أول رمضان أو في أي يوم منه إلى غروب شمس يوم الفطر ويسن إخراجها صباح يوم العيد قبل الخروج إلى الصلاة. فإن لم يخرجها قبل غروب يوم العيد أثم ولزمه القضاء.

ماذا يجب على من أفطر بالجماع في رمضان ثلاثة مرات في ثلاثة أيام متفرقة؟.

* من أفطر بالجماع في رمضان ثلاثة مرات في ثلاثة أيام متفرقة وجب عليه قضاء الأيام الثلاثة التي أفطرها، وتتكرر الكفارة بتكرر الأيام التي أفطرها بالجماع أي يقضي الأيام الثلاثة ويلزمه ثلاث كفارات وهذا عند الشافعية، أما عند الحنفية فإن الكفارات تتداخل ولا يلزمه إلا كفارة واحدة ما لم يكفر عن واحد منهم.

ما حكم صلاة التراويح في رمضان ؟ ومتى وقتها فهل تجوز قبل العشاء وهل تجوز بعد الوتر ؟ وهل لو فات المأموم بعضها وقام الإمام إلى الوتر هل له أن يوتر معه ثم يصلى ما فاته؟.

* صلاة التراويح في رمضان سنة مؤكدة.

* وقتها بين صلاة العشاء وصلاة الفجر وتصلى قبل الوتر ولو صلاها قبل أن يصلي العشاء لا يصح وبعد الوتر يجوز * ولو فات المأموم بعضها وقام الإمام إلى الوتر له أن يوتر معه ثم يصلي ما فاته. ولا تقضى التراويح إذا فاتت.

هل يسن في الوتر الجماعة في رمضان؟ وهل يسن ذلك في غير رمضان على أن يصلى أربعة مقتدين بواحد؟ وماذا لو اقتضى المتنفلون بالوتر بمن يصلي فرضا في غير رمضان؟.

* الأفضل في الوتر الجماعة في رمضان.

*ويكره تنزيها أن يصلي الوتر والتطوع في غير رمضان في جماعة إذا كان ذلك على سبيلا لتداعي بأن يقتدي أربعة بواحد وأما اقتداء واحد بواحد أو اثنين بواحد فلا يكره وثلاثة بواحد فيه خلاف.

* ولو اقتدى واحد أو اثنان ثم جاءت جماعة فاقتدوا به فالكراهة على المتأخرين ولا يخفى أن هذا إذا كان الكل متنفلين، أما لو اقتدى متنفلون بمفترض فلا كراهة حينئذ.

هل يجوز عند الحنفية لمن عليه صلوات أن يشتغل بالتراويح؟ ولماذا؟.

* يجوز عند الأحناف لمن عليه قضاء صلوات أن يشتغل بالتراويح لآكديتها.

فائدة : سها في التراويح فقام إلى الثالثة ولم يقعد في الثانية ماذا يفعل ؟

الجواب : إن تذكر في القيام ينبغي أن يعود ويقعد ويسلم ما لم يقيد الثالثة بالسجدة وإن تذكر بعدها ركع للثالثة وسجد فإن أضاف إليها ركعة أخرى فإن هذه الأربع عن تسليمه واحدة، يعني حسبت له عن ركعتين فقط.

وهذا إذا صلى أربع ركعات ولم يقعد في الثانية، فإن قعد في الثانية قدر التشهد حاز عن تسليمتين في الصحيح عند الحنفية.


الصيام بطريقة السؤال والجواب

 

ماذا لو خرج ريق الإنسان من فمه ثم بلعه؟ وهل يفطر من ابتلع ريقه متنجساً - كمن دميت لثته؟ هل يفطر من تمضمض أو استنشق فسبق ماء المضمضة أو الاستنشاق إلى جوفه؟ وهل يفطر إن كان قد بالغ في المضمضة والاستنشاق أو كانت المضمضة الرابعة ؟

* لو خرج ريقه من فمه ثم بلعه أفطر.

* يفطر من ابتلع ريقه متنجساً بخمر أو دميت لثته ( إلا إذا ابتلي بذلك) وعليه الإمساك والقضاء.

* لا يفطر من تمضمض أو استنشق فسبق ماء المضمضة أو الاستنشاق إلى جوفه ما لم يبالغ، فإن بالغ أو كانت المضمضة الرابعة ودخل شيء إلى جوفه من الماء ولو بغير قصد أفطر ( وعليه الإمساك والقضاء).

ماذا لو جرح بطن الإنسان أو شق رأسه فوضع على الجرح دواء فوصل إلى جوفه أو باطن رأسه هل يفطر؟ وهل يفطر ما لا يصل عبر منفذ مفتوح كأن وصل إلى الجوف عبر المسام؟
.

* لو جرح بطن الإنسان أو شق رأسه فوضع على الجرح دواء فوصل الدواء إلى جوفه أو باطن رأسه يفطر، لأن الرأس والبطن منفذان مفتوحان كما مر سابقاً.-سؤال رقم: 38_

* أما ما لا يصل عبر منفذ مفتوح كالذي يصل إلى الجوف عبر المسام فإنه لا يفطر.

ماذا لو سبق الماء إلى جوف الإنسان من غسل تبرد أو مضمضة غير مندوبة كالمضمضة لتنظيف الفم أو من فرشاة الأسنان فهل يفطر إذا بالغ أو لم يبالغ؟.

* لو سبق الماء من غسل تبرد أو مضمضة غير مندوبة كالمضمضة لتنظيف الفم أو فرشاة الأسنان يفطر تعمد ذلك أم لم يتعمد، بالغ أم لم يبالغ.

وماذا لو كان الماء في فم المتوضىء الصائم كالمضمضة فحصل له سعال أو عطاس ونزل الماء بذلك الى جوفه فهل يفطر؟ وهل يستوي في ذلك صيام الفرض وصيام النفل؟.

* لو كان الماء في فم المتوضىء الصائم للمضمضة فحصل له سعال أو عطاس ونزل الماء بذلك الى جوفه لا يفطر.

* ويستوي في ذلك صيام الفرض وصيام النفل . ولا يضر بقاء شيء من الرطوبة في فم المتوضىء بعد مج الماء.

ولو سبق ماء من غسل مطلوب ولو مندوبا كغسل الجمعة إلى الجوف هل يضر؟ وهل يفطر من غلبه القيء؟ وماذا لو استقاء؟.

* لو سبق ماء من غسل مطلوب أو مندوب كغسل الجمعة مثلا إلى الجوف لا يضر .

* ولا يفطر من غلبه القيء على أن لا يبتلع شيئا منه، فإذا ابتلع أفطر عند الشافعية وعليه الإمساك والقضاء.

* أما لو استقاء أي قاء متعمداً أفطر بالاتفاق.

هل يجوز للصائم أن يستاك بالسواك إذا كان يابسا والى متى؟ وماذا لو كان السواك أخضر أو يابسا فتخلل منه شيء من طعمه فابتلعه المستاك مع ريقه هل يفطر؟

* يجوز للصائم أن يستاك بالسواك إذا كان يابساً إلى الزوال عند الشافعية وطيلة النهار عند الحنفية.

* لو كان السواك أخضراً أو يابساً فتخلل منه شيء من طعمه فابتلعه المستاك مع ريقه يفطر (كذلك الحال بالنسبة لمعجون الأسنان) وعليه الإمساك والقضاء عندها. أي إذا دخل شيء إلى جوف الذي يفرشي أسنانه ولوعن غير قصد أفطر وعليه الإمساك والقضاء.

إذا جامع الرجل زوجته في رمضان هل يفطر كل منهما وهل تكون الكفارة على الواطىء والموطوءة؟.

* إذا جامع الرجل زوجته في رمضان يفطر الواطىء والموطوءة وتكون الكفارة على الواطىء فقط عند الشافعية وإن تسببت الزوجة بذلك.

* أما عند الحنفية إن رضيت الزوجة بذلك أو تسببت به فعلى الواطىء والموطوءة كفارة (والكفارة هي عتق رقبة مؤمنة، فإن لم يجد أو لم يستطع، فصيام شهرين متتابعين، فإن لم يستطع فإطعام 60 مسكيناً لكل مسكين مُد من غالب قوت البلد ( 600 غ).

هل الاستمناء يفطر؟ وما حكم القبلة في رمضان؟.

* والاستمناء حرام ويفطر بالاتفاق وعليه القضاء ولا كفارة عليه ولو أنزل المني عن مباشرة كقبلة مثلا أفطر وعليه الإمساك والقضاء دون الكفارة.

* هذا علماً أن القبلة في رمضان مكروهة كراهة تحريم لمن حركت شهوته، لأن في ذلك تعريضاً لإفساد الصوم والأولى تركها في كل الأحوال. فهي مكروهة كراهة تحريم للشباب ومكروهة كراهة تنزيه للشيوخ. ولو أمذى عن مباشرة كقبلة لا يفطر والمذي هو ماء أبيض رقيق يخرج عند ثوران الشهوة، ولكن من غير تدفق ولا يعقُبُه انكسار شهوة، وهو نجس ناقض للوضوء، ولا يوجب الغسل.
هل يفطر خروج المني بالاحتلام ؟ هل تفطر المرأة إذا طرأ عليها الحيض ولو لحظة من النهار وهل يجب عليها القضاء؟
.

* لا يفطر خروج المني بالاحتلام أو بالنظر والفكر إلا إن اعتاد ذلك (إي إن علم أنه إن نظر إلى شيء ما خرج منها المني ففعل وأمنى افطر.

* وتفطر المرأة إذا طرأ عليها الحيض ولو لحظة من النهار، ويجب عليها القضاء ولا يستحب لها أن تمسك عن الطعام.

ما حكم المريض الذي لا يدري متى يشفى ؟ ماذا يفعل؟ هل يصوم، هل ينوي الصيام أم ماذا؟.

* المريض الذي لا يدري متى يشفى يجب عليه أن ينوي في كل ليلة صوم يوم غد من رمضان، ثم إذا استيقظ ووجد نفسه قادرا على إتمام الصوم، صام وأتمه، وإلا أفطر بعذر المرض.

*ولا يجوز له أن يقول : أنا مريض وسيتأخر شفائي فليس علي أن أنوي في كل ليلة. ذلك لأن الشفاء بيد الله تعالى، فقد يشفيه في لحظة. * بل يجب عليه أن ينوي كل ليلة صوم غد من رمضان، فأن استيقظ في اليوم التالي ووجد نفسه لا يزال مريضاً غير قادر على إتمام الصيام، أفطر بعذر المرض.
القاعدة الفقهية ما لا يدرك كله لا يترك كله اذكر كيف تطبق في مثل في الصيام؟
.. القاعدة الفقهية :" ما لا يدرك كله لا يترك كله" . يمكن تطبيقها في الصيام على النحو التالي على سبيل المثال: المريض الذي لا يرجى شفاؤه أو الذي يأخذ الدواء بانتظام عليه أن لا يهمل الصيام مطلقاً، يستطيع أن يسأل طبيبه إن كانت صحته أو حالته لا تمنعه من صيام يوم أو يومين، بمعنى آخر يفطر يوماً ويصوم يوماً أو يصوم يومين ويفطر يوماً بحسب ما تسمح له حالته الصحية وبقدر ما يتحمل دون تعريض نفسه للهلاك. ونعني بالقاعدة أن الإنسان إذا كان لا يستطيع صيام الشهر كله فهذا لا يمنعه من صيام بعضه ولو القليل منه. المقصود أنه لا يجوز للمسلم أن يفطر إلا إذا أخبره طبيب مسلم حاذق عالم بأحكام الصيام أنه عليه أن يفطر وإلا فيجب على المريض أن يسأل طبيبه إذا كان يمكنه أن يصوم يوم ويفطر يوم، أو يصوم يوم ويفطر يومين أو يصوم يوم ويفطر أسبوع، أو حتى ما إذا كان يمكنه أن يصوم يوماً واحداً في الشهر وجب عليه ذلك.
هل يبطل الصوم بالردة؟ وما حكم من باشر شيئاً من المفطرات ظاناً أن الفجر لم يطلع بعد، فتبين خطأه ؟ وماذا لو تبين أنه أكل في الليل، وماذا لو لم يتبين له خطأ ولا صواب؟ وماذا لو أفطر في آخر النهار ظاناً غروب الشمس، ثم تبين أنها قد غابت؟ وماذا لو لم يعلم أغربت الشمس أم لا؟
.

* يبطل الصوم بالردة.

* من باشر شيئاً من المفطرات ظاناً أن الفجر لم يطلع بعد، فتبين خطأه أفطر وعليه الإمساك عن الطعام والقضاء على التراخي.

*ولو تبين أنه أكل في الليل فلا شيء عليه. ولو لم يتبين له خطأ ولا صواب بقي على صيامه، لأن الأصل بقاء الليل.

* لو أفطر في آخر النهار ظاناً غروب الشمس ثم تبين أنها لم تكن قد غابت أثم، لأن عليه التحري قبلاً وأفطر وعليه قضاؤه.

* وإن تبين له أن الشمس غابت أثم ولم يفطر، لأنه أكل من غير تحر.

* وإن لم يتبين له حال الشمس أفطر وأثم، لأن الأصل بقاء النهار.

ماذا يندب للصائم أن يقول عند فطره ؟ وهل يستحب له إن يدعو بما يشاء عند فطره ؟ اذكر الدليل على ذلك. * يستحب للصائم أن يقول عند فطره : "اللهم لك صمت وعلى رزقك أفطرت، ذهب الظمأ وابتلت العروق وثبت الأجر إن شاء الله" [ أخرجه أبو داود في حديثين].

* ويستحب أن يدعو بما شاء عند فطره كأن يقول مثلا " اللهم إنا نسألك الفردوس الأعلى...

* ودليلنا على ذلك قوله صلى الله عليه وسلم : " إن للصائم عند فطره دعوة مستجابة ".

اذكر سبعة آداب من آداب الصوم ؟

آداب الصوم هي:

1- تعجيل الفطر بعد التيقن من غروب الشمس ( الأفضل الإفطار على: رطب، أو تمر، أو ماء)

2- تأخير السحور: لقوله صلى الله عليه وسلم:" تسحروا فإن في السحور بركة" [متفق عليه] وقوله " لا تزال أمتي بخير ما عجلوا الإفطار وأخروا السحور" [ أخرجه الإمام أحمد في "المسند" ].

3- ترك الهجر من الكلام: كالشتم، والكذب، وسماع الغناء....

4- الاغتسال من الجنابة قبل الفجر (علماً أن الجَنَابة لا تتعارض مع الصيام، أي لا يشترط لصحة الصيام الاغتسال من الجنابة أو الاغتسال في الحيض، ولكن يجب ذلك لصحة الصلاة، ويسن ذلك للصيام.

5- ترك الحجامة والفصد ( مص الدم الفاسد) وتذوق الطعام.

6- كثرة الصدقة، وتلاوة القرآن، ومدارسته، والاعتكاف في المسجد لا سيما في العشر الأخير من رمضان.

7-إطعام الصائمين وذلك بإطعامهم ولو تمرة أو شربة ماء.

ما حكم المبادرة إلى الاغتسال عقب الاحتلام مباشرة في نهار رمضان ؟ وما حكم الغُسل عن الحيض والنفاس قبل الفجر للحائض إذا طهرت قبل الفجر ؟ وهل للجنب أن يصوم إن لم يغتسل كل شهر رمضان ؟ وهل للحائض الصوم بعد الطهر وإن لم تغتسل؟ أم يجب عليها أن تغتسل قبل وقت معين ؟ * المبادرة إلى الاغتسال عقب الاحتلام مباشرة في نهار رمضان مستحب.

* والغسل عن الحيض والنفاس قبل الفجر للحائض إذا طهرت قبل الفجر مستحب .

* ويصح صيام الجنب إن لم يغتسل كل شهر رمضان، ولكن مع الإثم لتركه الصلاة .

*وللحائض الصوم بعد الطهر وإن لم تغتسل ولا يجب عليها أن تغتسل، قبل وقت معين، بل يجب عليها الاغتسال للصلاة.

ما حكم الوصال في الصوم الفرض و النفل: وهو صوم يوم فأكثر من غير أن يتناول مفطراً ؟ الوصال في الصوم للفرض و النفل أي صوم يوم فأكثر من غير مفطر بعد الغروب مكروه تحريماً.
ما حكم ذوق الطعام من مرق وغيره للصائم إذا لم ينزل إلى جوفه منه شيء؟ وماذا لو نزل منه شيء إلى جوفه؟
.

* يكره ذوق الطعام من مرق وغيره للصائم إذا لم ينزل إلى جوفه منه شيء، وتقل الكراهة عند الضرورة ( للمرأة ذات الزوج الصعب المزاج ) وشم العطوس أو البخور يفطر. ولا يفطر شم الروائح الطيبة كالورود وغيره.

هل يجب على المسافر والمريض الفدية أم القضاء فقط؟ وماذا لو أخر عن رمضان المقبل فما حكمه؟ وماذا لو أخر القضاء إلى رمضانين؟.

* يجب على المسافر والمريض القضاء فقط دون الفدية، ولكن قبل مجيء رمضان المقبل .

* لو أخر القضاء عن رمضان المقبل أثم وعليه القضاء والفدية ( وهي عبارة عن إطعام مكان كل يوم مسكيناً وجبتين مشبعتين من أوسط ما تطعمون أهليكم).

* لو أخر القضاء إلى رمضانين تتكرر الفدية بتكرر الأعوام. أي عليه قضاء ذلك اليوم ودفع فديتين عن كل يوم وإن أخره إلى ثلاث رمضانات عليه قضاء يوم ودفع ثلاث فديات عن كل يوم وهكذا.

ما حكم من مات ولم يتمكن من القضاء؟ وماذا لو مات بعد التمكن من القضاء ولم يقض؟ وماذا لو لم يتمكن من القضاء ولكن قد تعدى بفطره؟.

* من مات ولم يتمكن من القضاء لا شيء عليه إن أفطر بعذر كمرض أو سفر أو حيض...

* لو مات بعد التمكن من القضاء ولم يقض صام عنه وليه استحباباً (أي قريب من أقاربه) الأيام الباقيات في ذمته.

لقوله صلى الله عليه وسلم :" من مات وعليه صيام صام عنه وليه" [ متفق عليه ].

* من لم يتمكن من القضاء وكان متعديا بفطره أي أفطر بغير عذر ولم يتمكن من القضاء يقضي عنه وليه فإن لم يصم عنه أحد، أطعم عنه لكل يوم مد. ويخرج هذا من التركة وجوباً كالديون، فإن لم يكن له مال يجوز لوليه أن يدفع عنه، وتبرأ ذمته.

أيهما أولى في حق الميت الإطعام أو الصوم؟ وهل على ورثته قضاء أو فدية لو مات وعليه صلاة أو اعتكاف؟ وهل يصح في الحج الإطعام أم لا يصح إلا الحج عنه ( أي حج البدل)؟.

* الأولى في حق الميت الإطعام.

* ليس على ورثته قضاء أو فدية لو مات وعليه صلاة أو اعتكاف ( القضاء يكون في الصيام والحج والزكاة).

* لا يصح في الحج الإطعام بالاتفاق، ولا يصح إلا الحج عنه، أي حج البدل.

هل يصح الصوم عن حي ولو هرماً أو مريضاً مرضاً لا يرجى شفاؤه؟ وماذا يفعل من كان حاله كذلك؟.

* لا يصح الصوم عن حي ولو هرماً أو مريضاً مرضاً لا يرجى شفاؤه.

* ومن كان حاله كذلك يدفع فدية ( مد= وجبتين مشبعتين من غالب قوت البلد) عن كل يوم لمسكين.
إإإإلى من تخرج الكفارة أو الفدية ؟ وهل يجوز إعطاء فقير مدين أو ثلاثة؟ وهل يصح إعطاء كفارة الجماع لفقير واحد أو اثنين أو أربعين؟ وهل يجوز له أن يعطي فقيرين مد واحد؟
.

* تخرج الكفارة أو الفدية إلى الفقراء والمساكين فقط من دون سائر مصارف الزكاة.

* يجوز إعطاء فقير مدين أو ثلاثة ( ويجوز دفع الفدية عن شهر رمضان كاملة من أول يوم من رمضان) وله أن يعطي الفدية إلى فقير واحد.

*ولا يصح إعطاء كفارة الجماع لفقير واحد أو اثنين أو أربعين، بل يجب إعطاءها لستين مسكيناً إن لم يستطع الصيام.

* لا يجوز له أن يعطي فقيرين مد واحد، لأن كل مد هو عبارة عن يوم لفقير واحد.

هل على الحامل والمرضع القضاء والفدية إن أفطرتا خوفاً على نفسهما؟ وإن خافتا على ولديهما؟ وماذا لو خافتا على نفسهما وولديهما؟ وهل تتعدد الفدية بتعدد الأولاد؟ وماذا قال أبو حنيفة؟.

* ليس على الحامل والمرضع الفدية، بل القضاء فقط إن أفطرتا خوفاً على نفسهما (لهما أن تفطرا ولا يجب عليهما ذلك) وإن أفطرتا خوفاً على ولديهما عليهما القضاء والفدية.

* وأن خافتا على نفسهما وعلى ولديهما عليهما القضاء فقط.

* لا تتعدد الفدية بتعدد الأولاد ( مثل حالة التوأم ).

* وقال الحنفية عليهما القضاء فقط مطلقاً.
هل تجب الفدية لكل يوم على من أخر قضاء رمضان أو شيئا منه بعذر أو بغير عذر إلى رمضان آخر إن أمكنه القضاء في تلك السنة؟ وماذا لو أخره جهلاً أو نسياناً أو كرهاً؟ وهل تتكرر الفدية بتكرر الأعوام ؟
.

* تجب الفدية لكل يوم على من أخر قضاء رمضان أو شيئاً منه بعذر أو بغير عذر إلى رمضان آخر إن أمكنه القضاء في تلك السنة.

* لو أخره جهلاً أو نسياناً أو كرها عليه القضاء فقط، أي من كان يجهل هذا الحكم كحال -أغلب الناس-فعليه القضاء فقط، ولكن بعد أن علم وَجَبَ عليه المسارعة في القضاء قبل رمضان المقبل.

* وتتكرر الفدية بتكرر الأعوام.

ما هي كفارة الجماع في رمضان ؟ وماذا يفعل لو عجز عن الكفارة ؟ وهل يجوز إعطاء الكفارة لمن تلزمه نفقتهم؟ وهل لغير المكفر التطوع للتكفير عنه بإذنه؟ وهل تجب الكفارة على من أفطر بغير الجماع كالأكل والشرب ثم جامع ؟ وهل تجب الكفارة على من أفطر بغير الجماع كالأكل والشرب ثم جامع؟ وهل تجب الكفارة على من أفطر في نهار رمضان بغير عذر بنحو أكل أو شرب؟ اذكر قول الحنفية، الشافعية.

* كفارة الجماع في رمضان هي عتق رقبة مؤمنة، فإن لم يجد أو لم يستطع فصيام شهرين متتابعين، فإن لم يستطع فإطعام ستين مسكيناً لكل مسكين مُد من غالب قوت البلد.

* لو عجز عن الكفارة تلزم وتبقى في ذمته.

* لا يجوز إعطاء الكفارة لمن تلزمه نفقتهم.

* ويجوز لغير المكفر التطوع للتكفير عنه بإذنه من حيث الإطعام فقط ولا يجوز الصيام عنه .

* لا تجب الكفارة المغلظة على من أفطر بغير جماع كالأكل والشرب ثم جامع عند الشافعية وتجب عند الحنفية.

* لا تجب الكفارة المغلظة على من أفطر في نهار رمضان بغير عذر بنحو أكل أو شرب عند الشافعية ويجب القضاء والكفارة عند الحنفية على من أفطر من نهار رمضان عامدا بالجماع أو بالأكل أو الشرب غذاء أو دواء أو شرب الدخان.

ماذا يفعل من تعرض للشتم و هو صائم؟.

ليكن من عباد الرحمن الذين قال عنهم سبحانه وتعالى في كتابه العزيز: {وَعِبَادُ الرَّحْمَانِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمْ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلامًا} [الفرقان: 63] فإذا شتم أحد صائماً فليقلُ الصائم كما علمنا الرسول صلى الله عليه وسلم: " إني صائم، إني صائم".


ما هو أجر تفطير الصائم؟ (أي دعوته إلى الإفطار).

* تفطير الصائم أمر مستحب وينبغي الحرص عليه لما فيه من الأجر والثواب . قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

" من فطَّر صائماً فله مثل أجره، إلا أنه لا ينقص من أجر الصائم شيئاً" [أخرجه الترمذي]. ويستحب لمن فطره أخوه أن يدعو له بعد الانتهاء بدعاء رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أفطر عندكم الصائمون، وأكل طعامكم الأبرار، وصَلَّت عليكم الملائكة" [أخرجه أبو داود و الترمذي].

عدد الأيام التي يسن صومها وهل يشترط في صيام الست من شوال تتابعها أو صيامها ابتداءاً من ثاني أيام العيد، وهل يشترط صيام ثاني يوم من شوال ؟ وهل للإنسان أن يجمع في صيام يوم واحد نية القضاء والسنة مثل أن يصوم يوم الاثنين قضاءً عما عليه وينوي به سنة صيام الاثنين؟.

* الأيام التي يسن صومها هي: 9 و10 محرم أي يوم تاسوعاء وعاشوراء أو الحادي عشر من محرم يوم عرفة يومي الاثنين والخميس.

- ثلاثة أيام من كل شهر (الأفضل أن تكون الليالي البيض: 13-14-15 من كل شهر قمري) ستة أيام من شوال - أول تسعة أيام من ذي الحجة.

لا يشترط في صيام الست من شوال تتابعها أو صيامها ابتداءاً من ثاني أيام العيد، ولكن يستحب صيام ثاني يوم من شوال، ويستحب استحباباً تتابعهاً.

* نعم، يجوز للمسلم أن ينوي صيام قضاء وسنة في يوم واحد وذلك في كل الأيام التي يسن صومها وقال الحنفية الأفضل أن لا يجمع مع نية صوم يوم عرفة فقط صوم قضاء، وذلك لفضيلته. أما باقي الأيام التي يسن صومها، فله أن ينوي القضاء والسنة عند الحنفية والشافعية.

ملاحظة: جمع نية القضاء والسنة في طاعة واحدة يصح في الصوم ولا يصح في الصلاة، فليس للمسلم أن ينوي ركعتين قضاء الفجر وركعتين سنة الظهر في صلاة واحدة.

هل يسن صوم الأشهر الحرم وما هي هذه الأشهر؟ وهل يسن صيام 15 شعبان وصيام 1 رجب و27 رجب؟ وهل يصح الدعاء المشهور بين العامة في النصف من شعبان " اللهم إن كنت كتبتني عندك في أم الكتاب شقياً أو محروماً فامحو اللهم شقاوتي " ولماذا؟.

* نعم يسن صوم الأشهر الحرم وهي : محرم، و ذو القعدة، و ذو الحجة، و رجب.

* لا يسن صيام 15 شعبان و1 رجب و27 رجب . ولكن لو صامها متنفلا من غير اعتقاد سنيتها فهذا أمر حسن وصيامها كصيام أي يوم من رجب أو شعبان، فلا فرق بين النصف من شعبان أو العاشر منه مثلاً...

لا يصح ولا يجوز الدعاء المشهور بين العامة في النصف من شعبان : " اللهم إن كنت كتبتني عندك في أم الكتاب شقيا أو محروما فامحو اللهم شقاوتي " لأن ما في أم الكتاب ثابت لا يمحى، قال تعالى : " يمحو الله ما يشاء ويثبت وعنده أم الكتاب ". أي وعنده أم الكتاب ثابت لا يتغير.

أيُّ الصيام أفضل ؟ وهل للمرأة أن تصوم صوم نفل بغير إذن زوجها الحاضر أو علم رضاه؟ وهل لها صوم يوم عرفة بغير إذن زوجها الحاضر؟.

* صيام داود عليه السلام هو أفضل الصيام وهو عبارة عن صيام يوم وإفطار يوم.

* لا يجوز للمرأة أن تصوم نفل بغير إذن زوجها الحاضر أو علم رضاه ولكن، لها أن تصوم يوم عرفة بغير إذن زوجها الحاضر لأنه سنة مؤكدة.

ما هي الأيام التي يكره إفرادها بالصوم، وما حكم صوم الدهر؟ وهل يكره إفراد يوم الجمعة بنذر، وقضاء، أو صيام له سبب ؟ وهل يكره إذا وصل يوم الجمعة بما قبله أو بعده؟.

* الأيام التي يكره إفرادها بالصوم هي الجمعة والسبت والأحد.

صوم الدهر يستحب، لأن الصوم من أفضل العبادات، بشرط أن لا يفوت عليه حق لأحد، وبشرط أن لا يلحقه ضرر و إلا كره له.

* لا يكره إفراد يوم الجمعة بنذر وقضاء أو صيام له سبب عند الشافعية.

* لا يكره إذا وصل يوم الجمعة بما قبله أو بعده.

ما هي الأيام التي يحرم صيامها ؟ وهل ينعقد الصيام في هذه الأيام ؟ وهل يستثنى من تلك الأيام شيء؟.

* الأيام التي يحرم صيامها هي : يوم عيد الفطر ويوم عيد الأضحى وأيام التشريق الثلاثة (هي الأيام الثلاثة التي تلي يوم عيد الأضحى) و يوم الشك (وهو الثلاثين من شعبان وصيامه معصية) والنصف الثاني من شعبان.

* وينعقد الصيام في النصف الثاني من شعبان وتنتفي حرمة صوم هذه الأيام إذا كان الإنسان قد اعتاد صيام الخميس والاثنين أو عليه قضاء أو وصل صيامه بما قبل النصف الثاني من شعبان.

* ومن كان عليه قضاء له أن يصوم بعد النصف من شعبان.

* ولا ينعقد الصيام مطلقاً يوم عيد الفطر وعيد الأضحى وأيام التشريق.

ما حكم الاعتكاف في كل وقت وما حكمه في العشر الأواخر من رمضان ومتى يكون واجباً ؟ وما هي شروط الاعتكاف ؟ وما هو أقله؟.

*الاعتكاف سنة في كل وقت وفي العشر الأواخر من رمضان هو سنة مؤكدة وله أجر عظيم.

*ويكون الاعتكاف واجباً في حالة النذر .

*شروط صحة الاعتكاف هي :

1- النية

2- اللبث في المسجد فترة تسمى في العرف اعتكافاً (مقدار ركعتين من صلاة)

ملاحظة : يستحب للمسلم في كل وقت إذا دخل إلى أي مسجد أن يقول: نويت الاعتكاف في هذا المسجد

ما دمت فيه. فيكون له بذلك أجر الصلاة والاعتكاف ما دام في المسجد ولو لفترة قصيرة. فينبغي على المسلم أن ينوي الاعتكاف ولو لصلاة عادية كصلاة المغرب مثل، أو لصلاة الجمعة في رمضان وخارج رمضان لينال أجراً أعظم إن شاء الله.

هل يسن للمرأة أن تعتكف؟ وهل لها أن تعتكف بغير إذن زوجها؟ وأين تعتكف المرأة؟.

* يسن للمرأة أن تعتكف، ولا يجوز لها أن تعتكف بغير إذن زوجها.

* ولها أن تعتكف في المسجد مع زوجها، أو في مصلاها في بيتها.
هل تجب زكاة الفطر على من ولد قبل غروب آخر يوم من رمضان وماذا لو مات قبل غروب آخر يوم من رمضان؟ وهل يشترط لدفع زكاة الفطر أن يكون الدافع مالكاً للنصاب أم ماذا يشترط ؟
.

* تجب زكاة الفطر على من ولد قبل غروب آخر يوم من رمضان.

ولو مات قبل غروب آخر يوم من رمضان لم تجب في حقه.

* لا يشترط لدفع زكاة الفطر أن يكون الدافع مالكاً للنصاب ولكن يشترط أن يوجد لديه فضل من المال يزيد عن قوته وقوت عياله في يوم العيد وليلته، وعن مسكن وخادم إن كان بحاجة إليه، فلو كان ماله لا يكفي لنفقات يوم العيد وليلته، بالنسبة له ولمن تجب عليه نفقتهم، لم تلزمه زكاة الفطر، ولو كان لديه مال يكفي يوم العيد وليلته ولكنه لا يكفي لما بعد ذلك تجب عليه زكاة الفطر، ولا عبرة بما بعد يوم العيد وليلته. وهذا عند الشافعية أما عند الحنفية فلا تجب إلا على من ملك النصاب.
على من يجب أن يخرج المكلف زكاة الفطر، عنهم؟ وهل يجب أن يخرجها عن ولده البالغ القادر على الاكتساب؟ وهل له أن يخرجها عنه ؟ والى من تدفع زكاة الفطر؟
.

* يجب على المكلف إخراج زكاة الفطر عن نفسه وعمن تلزمه نفقتهم، كأصوله وفروعه وزوجته.

* ولا يجب أن يخرجها عن ولده البالغ القادر على الاكتساب، ولكن له أن يخرجها عنه بإذنه وتوكيله.وإن أخرجها عن أولاده الكبار وهم في عياله بغير إذنهم أجزأهم عند الحنفية.

* تدفع زكاة الفطر إلى الفقراء والمساكين وباقي مصارف الزكاة.

ما هي زكاة الفطر، أي كم تساوي؟ ومتى يجب إخراجها؟ وماذا لو لم يخرجها؟ وهل له أن يخرجها من أول رمضان؟ ومتى يسن إخراجها؟.

* زكاة الفطر هي صاع من غالب قوت البلد، والصاع عبارة عن أربعة إمداد أي حفنات وتساوي بالوزن 2400 غراما تقريبا.

* يجب إخراجها بغروب شمس آخر أيام رمضان.

* وله أن يخرجها من أول رمضان أو في أي يوم منه إلى غروب شمس يوم الفطر ويسن إخراجها صباح يوم العيد قبل الخروج إلى الصلاة. فإن لم يخرجها قبل غروب يوم العيد أثم ولزمه القضاء.

ماذا يجب على من أفطر بالجماع في رمضان ثلاثة مرات في ثلاثة أيام متفرقة؟.

* من أفطر بالجماع في رمضان ثلاثة مرات في ثلاثة أيام متفرقة وجب عليه قضاء الأيام الثلاثة التي أفطرها، وتتكرر الكفارة بتكرر الأيام التي أفطرها بالجماع أي يقضي الأيام الثلاثة ويلزمه ثلاث كفارات وهذا عند الشافعية، أما عند الحنفية فإن الكفارات تتداخل ولا يلزمه إلا كفارة واحدة ما لم يكفر عن واحد منهم.

ما حكم صلاة التراويح في رمضان ؟ ومتى وقتها فهل تجوز قبل العشاء وهل تجوز بعد الوتر ؟ وهل لو فات المأموم بعضها وقام الإمام إلى الوتر هل له أن يوتر معه ثم يصلى ما فاته؟.

* صلاة التراويح في رمضان سنة مؤكدة.

* وقتها بين صلاة العشاء وصلاة الفجر وتصلى قبل الوتر ولو صلاها قبل أن يصلي العشاء لا يصح وبعد الوتر يجوز * ولو فات المأموم بعضها وقام الإمام إلى الوتر له أن يوتر معه ثم يصلي ما فاته. ولا تقضى التراويح إذا فاتت.

هل يسن في الوتر الجماعة في رمضان؟ وهل يسن ذلك في غير رمضان على أن يصلى أربعة مقتدين بواحد؟ وماذا لو اقتضى المتنفلون بالوتر بمن يصلي فرضا في غير رمضان؟.

* الأفضل في الوتر الجماعة في رمضان.

*ويكره تنزيها أن يصلي الوتر والتطوع في غير رمضان في جماعة إذا كان ذلك على سبيلا لتداعي بأن يقتدي أربعة بواحد وأما اقتداء واحد بواحد أو اثنين بواحد فلا يكره وثلاثة بواحد فيه خلاف.

* ولو اقتدى واحد أو اثنان ثم جاءت جماعة فاقتدوا به فالكراهة على المتأخرين ولا يخفى أن هذا إذا كان الكل متنفلين، أما لو اقتدى متنفلون بمفترض فلا كراهة حينئذ.

هل يجوز عند الحنفية لمن عليه صلوات أن يشتغل بالتراويح؟ ولماذا؟.

* يجوز عند الأحناف لمن عليه قضاء صلوات أن يشتغل بالتراويح لآكديتها.

فائدة : سها في التراويح فقام إلى الثالثة ولم يقعد في الثانية ماذا يفعل ؟

الجواب : إن تذكر في القيام ينبغي أن يعود ويقعد ويسلم ما لم يقيد الثالثة بالسجدة وإن تذكر بعدها ركع للثالثة وسجد فإن أضاف إليها ركعة أخرى فإن هذه الأربع عن تسليمه واحدة، يعني حسبت له عن ركعتين فقط.

وهذا إذا صلى أربع ركعات ولم يقعد في الثانية، فإن قعد في الثانية قدر التشهد حاز عن تسليمتين في الصحيح عند الحنفية.


وفي الاصطلاح: هو الإمساك عن المفطر على وجه مخصوص.

2- الحكم التكليفي:

      أجمعت الأمة على أن صوم شهر رمضان فرض. والدليل على الفرضية الكتاب والسنة والإجماع.

      أما الكتاب، فقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمْ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [البقرة: 183] وقوله كتب عليكم: أي فرض.

      وقوله تعالى: {فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ} [البقرة: 115].

      وأما السنة، فحديث ابن عمر رضي الله تعالى عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "بني الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، والحج، وصوم رمضان" متفق عليه.

      كما انعقد الإجماع على فرضية صوم شهر رمضان، ولا يجحدها إلا كافر.

3- فضل الصوم:

      وردت في فضل الصوم أحاديث كثيرة، منها ما يلي:

      أ- عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "من صام رمضان إيماناً واحتساباً، غفر له ما تقدم من ذنبه، ومن قام ليلة القدر إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه". رواه البخاري.

      ب- وعن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال: "كان النبي صلى الله عليه وسلم يبشر أصحابه بقدوم رمضان، يقول: قد جاءكم شهر رمضان، شهر مبارك، كتب عليكم صيامه، تفتح فيه أبواب الجنة، وتغلق فيه أبواب الجحيم، وتُغَلّ فيه الشياطين، فيه ليلة خير من ألف شهر" رواه النسائي وأحمد.

      جـ- وعن سهل بن سعد رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إن في الجنة باباً، يقال له: الريان، يدخل منه الصائمون يوم القيامة، لا يدخل منه أحد غيرهم، يقال: أين الصائمون؟ فيقومون، لا يدخل منه أحد غيرهم، فإذا دخلوا أغلق، فلم يدخل منه أحد" رواه البخاري.

      د- وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "رَغِمَ أَنفُ رجل دخل عليه رمضان، ثم انسلخ قبل أن يغفر له" رواه الترمذي.

4- حكمة الصوم:

      تتجلى حكمة الصوم في عدة أمور:

      أ- أن الصوم وسيلة إلى شكر النعمة، إذ هو كف النفس عن الأكل والشرب والجماع، وإنها من أجلِّ النعم وأعلاها، والامتناع عنها زماناً معتبراً يعرّف قدرها، إذ النعم مجهولة، فإذا فقدت عرفت، فيحمله ذلك على قضاء حقها بالشكر، وشكر النعم فرض عقلاً وشرعاً، وإليه أشار الرب سبحانه وتعالى بقوله في آية الصيام:

{وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} [البقرة: 185].

      ب- أن الصوم وسيلة إلى التقوى، لأنه إذا انقادت نفس للامتناع عن الحلال طمعاً في مرضاة الله تعالى، وخوفاً من أليم عقابه، فأولى أن تنقاد للامتناع عن الحرام، فكان الصوم سبباً لاتقاء محارم الله تعالى، وإنه فرض، وإليه وقعت الإشارة بقوله تعالى في آخر آية الصوم {لَعَلَّكُمْ تَتَّقُون} [البقرة: 183].

      ج- أن في الصوم قهر الطبع وكسر الشهوة، لأن النفس إذا شبعت تمنت الشهوات، وإذا جاعت امتنعت عما تهوى، ولذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: "يا معشر الشباب: من استطاع منكم الباءة فليتزوج، فإنه أغض للبصر، وأحصن للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم، فإنه له رجاء" رواه البخاري، فكان الصوم ذريعة إلى الامتناع عن المعاصي.

      د- أن الصوم موجب للرحمة والعطف على المساكين، فإن الصائم إذا ذاق ألم الجوع في بعض الأوقات، ذكر مَنْ هذا حاله في جميع الأوقات، فتسارع إليه الرقة عليه، والرحمة به، بالإحسان إليه، فينال بذلك ما عند الله تعالى من حسن الجزاء.

      هـ- في الصوم قهر للشيطان، فإن وسيلته إلى الإضلال والإغواء : الشهوات، وإنما اتقاء الشهوات بالأكل والشرب، وذلك جاء في حديث صفية رضي الله عنها قوله -عليه الصلاة والسلام-: "إن الشيطان ليجري من ابن آدم مجرى الدم، فضيقوا مجاريه بالجوع" متفق عليه.

5- أنواع الصوم:

      ينقسم الصوم إلى صوم عين، وصوم دين.

      1- صوم العين: ماله وقت معين:

      أ- إما بتعيين الله تعالى، كصوم رمضان، وصوم التطوع خارج رمضان، لأن خارج رمضان متعين للنفل شرعاً.

      ب- وإما بتعيين العبد، كالصوم المنذور به في وقت بعينه.

      2- صوم الدين: ما ليس له وقت معين، كصوم قضاء رمضان، وصوم كفارة القتل والظهار واليمين والإفطار في رمضان، وصوم متعة الحج، وصوم فدية الحلق، وصوم جزاء الصيد، وصوم النذر المطلق عن الوقت، وصوم اليمين، بأن قال: والله لأصومن شهراً.

      الصوم المفروض

      ينقسم الصوم المفروض من العين والدين، إلى قسمين: منه ما هو متتابع، ومنه ما هو غير متتابع، بل صاحبه بالخيار: إن شاء تابع، وإن شاء فرق.

      أولاً: ما يجب فيه التتابع، ويشمل ما يلي:

1.        أ- صوم رمضان، فقد أمر الله تعالى بصوم الشهر بقوله سبحانه:

2.  {فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ} والشهر متتابع، لتتابع أيامه، فيكون صومه متتابعاً ضرورة.

      ب- صوم كفارة القتل الخطأ، وصوم كفارة الظهار، والصوم المنذور به في وقت بعينه، وصوم كفارة الجماع في نهار رمضان.

      ثانياً: ما لا يجب فيه التتابع، ويشمل ما يلي:

1.  قضاء رمضان، ذهب الأئمة الأربعة عدم اشتراط التتابع فيه، لقوله تعالى:

{فعدة من أيام أخر} [البقرة: 184] فإنه ذكر الصوم مطلقاً عن التتابع.

      ويندب التتابع أو استحبابه للمسارعة إلى إسقاط الفرض.

      ب- الصوم في كفارة اليمين، وفي تتابعة خلاف.

      ج- صوم المتعة في الحج، وصوم كفارة الحلق، وصوم جزاء الصيد، وصوم النذر المطلق، وصوم اليمين المطلقة.

      قال الله -عز وجل- في صوم المتعة: {فمن تمتّع بالعمرة إلى الحج فما استيسر من الهدى، فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام في الحج، وسبعة إذا رجعتم ..} [البقرة: 196].

      وقال في كفارة الحلق: {ولا تحلقوا رؤوسكم حتى يَبْلُغ الهدىُ مَحِلَّه فمن كان منكم مريضاً أو به أذى من رأسه، ففِدْية من صيام، أو صدقة أو نُسُك ...} [البقرة: 195].

      وقال في جزاء الصيد: {أو عَدْلُ ذلك صياماً، ليذوق وبال أمره} [المائدة: 92] فذكر الصوم في هذه الآيات مطلقاً عن شرط التتابع.

      وكذا: الناذر، والحالف في النذر المطلق، واليمين المطلقة، ذكر الصوم فيها مطلقاً عن شرط التتابع.

      الصوم المختلف في وجوبه، ويشمل ما يلي:

      - الأول، وهو: قضاء ما أفسده من صوم النفل .

      ذهب الحنفية والمالكية إلى أن قضاء نفل الصوم إذا أفسده واجب، دليل ذلك حديث عائشة رضي الله تعالى عنها قالت: "كنت أنا وحفصة صائمتين، فعرض لنا طعام اشتهيناه، فأكلنا منه، فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فبدرتني إليه حفصة -وكانت ابنة أبيها- فقالت يا رسول الله: إنا كنا صائمتين، فعرض لنا طعام اشتهيناه فأكلنا منه قال: اقضيا يوماً آخر مكانه" رواه الترمذي.

      ولأن ما أتى به قربة، فيجب صيانته وحفظه عن البطلان، وقضاؤه عند الإفساد، لقوله تعالى: {ولا تبطلوا أعمالكم} [محمد: 33] ولا يمكن ذلك إلا بإتيان الباقي، فيجب إتمامه وقضاؤه عند الإفساد ضرورة،فصار كالحج والعمرة المتطوّعين.

      والحنفية لا يختلفون في وجوب القضاء إذا فسد صوم النافلة عن قصد، أو غير قصد بأن عرض الحيض للصائمة المتطوعة.

      والضيافة عذر، إن كان صاحبها ممن لا يرضى بمجرد حضوره، ويتأذى بترك الإفطار، فيفطر، وإلا لا، حتى لو حلف عليه رجل بالطلاق الثلاث، أفطر ولو كان صومه قضاء، ولا يحنثه على المعتمد.

      وإن كان صاحب الطعام يرضى بمجرد حضوره، وإن لم يأكل، لا يباح له الفطر، وإن كان يتأذى بذلك يفطر.

      وهذا إذا كان قبل الزوال، أما بعده فلا، إلا لأحد أبويه إلى العصر، لا بعده.

      والمالكية أوجبوا القضاء بالفطر العمد الحرام، احترازاً عن الفطر نسياناً أو إكراهاً، أو بسبب الحيض والنفاس، أو خوف مرض أو زيادته، أو شدة جوع أو عطش، حتى لو أفطر لحلف شخص عليه بطلاق باتٍ، فلا يجوز الفطر، وإن أفطر قضى.

      واستثنوا ما إذا كان لفطره وجه:

      - كأن حلف بطلاقها، ويخشى أن لا يتركها إن حنث، فيجوز الفطر ولا قضاء.

      - أو أن يأمره أبوه أو أمه بالفطر، حناناً وإشفاقاً عليه من إدامة الصوم، فيجوز له الفطر، ولا قضاء عليه.

      - أو يأمره أستاذه أو مربيه بالإفطار، وإن لم يحلف الوالدان أو الشيخ.

      والشافعية والحنابلة، لا يوجبون إتمام نافلة الصوم، ولا يوجبون قضاءها إن فسدت، وذلك:

      - لقول عائشة رضي الله تعالى عنها: "يا رسول الله! أهدى إلينا حيس(1) فقال: أرنيه فلقد أصبحت صائماً فأكل" رواه مسلم وزاد النسائي: "إنما مثل صوم المتطوع مثل الرجل يخرج من ماله الصدقة، فإن شاء أمضاها، وإن شاء حبسها".

___________________

(1) تمر مخلوط بسمن ولبن مخفق.

      - ولحديث أم هانئ رضي الله تعالى عنها "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل عليها، فدعا بشراب فشرب، ثم ناولها فشربت، فقالت: يا رسول الله! أما إني كنت صائمة! فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الصائم المتطوع أمين نفسه، إن شاء صام، وإن شاء أفطر" رواه الترمذي، وفي رواية: "أمير نفسه".

      - ولأن القضاء يتبع المقضى عنه، فإذا لم يكن واجباً، لم يكن القضاء واجباً، بل يستحب.

      - ونص الشافعية والحنابلة على أن من شرع في نافلة صوم لم يلزمه الإتمام، لكن يستحب، ولا كراهة ولا قضاء في قطع صوم التطوع مع العذر.

      أما مع عدم العذر فيكره، لقوله تعالى: {ولا تبطلوا أعمالكم} [محمد: 33].

      ومن العذر: أن يعز على من ضيّفه امتناعه من الأكل.

      وإذا أفطر فإنه لا يثاب على ما مضى إن أفطر بغير عذر، وإلا أثيب.

      الثاني: صوم الإعتكاف، وفيه خلاف.

 

      صوم التطوع

      وهو:

      1- صوم يوم عاشوراء.

      2- صوم يوم عرفة.

      3- صوم يوم الإثنين والخميس من كل أسبوع.

      4- صيام ثلاثة أيام من كل شهر، وهي الأيام البيض.

      5- صيام ستة أيام من شوال.

      6- صوم شهر شعبان.

      7- صوم شهر محرم.

      8- صوم شهر رجب.

      9- صيام ما ثبت طلبه والوعد عليه في السنة الشريفة.

 

 

      الصوم المكروه

ويشمل ما يلي:

      أ- إفراد يوم الجمعة بالصوم:

      ذهب الجمهور إلى كراهة إفراد يوم الجمعة بالصوم، وقد ورد فيه حديث عن أبي هريرة -رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "لا تصوموا يوم الجمعة، إلا وقبله يوم، أو بعده يوم" رواه البخاري.

      وذهب أبو حنيفة إلى أنه لابأس بصومه منفرداً، لما روي عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أنه كان يصومه ولا يفطر، وظاهر هذا أن المراد (لا بأس) الاستحباب، بندب صومه، ولو منفرداً. وذهب المالكية إلى ندب صومه منفرداً وحده فقط، لا قبله ولا بعده، فإن ضم إليه آخر فلا خلاف في ندبه.

      قال الجمهور: فمطلق النهي عن صومه مقيد بالإفراد.

      وتنتفي الكراهة بضم يوم آخر إليه، لحديث جويرية بنت الحارث رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم. دخل عليها يوم الجمعة، وهي صائمة، فقال: "أصمت أمس"؟ قالت: لا. قال: "تريدين أن تصومي غداً"؟ قالت: لا. قال: "فأفطري" رواه البخاري.

      ب- صوم يوم السبت وحده خصوصاً:

      وهو متفق على كراهته، وقد ورد فيه حديث عبد الله بن بسر، عن أخته، واسمها الصماء رضي الله تعالى عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : "لا تصوموا يوم السبت إلا فيما افترض عليكم، فإن لم يجد احدكم إلا لحاء عنبة أو عود شجرة فليمضغه" رواه الترمذي.

      ووجه الكراهة أنه يوم تعظمه اليهود، ففي إفراده بالصوم تشبه بهم، إلا أن يوافق صومه بخصوص يومٍ اعتاد صومه، كيوم عرفة أو عاشوراء.

      ج- صوم يوم الأحد بخصوصه:

      ذهب الحنفية والشافعية إلى أن تعمد صوم يوم الأحد بخصوصه مكروه، إلا إذا وافق يوماً كان يصومه، وإن صوم السبت والأحد معاً ليس فيه تشبه باليهود والنصارى، لأنه لم تتفق طائفة منهم على تعظيمهما، كما لو صام الأحد مع الإثنين، فإنه تزول الكراهة.

      ونص الحنابلة أنه يكره صيام كل عيد لليهود والنصارى أو يوم يفردونه بالتعظيم إلا أن يوافق عادة للصائم.

 

      د- إفراد يوم النيروز بالصوم:

      يكره إفراد يوم النيروز(1)، ويوم المهرجان(2) بالصوم، وذلك لأنهما يومان يعظمهما الكفار، وهما عيدان للفرس، فيكون تخصيصهما بالصوم -دون غيرهما- موافقة لهم في تعظيمهما، فكره، كيوم السبت.

      وعلى قياس هذا كل عيد للكفار، أو يوم يفردونه بالتعظيم.

      وقال الحنفية: إن الصائم إذا قصد بصومه التشبه، كانت الكراهة تحريمية.

      هـ- صوم الوصال:

      ذهب جمهور الفقهاء (الحنفية والمالكية والحنابلة) إلى كراهة صوم الوصال، وهو : أن لا يفطر بعد الغروب أصلاً، حتى يتصل صوم الغد بالأمس، فلا يفطر بين يومين.

      وإنما كره، لما روي عن ابن عمر -رضي الله تعالى عنهما- قال: "واصل رسول الله صلى الله عليه وسلم في رمضان، فواصل الناس .. فنهاهم، قيل له: إنك تواصل، قال: إني لست مثلكم، إني أطعم وأسقى" رواه البخاري.

      والنهي وقع رفقاً ورحمةً، ولهذا واصل النبي صلى الله عليه وسلم.

      وتزول الكراهة بأكل تمرة ونحوها، وكذا بمجرد الشرب لانتفاء الوصال.

      وقال الحنابلة: ولا يكره الوصال إلى السحر، لحديث أبي سعيد -رضي الله عنه- مرفوعاً: "فأيكم إذا أراد أن يواصل، فليواصل حتى السحر" رواه البخاري ولكنه ترك سنة، وهي: تعجيل الفطر، فترك ذلك أولى محافظة على السنة.

      وعند الشافعية قولان: الأول وهو الصحيح: بأن الوصال مكروه كراهة تحريم، وهو ظاهر نص الشافعي رحمه الله.

      والثاني: يكره كراهة تنزيه.

      و- صوم الدهر (صوم العمر):

      ذهب جمهور الفقهاء (الحنفية والمالكية والحنابلة) إلى كراهة صوم الدهر، وعللت الكراهة بأنه يضعف الصائم عن الفرائض والواجبات، والكسب الذي لا بد منه، أو بأنه يصير الصوم طبعاً له، ومبنى العبادة على مخالفة العادة.

      واستدل للكراهة، بحديث عبد الله بن عمرو بن العاص -رضي الله تعالى عنهما- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا صام من صام الأبد" متفق عليه.

      وفي حديث أبي قتادة -رضي الله عنه- قال: "قال عمر: يا رسول الله كيف بمن يصوم الدهر كله؟ قال: لا صام ولا أفطر، أو لم يصم ولم يفطر" رواه مسلم، أي: لم يحصّل أجر الصوم لمخالفته، ولم يفطر لأنه أمسك.

      وقال الشافعية: إن خاف منه ضرراً، أو فَوَّتَ به حقاً كره، وإلا فلا.

      والمراد بصوم الدهر عند الشافعية: سرد الصوم في جميع الأيام إلا الأيام التي لا يصح صومها وهي : العيدان وأيام التشريق.

      الصوم المحرم

 

      ذهب الجمهور (المالكية والشافعية والحنابلة) إلى تحريم صوم الأيام التالية:

      أ- صوم يوم عيد الفطر، ويوم عيد الأضحى، وأيام التشريق، وهي: ثلاثة أيام بعد يوم النحر.

      وذلك لأن هذه الأيام منع صومها لحديث أبي سعيد -رضي الله عنه- "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن صيام يومين: يوم الفطر، ويوم النحر" رواه البخاري.

      وحديث نبيشة الهذلي -رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أيام التشريق ايام أكل وشرب، وذكر الله - عز وجل" رواه مسلم.

      وذهب الحنفية إلى جواز الصوم فيها مع الكراهة التحريمية، لما في صومها من الإعراض عن ضيافة الله تعالى، فالكراهة ليست لذات اليوم، بل لمعنى خارج مجاور، كالبيع عند الأذان يوم الجمعة، حتى لو نذر صومها صح، ويفطر وجوباً تحامياً عن المعصية، ويقضيها إسقاط للواجب، ولو صامها خرج عن العهدة، مع الحرمة.

      وقال الحنابلة إن صومها لا يصح فرضاً ولا نفلاً.

      واستثنى المالكية والحنابلة في رواية: صوم أيام التشريق عن دم المتعة والقران، لقول ابن عمر وعائشة -رضي الله تعالى عنهم- لم يرخص في أيام التشريق أن يُصَمْنَ إلا لمن لم يجد الهدى.

      قال الشافعية: وأما صوم يوم النحر، فقطع ببطلانه، لأنه لم يظهر انصراف النهي عن عينه ووصفه، ولم يرتض قولهم: إنه نهى عنه، لما فيه من ترك إجابة الدعوى بالأكل.

      ب- ويحرم صيام الحائض والنفساء، وصيام من يخاف على نفسه الهلاك بصومه.

 

متى يجب الصوم، وكيفية إثبات هلال الشهر واختلاف المطالع؟

      وفيه مطالب ثلاثة:

      6-متى يجب الصوم؟

      يجب الصوم بأحد أمور ثلاثة.

      الأول: النذر: بأن ينذر المرء صوم يوم أو شهر تقرباً إلى الله تعالى، فيجب عليه بإيجابه على نفسه، ويكون سبب صوم المنذور هو النذر، فلو عين شهراً أو يوماً، وصام شهراً أو يوماً قبله عنه، أجزأه، لوجود السبب، ويلغو التعيين.

      الثاني: الكفارات: عن معصية ارتكبها المرء، كالقتل الخطأ، وحنث اليمين، وإفطار رمضان بالجماع نهاراً، والظهار، ويكون سبب الصوم هو القتل أو الحنث أو الإفطار، أو المظاهرة.

      الثالث: شهود جزء من شهر رمضان من ليل أو نهار على المختار عند الحنفية، فيكون السبب شهود الشهر.

      ويجب صوم رمضان: إما برؤية هلاله إذا كانت السماء صحواً، أو بإكمال شعبان ثلاثين يوماً إذا وجد غيم أو غبار ونحوهما.

      لقوله تعالى: {فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ}.

      وقوله صلى الله عليه وسلم: "صومواً لرؤيته، وأفطروا لرؤيته، فإن غمّ عليكم فأكملوا عدة شعبان ثلاثين" رواه مسلم وفي لفظ البخاري: "الشهر تسع وعشرون ليلة، فلا تصوموا حتى تروه، فإن غم عليكم فأكملوا العدة ثلاثين" وفي لفظ لمسلم: "أنه ذكر رمضان، فضرب بيديه، فقال: الشهر هكذا وهكذا وهكذا، ثم عقد إبهامه في الثالثة، فصوموا لرؤيته، وأفطروا لرؤيته، فإن غم عليكم فاقُدروا ثلاثين".

      وقد يقع نقص الشهر أي تسعة وعشرين يوماً مدة شهرين أو ثلاثة أو أربعة فقط، ولا تثبت بقية توابع رمضان كصلاة التراويح ووجوب الإمساك على من أصبح مفطراً إلا برؤية الهلال، أو إكمال شعبان ثلاثين يوماً.

7- كيفية إثبات هلال رمضان وهلال شوال:

      اختلف الفقهاء في طريق إثبات هلال رمضان وشوال بين اتجاهات ثلاثة: رؤية جمع عظيم، ورؤية مسلميَن عدلين، ورؤية رجل عدل واحد.

      ذهب الحنفية إلى أنه:

      أ- إذا كانت السماء صحواً: فلا بد من رؤية جمع عظيم لإثبات رمضان، والفطر أو العيد، ومقدار الجمع: من يقع العلم الشرعي (أي غلبه الظن) بخبرهم، وتقديرهم مفوض إلى رأي الإمام في الأصح، واشتراط الجمع لأن المَطْلع متحد في ذلك المحل، والموانع منتفية، والأبصار سليمة، والهمم في طلب الهلال مستقيمة، فالتفرد في الرؤية من بين الجم الغفير -مع ذلك- ظاهر في غلط الرأي.

      ولا بد من أن يقول الواحد منهم في الإدلاء بشهادته: "أشهد".

      ب- وأما إذا لم تكن السماء صحواً بسبب غيم أو غبار ونحوه: اكتفى الإمام في رؤية الهلال بشهادة مسلم واحد عدل عاقل بالغ، (والعدل: هو الذي غلبت حسناته سيئاته) أو مستور الحال في الصحيح، رجلاً كان أو امرأة، حراً أم غيره، لأنه أمر ديني، فأشبه رواية الأخبار. ولا يشترط في هذه الحالة أن يقول: "أشهد" وتكون الشهادة في مصر أمام القاضي، وفي القرية في المسجد بين الناس.

      وتجوز الشهادة على الشهادة، فتصح الشهادة أمام القاضي بناء على شهادة شخص آخر رأى الهلال.

      ومن رأى الهلال وحده، صام، وإن لم يقبل الإمام شهادته، فلو أفطر وجب عليه القضاء دون الكفارة.

      ولا يعتمد على ما يُخبِر به أهل الميقات والحساب والتنجيم، لمخالفته شريعة نبينا عليه أفضل الصلاة والتسليم.

      وذهب المالكية: إلى أنه يثبت هلال رمضان بالرؤية على أوجه ثلاثة هي ما يأتي:

      1- أن يراه جماعة كثيرة وإن لم يكونوا عدولاً: وهم كل عدد يؤمن في العادة تواطؤهم على الكذب. ولا يشترط أن يكونوا ذكوراً أحراراً عدولاً.

      2- أن يراه عَدْلان فأكثر: فيثبت بهما الصوم والفطر في حالة الغيم أو الصحو. والعدل: هو الذكر الحر البالغ العاقل الذي لم يرتكب معصية كبيرة ولم يصر على معصية صغيرة، ولم يفعل ما يخل بالمروءة.

      فلا يجب الصوم في حالة الغيم برؤية عدل واحد أو امرأة أو امرأتين على المشهور، ويجب الصوم قطعاً على الرائي في حق نفسه.

      وتجوز الشهادة بناء على شهادة العدلين إذا نقل الخبر عن كل واحد اثنان، ولا يكفي نقل واحد.

      ولا يشترط في إخبار العدلين أو غيرهم لفظ "أشهد".

      3- أن يراه شاهد واحد عدل: فيثبت الصوم والفطر له في حق العمل بنفسه أو في حق من أخبره ممن لا يعتني بأمر الهلال، ولا يجب على من يعتني بأمر الهلال الصوم برؤيته، ولا يجوز الإفطار بها، فلا يجوز للحاكم أن يحكم بثبوت الهلال برؤية عدل فقط.

      ولا يشترط في الواحد الذكورة ولا الحرية. فإن كان الإمام هو الرائي وجب الصوم والإفطار.

      ويجب على العدل أو العدلين رفع الأمر للحاكم أنه رأى الهلال ليفتح باب الشهادة، ولأنه قد يكون الحاكم ممن يرى الثبوت بعدل.

      أما هلال شوال: فيثبت برؤية الجماعة الكثيرة التي يؤمن تواطؤها على الكذب ويفيد خبرها العلم أو برؤية العدلين كما هو الشأن في إثبات هلال رمضان.

      ولا يثبت الهلال بقول منجّم أي حاسب يحسب سير القمر، لا في حق نفسه ولا غيره، لأن الشارع أناط الصوم والفطر والحج برؤية الهلال، لا بوجوده إن فرض صحة قوله، فالعمل بالمراصد الفلكية وإن كانت صحيحة لا يجوز.

      وذهب الشافعية إلى أنه تثبت رؤية الهلال لرمضان أو شوال أو غيرهما بالنسبة إلى عموم الناس برؤية شخص عدل، ولو مستور الحال، سواء أكانت السماء مصحية أم لا، بشرط أن يكون الرائي عدلاً مسلماً بالغاً عاقلاً حراً ذكراً، وأن يأتي بلفظ "أشهد" فلا تثبت برؤية الفاسق والصبي والمجنون والعبد والمرأة. ودليلهم: أن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما رأى الهلال، فأخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك، فصام وأمر الناس بصيامه. رواه أبو داود. وعن ابن عباس رضي الله عنهما، قال: "جاء أعرابي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: إني رأيت هلال رمضان، فقال: أتشهد أن لا إله إلا الله؟ قال: نعم، قال: تشهد أن محمداً رسول الله؟ قال: نعم، قال: يا بلال، أذن في الناس، فليصوموا غداً" رواه أبو داود والترمذي والمعنى في ثبوته بالواحد الاحتياط للصوم.

      أما الرائي نفسه فيجب عليه الصوم، ولو لم يكن عدلاً (أي فاسقاً) أو كان صبياً أو امرأة أو كافراً، أو لم يشهد عند القاضي، أو شهد ولم تسمع شهادته، كما يجب الصوم على من صدقه ووثق بشهادته.

      وإذا صمنا برؤية عدل، ولم نر الهلال بعد ثلاثين، أفطرنا في الأصح، وإن كانت السماء صحواً، لكمال العدد بحجة شرعية.

      وذهب الحنابلة: إلى أنه يقبل في إثبات هلال رمضان قول مكلف عدل واحد ظاهراً وباطناً ذكراً أو أنثى حراً أو عبداً، ولو لم يقل: أشهد أو شهدت أني رأيته، فلا يقبل قول مميز ولا مستور الحال لعدم الثقة بقوله في الغيم والصحو، ولو كان الرائي في جمع كثير ولم يره منهم غيره.

      ودليلهم الحديث المتقدم أنه صلى الله عليه وسلم صوَّم الناس بقول ابن عمر، ولقبوله خبر الأعرابي السابق به، ولأنه خبر ديني وهو أحوط، ولا تهمة فيه، بخلاف آخر الشهر، ولاختلاف حال الرائي والمرئي، فلو حكم حاكم بشهادة واحد، عمل بها وجوباً. ولا يعتبر لوجوب الصوم لفظ الشهادة، ولا يختص بحاكم، فيلزم الصوم من سمعه من عدل. ولا يجب على من رأى الهلال إخبار الناس أو أن يذهب إلى القاضي أو إلى المسجد. ويجب الصوم على من ردت شهادته لفسق أو غيره، لعموم الحديث: "صوموا لرؤيته" ولا يفطر إلا مع الناس، لأن الفطر لا يباح إلا بشهادة عدلين. وإن رأى هلال شوال وحده لم يفطر لحديث أبي هريرة يرفعه قال: "الفطر يوم يفطرون، والأضحى يوم يضحون". رواه الترمذي. ولاحتمال خطئه وتهمته، فوجب الاحتياط. وتثبت بقية الأحكام إذا ثبتت رؤية هلال رمضان بواحد من وقوع الطلاق المعلق به، وحلول آجال الديون المؤجلة إليه، وغيرها كانقضاء العدة والخيار المشروط ومدة الإيلاء ونحوها تبعاً للصوم.

      ولا يجب الصوم بالحساب والنجوم ولو كثرت إصابتهما، لعدم استناده لما يعول عليه شرعاً.

      ولا يقبل في إثبات بقية الشهور كشوال (من أجل العيد) وغيره إلا رجلان عدلان، بلفظ الشهادة، لأن ذلك مما يطلع عليه الرجال غالباً، وليس بمال ولا يقصد به المال. وإنما ترك ذلك في إثبات رمضان احتياطاً للعبادة.

      وإذا صام الناس بشهادة اثنين: ثلاثين يوماً، فلم يروا الهلال، أفطروا، سواء في حال الغيم أو الصحو، لحديث عبد الرحمن بن زيد بن الخطاب أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "وإن شهد شاهدان فصوموا وأفطروا". رواه النسائي.

      ولا يفطروا إن صاموا الثلاثين يوماً بشهادة واحد، لأنه فطر، فلا يجوز أن يستند إلى واحد، كما لو شهد بهلال شوال.

      وإن صاموا ثمانية وعشرين يوماً، ثم رأوا الهلال، قضوا يوماً فقط. وإن صاموا لأجل غيم ونحوه كدخان، لم يفطروا، لأن الصوم إنما كان احتياطاً، فمع موافقته للأصل : وهو بقاء رمضان، أولى. وإن رأى هلال شوال عدلان، ولم يشهدا عند الحاكم، جاز لم سمع شهادتهما الفطر إذا عرف عدالتهما، وجاز لكل واحد منهما أن يفطر بقولهما إذا عرف عدالة الآخر، لقوله صلى الله عليه وسلم: "فإن شهد شاهدان فصوموا وأفطروا" فإن لم يعرف أحدهما عدالة الآخر، لم يجز له الفطر لاحتمال فسقه إلا أن يحكم بذلك حاكم، فيزول اللبس.

      وإن شهد شاهدان عند الحاكم برؤية هلال شوال : فإن رد الحاكم شهادتهما، لجهله بحالهما، فلمن علم عدالتهما الفطر، لأن رده ههنا ليس بحكم منه بعدم قبول شهادتهما، إنما هو توقف لعدم علمه بحالهما، فهو كالتوقف عن الحكم انتظاراً للبينة، فلو ثبتت عدالتهما بعد ذلك ممن زكاهما حكم بها، لوجود المقتضي، وأما إن رد الحاكم شهادتهما لفسقهما، فليس لهما ولا لغيرهما الفطر بشهادتهما.

      وإذا اشتبهت الأشهر على أسير أو سجين أو من بمفازة أو بدار حرب ونحوهم، اجتهد وتحرى في معرفة شهر رمضان وجوباً، لأنه أمكنه تأدية فرضه بالاجتهاد، فلزمه كاستقبال القبلة، فإن وافق ذلك شهر رمضان أو ما بعد رمضان، أجزأه.

      وإن تبين أن الشهر الذي صامه ناقص، ورمضان الذي فاته كامل تمام، لزمه قضاء النقص، لأن القضاء يجب أن يكون بعدد المتروك. وإن وافق صومه شهراً قبل رمضان كشعبان لم يجزه، لأنه أتى بالعبادة قبل وقتها، فلم يجزه، كالصلاة، فلو وافق بعضه رمضان، فما وافقه أو بعده، أجزأه، دون ما قبله.

      وإن صام من اشتبهت عليه الأشهر، بلا اجتهاد، فكمن خفيت عليه القبلة، لا يجزيه مع القدرة على الاجتهاد.

      - والخلاصة: أن الحنفية يشترطون لإثبات هلال رمضان وشوال رؤية جمع عظيم إذا كانت السماء صحواً، وتكفي رؤية العدل الواحد في حال الغيم ونحوه. ولابد عند المالكية من رؤية عدلين أو أكثر، وتكفي رؤية العدل الواحد عندهم في حق من لا يهتم بأمر الهلال.

      وتكفي رؤية عدل واحد عند الشافعية والحنابلة، ولو مستور الحال عند الشافعية، ولا يكفي المستور عند الحنابلة، كما لا بد عند الحنابلة من رؤية هلال شوال من عدلين لإثبات العيد.

      - وتقبل شهادة المرأة عند الحنفية والحنابلة، ولا تقبل عند المالكية والشافعية.

      8- طلب رؤية الهلال: وذهب الحنفية: إلى أنه يجب للناس أن يلتمسوا الهلال في اليوم التاسع والعشرين من شعبان، وكذا هلال شوال لأجل إكمال العدة، فإن رأوه صاموا، وإن غم عليهم، أكملوا عدة شعبان ثلاثين يوماً، ثم صاموا، لأن الأصل بقاء الشهر، فلا ينتقل عنه إلا بدليل، ولم يوجد.

      وذهب الحنابلة: إلى أنه يستحب ترائي الهلال احتياطاً للصوم، وحذاراً من الاختلاف.

      قالت عائشة: "كان النبي صلى الله عليه وسلم يتحفظ في شعبان ما لا يتحفظ في غيره، ثم يصوم لرؤية رمضان" رواه الدارقطني وروى أبو هريرة مرفوعاً: "أحصوا هلال شعبان لرمضان". رواه الترمذي.

      ويسن إذا رأى المرء الهلال كبَّر ثلاثاً، وقال: "اللهم أهلّه علينا باليُمن والإيمان، والأمن والأمان، ربي وربك الله" ويقول ثلاث مرات: "هلال خير ورشد" ويقول: "آمنت بالذي خلقك" ثم يقول: "الحمد لله الذي ذهب بشهر كذا، وجاء بشهر كذا" وروى الأثرم عن ابن عمر، قال: "كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا رأى الهلال قال: الله أكبر، اللهم أهلّه علينا بالأمن والإيمان، والسلامة والإسلام، والتوفيق لما تحب وترضى، ربي وربك الله".

      وإذا رئي الهلال يكره عند الحنفية أن يشير الناس إليه، لأنه من عمل الجاهلية.

 

 

      9- اختلاف المطالع:

      اختلف الفقهاء على قولين في وجوب الصوم وعدم وجوبه على جميع المسلمين في المشارق والمغارب في وقت واحد، بحسب القول باتفاق مطالع القمر أو اختلاف المطالع.

      ذهب الجمهور -الحنفية والمالكية والحنبلية- إلى أنه يوحد الصوم بين المسلمين، ولا عبرة باختلاف المطالع.

      وذهب الشافعية إلى أنه يختلف بدء الصوم والعيد بحسب اختلاف مطالع القمر بين مسافات بعيدة.

      هذا مع العلم بأن نفس اختلاف المطالع لا نزاع فيه، فهو أمر واقع بين البلاد البعيدة كاختلاف مطالع الشمس، ولا خلاف في أن للإمام الأمر بالصوم بما ثبت لديه، لأن حكم الحاكم يرفع الخلاف، وأجمعوا أنه لا يراعى ذلك في البلدان النائية جداً كالأندلس والحجاز، وأندونيسيا والمغرب العربي.

      تفصيل آراء المذاهب في ذلك:

      قال الحنفية: اختلاف المطالع، ورؤية الهلال نهاراً قبل الزوال وبعده غير معتبر، فيلزم أهل المشرق برؤية أهل المغرب، إذا ثبت عندهم رؤية أولئك، بطريق موجب، كأن يتحمل اثنان الشهادة، أو يشهدا على حكم القاضي، أو يستفيض الخبر، بخلاف ما إذا أخبر أن أهل بلدة كذا رأوه، لأنه حكاية.

      وقال المالكية: إذا رئي الهلال، عمَّ الصوم سائر البلاد، قريباً أو بعيداً، ولا يراعى في ذلك مسافة قصر، ولا اتفاق المطالع، ولا عدمهما، فيجب الصوم على كل ما منقول إليه، إن نقل ثبوته بشهادة عدلين أو بجماعة مستفيضة، أي منتشرة.

      وقال الحنابلة: إذا ثبتت رؤية الهلال بمكان، قريباً كان أو بعيداً، لزم الناس كلهم الصوم، وحكم من لم يره حكم من رآه.

      وقال الشافعية: إذا رئي الهلال ببلد لزم حكمه البلد القريب لا البعيد بحسب اختلاف المطالع، واختلاف المطالع لا يكون في أقل من أربعة وعشرين فرسخاً.

      وإذا لم نوجب على البلد الآخر وهو البعيد، فسافر إليه من بلد الرؤية من صام به، فالأصح أنه يوافقهم وجوباً في الصوم آخراً، وإن كان قد أتم ثلاثين، لأنه بالانتقال إلى بلدهم، صار واحداً منهم، فيلزمه حكمهم.

      ومن سافر من البلد الآخر الذي لم ير فيه الهلال إلى بلد الرؤية، عيَّد معهم وجوباً، لأنه صار واحداً منهم، سواء أصام ثمانية وعشرين يوماً، أم تسعة وعشرين بأن كان رمضان تاماً عندهم، وقضى يوماً إن صام ثمانية وعشرين، لأن الشهر لا يكون كذلك.

      ومن أصبح مُعَيِّداً، فسارت سفينته أو طائرته إلى بلدة بعيدة أهلها صيام، فالأصح أنه يمسك بقية اليوم وجوباً، لأنه صار واحداً منهم.

      ورأي الجمهور هو الأرجح توحيداً للعبادة بين المسلمين، ومنعاً من الاختلاف غير المقبول في عصرنا، ولأن إيجاب الصوم معلق بالرؤية، دون تفرقة بين الأقطار.

      10- ركن الصوم:

      ركن الصوم باتفاق الفقهاء هو: الإمساك عن المفطرات، وذلك من طلوع الفجر الصادق، حتى غروب الشمس.

      ودليله قوله تعالى:{وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ} [البقرة: 187].

      والمراد من النص: بياض النهار وظلمة الليل، لا حقيقة الخيطين، فقد أباح الله تعالى هذه الجملة من المفطرات ليالي الصيام، ثم أمر بالإمساك عنهن في النهار، فدل على أن حقيقة الصوم وقوامه هو ذلك الإمساك.

      11- شروط وجوب الصوم:

      شروط وجوب الصوم، أي: اشتغال الذمة بالواجب هي شروط افتراضه والخطاب به. وهي:

      أ- الإسلام، وهو شرط عام للخطاب بفروع الشريعة.

      ب- العقل، إذ لا فائدة من توجه الخطاب بدونه، فلا يجب الصوم على مجنون إلا إذا أثم بزوال عقله، في شراب أو غيره، ويلزمه قضاؤه بعد الإفاقة.

      وعبر الحنفية بالإفاقة بدلاً من العقل، أي الإفاقة من الجنون والإغماء أو النوم، وهي اليقظة.

      ج- البلوغ، ولا تكليف إلا به، لأن الغرض من التكليف هو الامتثال، وذلك بالإدراك والقدرة على الفعل -كما هو معلوم في الأصول- والصبا والطفولة عجز.

      ونص الفقهاء على أنه يؤمر به الصبي لسبع -كالصلاة- إن أطاقه، ويضرب على تركه لعشر.

      والحنابلة قالوا: يجب على وليهّ أمرُه بالصوم إذا أطاقه، وضربه حينئذ إذا تركه ليعتاده، كالصلاة، إلا أن الصوم أشق، فاعتبرت له الطاقة، لأنه قد يطيق الصلاة من لا يطيق الصوم.

      د- العلم بالوجوب، فمن أسلم في دار الحرب، يحصل له العلم الموجب، بإخبار رجلين عدلين، أو رجل مستور وامرأتين مستورتين، أو واحد عدل، ومن كان مقيماً في دار الإسلام، يحصل له العلم بنشأته في دار الإسلام، ولا عذر له بالجهل.

      12- شروط وجوب أداء الصوم:

      شروط وجوب الأداء الذي هو تفريغ ذمة المكلف عن الواجب في وقته المعين له هي:

      أ- الصحة والسلامة من المرض، لقوله تعالى: {وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} [البقرة: 185].

      ب- الإقامة، {أو على سفر}.

      أما الصحة والإقامة، فشرطان في وجوب الصيام، لا في صحته، ولا في وجوب القضاء، فإن وجوب الصوم يسقط عن المريض والمسافر، ويجب عليهما القضاء، إن أفطرا إجماعاً، ويصح صومهما إن صاما ...

      ج- خلو المرأة من الحيض والنفاس، لأن الحائض والنفساء ليستا أهلاً للصوم.

      ولحديث عائشة رضى الله تعالى عنها لما سألتها معاذة: "ما بال الحائض، تقضي الصوم ولا تقضي الصلاة؟ فقالت: أحرورية أنتِ؟ قلت: لست بحرورية، ولكني أسأل، قالت: كان يصيبنا ذلك، فنؤمر بقضاء الصوم، ولا نؤمر بقضاء الصلاة" متفق عليه.

      فالأمر بالقضاء فرع وجوب الأداء.

      والإجماع منعقد على منعهما من الصوم، وعلى وجوب القضاء عليهما.

      13- شروط صحة الصوم:

      شرط صحة الصوم هي:

      أ- الطهارة من الحيض والنفاس.

      ب- خلّوه عما يفسد الصوم بطروّه عليه كالجماع.

      ج- النية. وذلك لأن صوم رمضان عبادة، فلا يجوز إلا بالنية، كسائر العبادات. ولحديث: "إنما الأعمال بالنيات" متفق عليه.

      والإمساك قد يكون للعادة، أو لعدم الاشتهاء، أو للمرض، أو للرياضة، فلا يتعين إلا بالنية، كالقيام إلى الصلاة والحج. ولا يصح الصوم إلا بنية، ومحلها القلب، ولا يشترط النطق بها، بلا خلاف.

      صفة النية:

      صفة النية، أن تكون جازمة، معينة، مبيّتة، مجددة، على ما يلي:

      أولاً: الجزم، فقد اشترط في نية الصوم، قطعاً للتردد، حتى لو نوى ليلة الشك، صيام غدٍ، إن كان من رمضان لم يجزه، ولا يصير صائماً لعدم الجزم، فصار كما إذا نوى أنه إن وجد غداء غداً يفطر، وإن لم يجد يصوم.

      ونص الشافعية والحنابلة على أنه إن قال: إن كان غداً من رمضان فهو فرضي، وإلا فهو نفل، أو فأنا مفطر، لم يصح صومه، إن ظهر أنه من رمضان، لعدم جزمه بالنية.

      وإن قال ذلك ليلة الثلاثين من رمضان، صح صومه إن بان منه، لأنه مبني على أصل لم يثبت زواله، ولا يقدح تردده، لأنه حكم صومه مع الجزم. بخلاف ما إذا قاله ليلة الثلاثين من شعبان، لأنه لا أصل معه يبنى عليه، بل الأصل بقاء شعبان.

      ثانياً: التعيين: ذهب جمهور الفقهاء إلى أنه لابد من تعيين النية في صوم رمضان، وصوم الفرض والواجب، ولا يكفي تعيين مطلق الصوم، ولا تعيين صومٍ معين غير رمضان.

      وكمال النية: أن ينوي صوم غد، عن أداء فرض رمضان هذه السنة لله تعالى.

      وإنما اشترط التعيين في ذلك، لأن الصوم عبادة مضافة إلى وقت، فيجب التعيين في نيتها، كالصلوات الخمس، ولأن التعيين مقصود في نفسه، فيجزئ التعيين عن نية الفريضة في الفرض، والوجوب في الواجب.

      وذهب الحنفية في التعيين إلى تقسيم الصيام إلى قسمين:

      القسم الأول: لا يشترط فيه التعيين، وهو: أداء رمضان، والنذر المعين زمانه، وكذا النفل، فإنه يصح بمطلق نية الصوم، من غير تعيين.

      وذلك لأن رمضان معيار وهو مضيّق، لا يسع غيره من جنسه وهو الصوم، فلم يشرع فيه صوم آخر، فكان متعيناً للفرض، والمتعين لا يحتاج إلى تعيين، والنذر المعين معتبر بإيجاب الله تعالى، فيصاب كل منهما بمطلق النية، وبأصلها، وبنية نفل، لعدم المزاحم.

      وكل يوم معيّن للنفل ماعدا رمضان، والأيام المحرم صومها، وما يعيّنه المكلف بنفسه، فكل ذلك متعين، ولا يحتاج إلى التعيين.

      والقسم الثاني: يشترط فيه التعيين، وهو: قضاء رمضان، وقضاء ما أفسده من النفل، وصوم الكفارات بأنواعها، والنذر المطلق عن التقييد بزمان، سواء أكان معلقاً بشرط، أم كان مطلقاً، لأنه ليس له وقت معين، فلم يتأد إلا بنية مخصوصة، قطعاً للمزاحمة.

      ثالثاً- التبييت:

      والتبييت: إيقاع النية في الليل، ما بين غروب الشمس إلى طلوع الفجر، فلو قارن الغروب أو الفجر أو شك، لم يصح، كما هو قضية التبييت.

      - ذهب المالكية والشافعية والحنابلة إلى شرط التبييت في صوم الفرض.

      وفي قول للمالكية، يصح لو قارنت الفجر، كما في تكبيرة الإحرام، لأن الأصل في النية المقارنة للمنْوى.

      ويجوز أن تقدّم من أول الليل، ولا تجوز قبل الليل.

      ولأن صوم القضاء والكفارات، لابد لها من تبييت النية، فكذا كل صوم فرضٍ معين.

      ولا تجزئ بعد الفجر، وتجزئ مع طلوع الفجر إن اتفق ذلك، ورخص تقدمها عليه للمشقة في مقارنتها له.

      والصحيح عند الشافعية والحنابلة: أنه لا يشترط في التبييت النصف الآخر من الليل، لإطلاقه في الحديث، ولأن تخصيص النية بالنصف الأخير يفضي إلى تفويت الصوم، لأنه وقت النوم، وكثير من الناس لا ينتبه فيه، ولا يذكر الصوم، والشارع إنما رخص في تقديم النية على ابتدائه، لحرج اعتبارها عنده، فلا يخصها بمحل لا تندفع المشقة بتخصيصها به، ولأن تخصيصها بالنصف الأخير تحكّم من غير دليل، بل تُقَرَّب النيةُ من العبادة، لماّ تعذر اقترانها بها.

      والصحيح أيضاً: أنه لا يضر الأكل والجماع بعد النية ما دام في الليل، لأنه لم يلتبس بالعبادة، وقيل : يضر فتحتاج إلى تجديدها، تحرزاً عن تخلل المناقض بينها وبين العبادة، لما تعذر اقترانها بها.

      والصحيح أيضاً: أنه لا يجب التجديد لها إذا نام بعدها، ثم تنبه قبل الفجر، وقيل: يجب، تقريباً للنية من العبادة بقدر الوسع.

      وذهب الحنفية إلى عدم اشتراط التبييت في رمضان. ولماَّ لم يشترطوا تبييت النية في ليل رمضان، أجازوا النية بعد الفجر دفعاً للحرج أيضاً، حتى الضحوة الكبرى، فينوي قبلها ليكون الأكثر منوياً، فيكون له حكم الكل، حتى لو نوى بعد ذلك لا يجوز، لخلو الأكثر عن النية، تغليباً للأكثر.

      والضحوة الكبرى: نصف النهار الشرعي، وهو من وقت طلوع الفجر إلى غروب الشمس.

      وقال الحنفية: والأفضل الصوم بنية معينة مبيَّتة للخروج عن الخلاف.

      واشترط الحنفية تبييت النية في صوم الكفارات والنذور المطلقة وقضاء رمضان.

      أما النفل فيجوز صومه عند الجمهور -خلافاً للمالكية- بنيةٍ قبل الزوال.

      لحديث عائشة رضي الله تعالى عنها قالت: "دخل علّي النبي صلى الله عليه وسلم ذات يوم، فقال: هل عندكم شيء؟، فقلنا: لا. فقال: فإني إذن صائم" رواه مسلم.

      ولأن النفل أخف من الفرض، والدليل عليه: أنه يجوز ترك القيام في النفل مع القدرة، ولا يجوز في الفرض.

      ومذهب المالكية: أنه يشترط في صحة الصوم مطلقاً، فرضاً أو نفلاً، نية مبيتة، وذلك لإطلاق الحديث المتقدم: "من لم يُجْمِعِ الصيام من الليل، فلا صيام له".

      ومذهب الحنابلة جواز النية في النفل، قبل الزوال وبعده، والنية وجدت في جزء من النهار، فأشبه وجودها قبل الزوال بلحظة.

      ويشترط لجواز نية النفل في النهار عند الحنابلة: أن لا يكون فَعَل ما يفطره قبل النية، فإن فعل فلا يجزئه الصوم.

      رابعاً: تجديد النية:

      ذهب الجمهور - الحنفية والشافعية والحنبلية- إلى تجديد النية في كل يوم من رمضان، من الليل أو قبل الزوال -على الخلاف السابق- وذلك: لكي يتميز الإمساك عبادةً، عن الإمساك عادة أو حِمْيَة.

      ولأن كل يوم عبادة مستقلة، لا يرتبط بعضه ببعض، ولا يفسد بفساد بعض، ويتخللها ما ينافيها، وهو الليالي التي يحل فيها ما يحرم في النهار، فأشبهت القضاء، بخلاف الحج وركعات الصلاة.

      وذهب مالك أنه تكفي نية واحدة عن الشهر كله في أوله، كالصلاة. وكذلك في كل صوم متتابع، ككفارة الصوم والظهار، ما لم يقطعه أو يكن على حالة يجوز له الفطر فيها، فيلزمه استئناف النية، وذلك لارتباط بعضها ببعض، وعدم جواز التفريق، فكفت نية واحدة، وإن كانت لا تبطل ببطلان بعضها، كالصلاة.

      فعلى ذلك لو أفطر يوماً لعذر أو غيره، لم يصح صيام الباقي بتلك النية، كما جزم به بعضهم، وقيل: يصح، وقدمه بعضهم.

      ويقاس على ذلك النذر المعين.

      استمرار النية:

      اشترط الفقهاء الدوام على النية، فلو نوى الصيام لجسم، والتي تعتبر موصلة للمادة موع الفجر لا يصير صائماً.

      ويشترط الدوام عليها فلو نوى من الليل، ثم رجع عن نيتة قبل طلوع الفجر، صح رجوعه ولا يصير صائماً، ولو أفطر لا شيء عليه إلا القضاء، بانقطاع النية بالرجوع، فلا كفارة عليه ترطوا ذلك، بل اكتفوا بتحقق وصوله تبييت، إلا إذا جدد النية، بأن ينوي الصوم في وقت النية، تحصيلاً لها، لأن الأولى غير معتبرة، بسبب الرجوع عنها.

      ولا تبطل النية بقوله: أصوم غداً إن شاء الله، لأنه بمعنى الاستعانة، وطلب التوفيق والتيسير. والمشيئة إنما تبطل اللفظ، والنية فعل القلب.

      وكذا سائر العبادات، لا تبطل بذكر المشيئة في نيتها.

      ولا تبطل النية بأكله أو شربه أو جماعه بعدها عند جمهور الفقهاء.

      - ولو نوى الإفطار في أثناء النهار.

      ذهب الحنفية والشافعية إلى أنه لا يفطر، كما لو نوى التكلم في صلاته ولم يتكلم.

      وذهب المالكية والحنابلة: إلى أنه يفطر، لأنه قطع نية الصوم بنية الإفطار، فكأنه لم يأت بها ابتداء.

      - الإغماء والجنون والسكر بعد النية:

      اختلف الفقهاء فيما إذا نوى الصيام من الليل، ثم طرأ عليه إغماء أو جنون أو سكر:

      فإن لم يفق إلا بعد غروب الشمس:

      فذهب المالكية والشافعية والحنابلة إلى عدم صحة صومه، لأن الصوم هو الإمساك مع النية، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: "قال الله بكل عمل ابن آدم له إلا الصوم، فإنه لي وأن أجزي به، يدع شهوته وطعامه من أجلي" رواه البخاري.

      فأضاف ترك الطعام والشراب إليه، فإذا كان مغمى عليه فلا يضاف الإمساك إليه، فلم يجزئه.

      وذهب الحنفية إلى صحة صومه، لأن نيته قد صحت، وزوال الاستشعار بعد ذلك لا يمنع صحة الصوم، كالنوم.

      أما إذا أفاق أثناء النهار:

      فذهب الحنفية إلى تجديد النية إذا أفاق قبل الزوال.

      وذهب المالكية إلى عدم صحة صومه.

      وذهب الشافعية والحنابلة إلى أنه إذا أفاق في أي جزء من النهار صح صومه، سواء أكان في أوله أم في آخره.

      وفرق الشافعية بين الجنون والإغماء، فالمذهب: انه لو جن في أثناء النهار بطل صومه، وقيل: هو كالإغماء.

      وأما الردة بعد نية الصوم فتبطل الصوم بلا خلاف.

      15- سنن الصوم ومستحابته:

      سنن الصوم ومستحابته كثيرة، أهمها:

      أ- السحور، وقد ورد فيه حديث أنس رضى الله تعالى عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "تسحّروا فإن في السّحور بركة" رواه البخاري.

      ب- تأخير السّحور، وتعجيل الفطر، ومما ورد فيه حديث سهل بن سعد رضى الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا يزال الناس بخير ما عجّلوا الفطر" متفق عليه.

      وحديث زيد بن ثابت -رضي الله عنه-: "تسحّرنا مع النبي صلى الله عليه وسلم ثم قام إلى الصلاة. قلت: كم كان بين الأذان والسحور؟ قال: قدر خمسين آية" متفق عليه.

      ج- ويستحب أن يكون الإفطار على رطبات، فإن لم تكن فعلى تمرات.

      وفي هذا ورد حديث أنس رضي الله تعالى عنه قال: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يفطر قبل أن يصلي على رطبات، فإن لم تكن رطبات فتميرات، فإن لم تكن تميرات حسا حسوات من ماء" رواه الترمذي.

      وورد فيه حديث عن سلمان بن عامر الضبي رضي الله عنه قال: "قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا أفطر أحدكم فليفطر على تمر، فإنه بركة، فمن لم يجد فليفطر على ماء، فإنه طهور" رواه الترمذي.

      د- ويستحب أن يدعو عند الإفطار، فقد ورد عن عبد الله بن عمرو رضى الله تعالى عنهما مرفوعاً: "إن للصائم دعوة لا ترد" رواه ابن ماجة.

      وفي الحديث عن ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا أفطر قال: "ذهب الظمأ، وابتلت العروق، وثبت الأجر إن شاء الله تعالى" رواه أبو داوود.

      وهناك فضائل من خصائص شهر رمضان كالتراويح، والإكثار من الصدقات، والاعتكاف، وغيرها.

      ومن أهم ما ينبغي أن يترفع عنه الصائم ويحذره: ما يحبط صومه من المعاصي الظاهرة والباطنة، فيصون لسانه عن اللغو والهذيان والكذب، والغيبة والنميمة، والفحش والجفاء، والخصومة والمراء، ويكف جوارحه عن جميع الشهوات والمحرمات، ويشتغل بالعبادة، وذكر الله، وتلاوة القرآن. وفي الصحيح من حديث أبي هريرة رضى الله تعالى عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "قال الله تعالى: كل عمل ابن آدم له إلا الصيام، فإنه لي وأنا أجزي به، والصيام جُنَّة، وإذا كان يوم صوم أحدكم، فلا يرفث ولا يصخب، فإن سابّه أحد أو قاتله، فليقل: إني امرؤ صائم" متفق عليه. وعن أبي هريرة رضى الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من لم يَدَعْ قول الزور، والعمل به، فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه" رواه البخاري.

      15-مفسدات الصوم:

      يَفْسد الصوم كلما انتفى شرط من شروطه، أو اختل أحد أركانه، كالردة، وكطروء الحيض والنفاس، وكل ما ينافيه من أكل وشرب ونحوهما، ودخول شيء من خارج البدن إلى جوف الصائم.

      ويشترط في فساد الصوم بما يدخل إلى الجوف ما يلي:-

      أ- أن يكون الداخل إلى الجوف، من المنافذ الواسعة -كما قيده بذلك المالكية- والمفتوحة - كما قال الشافعية- أي: المخارق الطبيعية الأصلية في الجسم، والتي تعتبر موصلة للمادة من الخارج إلى الداخل، كالفم والأنف والأذن.

      وقد استدل لذلك، بالاتفاق على أن من اغتسل في ماء، فوجد برده في باطنه لا يفطر، ومن طلى بطنه بدهن لا يضر، لأن وصوله إلى الجوف بتشرّب.

      - والحنابلة لم يشترطوا ذلك، بل اكتفوا بتحقق وصوله إلى الحلق والجوف، والدماغُ جوف.

      ب- أن يكون الداخل إلى الجوف مما يمكن الاحتراز عنه، كدخول المطر والثلج بنفسه حلق الصائم إذا لم يبتلعه بصنعه، فإن لم يمكن الاحتراز عنه -كالذباب يطير إلى الحلق، وغبار الطريق- لم يفطر إجماعاً.

      والجوف هو: الباطن، سواء أكان مما يحيل الغذاء والدواء، أي يغيرهما كالبطن والأمعاء، أم كان مما يحيل الدواء فقط كباطن الرأس أو الأذن، أم كان مما لا يحيل شيئا كباطن الحلق.

      قال الشافعية: الحلق كالجوف، في بطلان الصوم بوصول الواصل إليه، فإذا جاوز الشيء الحلقوم أفطر.

      فباطن الدماغ والأمعاء والمثانة مما يفطر الوصول إليه.

      ج- والجمهور على أنه لا يشترط أن يكون الداخل إلى الجوف مغذياً، فيفسد الصوم بالداخل إلى الجوف مما يغذي أو لا يغذي، كابتلاع التراب ونحوه.

      د-وشُرط كون الصائم قاصدا ذاكرا لصومه، أما لو كان ناسيا أنه صائم،فلا يفسد صومه عند الجمهور، وذلك لحديث أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"من نسي وهو صائم، فأكل أو شرب، فليتم صومه، فإنما أطعمه الله وسقاه". متفق عليه.

      ويستوي في ذلك الفرض والنفل لعموم الأدلة.

·     وذهب مالك إلى أن من نسى في رمضان، فأكل أو شرب، عليه القضاء، أما لو نسي في غير رمضان، فأكل أو شرب، فإنه يتم صومه، ولا قضاء عليه.

هـ- وشرط الحنفية والمالكية استقرار المادة في الجوف، وعللوه بأن الحصاة-مثلا-تشغل المعدة شغلاً ما وتنقص الجوع.

      وعلى قول الحنفية والمالكية: لو لم تستقر المادة، بأن خرجت من الجوف لساعتها لا يفسد الصوم، كما لو أصابته سهام فاخترقت بطنه ونفذت من ظهره، ولو بقى النصل في جوفه فسد صومه، ولو كان ذلك بفعله يفسد صومه.

      ولم يشترط الشافعية والحنابلة استقرار المادة في الجوف إذا كان باختياره.

      و- وشرط الشافعية والحنابلة، أن يكون الصائم مختاراً فيما يتناوله، من طعام أو شراب أو دواء، فلو أُوجر الماءَ، أو صُبَّ الدواءُ في حلقه مكرهاً، لم يفسد صومه عندهم، لأنه لم يفعل ولم يقصد.

      ولو أكره على الإفطار، فأكل أو شرب.

      قال الشافعية: بعدم الفطر، وعللوا عدم الإفطار بأن الحكم الذي ينبني على اختياره ساقط، لعدم وجود الاختيار.

      ومذهب الحنابلة: أنه لا يفسد صومه قولاً واحداً، وهو كالإيجار، وذلك لحديث"إن الله وضع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه"رواه ابن حاجه، فإنه عام.

·     ومذهب الحنفية والمالكية: أن الإكراه على الإفطار يفسد الصوم، ويستوجب القضاء.